رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هذا ما حدث.. إنها الثورة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في ذلك اليوم توقعت - مثل غيري - أنه سيمرّ كما مرّت أيام الاحتجاجات السابقة التي شهدتها السنوات الأخيرة ضد نظام الفساد والاستبداد - نظام حسني مبارك - في ذلك اليوم، الثلاثاء 25 يناير عام 2011، وفي العاشرة صباحا، كنت في مكتبي في جريدة الأهالي أشرب قهوتي الصباحية وأجري اتصالات بأمناء حزب التجمع بالمحافظات لمتابعة أخبار المظاهرات لديهم.
تلقيت الخبر الأول في مكالمة من زميلتنا الصحفية الشابة "نسمة تليمة": "المظاهرة دلوقتي في شبرا وهنطلع منها على رمسيس، الشرطة بتضرب بشكل عنيف، وبتضرب قنابل مسيلة للدموع"، كانت بداية التجمع صباحا أمام دار القضاء العالي ثم تحرك الجمع إلى ميدان التحرير وتصدّت له الشرطة بعنف، فلجأ عدد من المتظاهرين إلى مترو الأنفاق للانضمام إلى مظاهرة شارع شبرا، كانت الحشود أكبر من المعتاد وكانت الأعداد تتزايد رغم شراسة وعنف الشرطة، وفي حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف من بعد الظهر تلقيت اتصالا من الزملاء في حزب التجمع بمحافظة أسوان: "المظاهرة كبيرة قوي، عُمر أسوان ما شافتها"، كان الشعار المرفوع والذي سمعته عبر التليفون: "يا مصر يا أصيلة.. السكة مش بعيدة.. بس إنتي قولي لا"، ردّدت الهتاف معهم وبكيت.
في الساعة الواحدة بعد الظهر وصل إلى المكاتب صوت الزميلة الصحفية "رشا عازر" وكانت تتابع الوكالات والمواقع الإخبارية: "السويس مولّعة وفيه شباب اتقتل"، إذن كان لا بدّ من تأخير إرسال الجريدة إلى المطبعة والانتظار حتى عودة الزميلات والزملاء من الميادين لتغطية الأحداث، عادت نسمة تليمة، رانيا نبيل وهبة صلاح كأنهن عائدات من أرض المعركة، تلقتهن الفنانة الشابة رسامة الكاريكتير الزميلة سحر عيسى، وظلت تدور بين المكاتب تجمع المادة ورقة ورقة من الزميلات والزملاء، وتسكنها في الصفحات وتصارع الوقت لترسم الأحداث بخطوطها، في ذلك اليوم كنا - وما زلنا - نقول: "سحر عملتلها ييجي خمسين كيلو مشي في الجورنان".
في ذلك اليوم - وبعد وصول الجريدة إلى المطبعة - شعرنا في لحظة أننا نعود إلى الدنيا أو إلى الوعي، كنا نتحرك في المكان كأننا نصارع أمواجا لا نشعر بتلاطمها، كأننا نعيش حلما أو أننا انتقلنا من زمن إلى زمن آخر، تركت الجريدة في الساعة السابعة مساء - بعد أن تولى الزميل الصديق ابن جيلي وعمري الفنان حسنين مسؤولية البنات، أقصد زميلاتنا الصحفيات، وتدبير كيفية عودتهن إلى بيوتهن سالمات - قطعت المسافة من ميدان طلعت حرب حيث مقر جريدة الأهالي، إلى بيتي في ميدان لاظوغلي في ساعة ونصف الساعة، وهي المسافة التي تستغرق ربع الساعة سيرا على الأقدام، فقد أوقفتني حوالي عشر لجان شرطية للتفتيش وفحص البطاقة الشخصية وإبراز عدم الاهتمام أو الاعتبار بكارنيه نقابة الصحفيين، لم تكن هذه السخافات مفاجئة لي، خاصة وأنني كنت أسير في محيط وزارة الداخلية.
وصلت بيتي وكان زوجي "صلاح عدلي" قد عاد مصابا بكدمات في مناطق متفرقة من جسده، وبسحجات في قدميه وذراعيه، كانت هذه حصته من عنف الشرطة ضد المتظاهرين، في ذلك اليوم خرج الشعب المصري من كل الأجيال والطبقات ينبئ ويعلن "أنها الثورة"، التي شارك في قيادة مظاهراتها في مدينة طنطا - رغم سنّه السبعيني وحالته الصحية - الراحل العظيم "عريان نصيف"، ابن الحركة الشيوعية في أربعينيات القرن الماضي.
وإلى ميادين مصر - من أقصاها إلى أقصاها - خرج الشعب المصري من كل الطبقات والأعمار، وكما قالها عمنا الراحل أحمد فؤاد نجم: "عمّال وفلاّحين وطلبة"، جميعهم يهتفون: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية".