السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أنا حرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحكومة العراقية الجديدة.. «للمحاصصة در!»
استهل الرئيس العراقى برهم صالح ولايته بتوجيه عدة دعوات إلى تشكيل حكومة عراقية تراعى التمثيل السياسى بعيدا عن المحاصصة الطائفية، مؤكدا عدم جدوى الاستناد إلى ماضى نهج سياسى مقيت تحمل وزره المواطن واستقرار العراق. النوايا الصادقة فى تصريحات صالح، الذى يُحسب له الجمع بين الخلفية السياسية والثقافية، قد لا تبدو كافية للمضى نحو بارقة الأمل الوحيدة للخروج من النفق المظلم.. خصوصا مع حجم الضغوط الهائلة- إقليميا ودوليا- التى تتعرض لها العملية السياسية والقائمون الجدد على تحمل مسئولية إدارتها.
الإرث «الاحتلالي» الذى ابتكره الغزو الأمريكى عام 2003 دون أن يكون للعراقيين أى دور فى صناعته فرض أن تجرى رياح «المحاصصة» بما لا تشتهى سُفُن عراق المواطنة.. ذلك أن أولويات هذا النظام البغيض فرضت اتباع كتلة الحزبية، الطائفية، العشائرية والدفاع عنها حتى عند الفشل أو التورط فى قضايا فساد، على حساب الكفاءات الوطنية.. ما يشكل عائقا أمام امتلاك الحكومة الجديدة القدرة والقوة على وضع حلول جذرية تخمد غليان الشارع الذى لا تنقطع انتفاضاته من أجل مطالب مشروعة تدعو إلى وضع حد لتوحش الفساد المالى والإدارى وتوفير الخدمات الأساسية للمواطن، خيبة أمل العراقيين بدت متوقعة فى ظل كل الضغوط والتهديدات الممارسة خلف الأبواب المغلقة، حتى نالت حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدى ثقة مجلس النواب بعد اعتراضات كثيرة.
الإشكالية الأخطر أمام المشهد العراقى السياسى لا تقتصر على تناقض تصريحات عبد المهدى عن التزامه بمعايير جديدة فى اختيار الوزراء بعيدا عن أخطاء نظام المحاصصة، لكنها تكمن فى الرهان على صلابة هذه الحكومة ومستقبلها. ظهور عبدالمهدي، مهما بلغت الرهانات على كونه وجه «مستقل» مقبول لدى كل الأطراف المتضادة لن تضمن له أو أى طرف ممارسة هذا «الاستقلال» وسط صراع النفوذ والمصالح الأمريكية- الإيرانية التى استخدمت كل أوراقها للتحكم فى المرحلة المقبلة ودعم كل ما رسخته من ولاءات حزبية تجذرت فى عمق العمل السياسى بكل نفوذها وأسلحتها حتى صار حلم القضاء على سيطرتها يبدو مستحيلا بدون تفكيك الدعم الإقليمى والأمريكى الذى تحظى به هذه الأطراف، كى تكون الضامن لبقاء وضع سياسى هش يغلب عليه الفوضى والعجز، مقابل بركان المطالب الشعبية الذى ينذر بالانفجار والتمدد ليشمل كل مدن العراق بعدما أصبح طقسا معتادا فى البصرة ومحافظات عديدة. ما يضاعف صعوبة موقف حكومة عبدالمهدى عدم امتلاكه كتلة نيابية تسانده، ما يرجح فرض عبدالمهدى على الأحزاب باتفاق إيرانى ومباركة أمريكية.
الخروج من نظام المحاصصة.. أو المنبع الرئيسى الذى تتدفق منه أزمات العراق وتزداد تفاقما، بات أكثر تعقيدا من تعهدات أو رغبة صادقة لدى حكومة جديدة.. إذ ستصطدم محاولة تشكيل وزارة من الكفاءات الوطنية أو «التكنوقراط» بالضغوط الإقليمية- تحديدا إيران- وهى حاليا تحت ضغط اقتصادى وسياسى سيزداد تأثرها بتداعياته خلال الفترة المقبلة، ما سيدفعها نحو فتح مسارات بديلة، فور دعوة عبدالمهدى إلى أولوية تأمين الشريط الحدودى بين العراق- سوريا، بادرت قوات الحشد الشعبى إعلان حالة التأهب وعززت تواجدها على الحدود حتى أن أمريكا أعلنت مخاوفها من كثافة تواجد هذه القوات لما قد تمثله من خطوة إضافية أمام التوسع الإيرانى عبر خلق محور يسمح لها بحرية التحرك بين سوريا والعراق وإيران، خاصة أن الطبيعة الجغرافية لهذا الشريط الحدودى تسمح لها بالتغلغل والتخفى ما يتيح فتح منافذ لتسويق البترول الإيرانى بعيدا عن مراقبة الحصار الأمريكى المفروض عليها.. بل مضت خطوة أبعد نحو استفزاز أمريكا بغلق ممر «الباغور» الذى تستخدمه القوات الأمريكية بين سوريا والعراق، بالإضافة إلى تقدم كتلة الحشد الشعبى بطلب إلى البرلمان لمناقشة التواجد العسكرى الأمريكى فى العراق.
على الصعيد الداخلي.. أحداث الثورة المطلوبة سياسيا وإداريا من الجذور سيضع عبد المهدى فى مواجهة عنيفة مع قوى حزبية، طائفية، دينية، عشائرية.. بكل توغل جذورها وارتباط مصالحها المباشرة بحالة الفساد الهائلة التى استنزفت حتى أبسط حقوق المواطن العراقي، وهى نتيجة طبيعية لتراكم قوة نظام المحاصصة حتى اكتسب شرعية تجعل الاقتراب منه بمثابة اقتحام حقل ألغام، كل لغم داخله يمثل كتلة أو طائفة تهدد من يقترب من مصالحها.. هذا الواقع الصراعى الذى يدرك عبدالمهدى أبعاده جيدا، مازال يمثل التحدى الأخطر فى اختيارات عناصر حكومته الجديدة التى قوبلت باحتجاجات عديدة تحديدا فى اختيار وزيرى الثقافة والشباب والرياضة.. بينما تبقى الوزارات السيادية بين تجاذبات وأطماع الكتل السياسية المتناحرة على مصالحها حتى وإن كانت على حساب تراكم الأزمات التى تضرب العراق من شماله إلى جنوبه.