رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سامي عياد يكتب: المنهج الجدلي

القس سامى عياد
القس سامى عياد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من سقراط، ما يقرب من ٥٥٠ سنة قبل ميلاد المسيح، أفلاطون، أرسطو، ديكارت، كانط، هيجل، جون ديوي، إلى اليوم، المنهج الجدلى هى السبيل الوحيد للوصل للحقيقة.
المنهج الجدلي، عند هيجل على سبيل المثال، يعتمد على وضع افتراض معين، ثم وضع الافتراض المضاد له، ثم إجراء حوار جدلى عميق بين الاثنين إلى أن تتبين حقيقة الشىء الذى نبحث عنه.
بالتأكيد، حقيقة هذه الأشياء ستكون فى أعلى درجات وضوحها لمن يبحث عنها فى زمانه ومكانه، لكنها فى النهاية لن تكون معرفةً مكتملة، بل نهاية مفتوحة لجدل جديد ومحاولة جديدة لاستبصار المزيد من جوانب النور لهذه الحقيقة فى مكان آخر وزمان لاحق.
ليس غريبًا، إذًا، أن تبقى مقولة، «بالضدِ تُعرفُ الأشياءُ» أو «بضدها تُعرفُ الأشياءُ،» تقاوم الزمن، بل تقاوم التوحد والأحادية والإصرار على رؤية الفيل من ذيله أو من ذلومته.
أما بولس الرسول فقد أعلن بقوة الروح كلماتٍ عبقرية عن أن كل شىء لا بد أن يفحص بنارٍ، «حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِى كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا، وَآخَرُ يَبْنِى عَلَيْهِ. وَلكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِى عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِى وُضِعَ، الَّذِى هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدُ يَبْنِى عَلَى هذَا الأَسَاسِ: ذَهَبًا، فِضَّةً، حِجَارَةً كَرِيمَةً، خَشَبًا، عُشْبًا، قَشًّا، فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ» (١كو٣: ١٠-١٣).
وكما أن النار هى الوحيدة التى تميز بين الخشب والعشب والقش من ناحية وبين الذهب والفضة والحجارة الكريمة من ناحية أخري، فإن نيران الشك والحيرة والتساؤل هى وحدها القادرة على التمييز بين إيمان حقيقى ومعتقداتٍ مزيفة، بين أساس هو يسوع المسيح الحى وآخر مجرد صورة مشوهة عن الله صدقناها وتشكل فكرنا وسلوكنا بها دون أن نتوقف لحظة حتى لنتأكد من صحة أو حتى نسأل الله على دقة ما نعتقد.
وحدها أيضًا نيران الحياة وتحدياتها هى من تميز العلاقات الحقيقية المبنية على حب غير مشروط والعلاقات الاعتمادية المبنية على تبادل المنفعة أو حتى الابتزاز المشروط من أحد الطرفين.
إذا كنتم متأكدين من إيمانكم الذى تقولون أنه مبنى على صخرة الإيمان بيسوع إلى هذا الحد، فلماذا ترتعبون من أى نار فحصٍ مضادة؟ وإذا كنتم لهذا الحد تمتلكون الحقيقة الكاملة المطلقة فلماذا تكرسون منبر الله المقدس للهجوم والتشويه وإشاعة المذمة لمن يفهم الإيمان بطريقة مختلفة؟ لست أدرى من أى روحٍ أنتم وكلماتكم فوق المنابر تصل لدرجة السباب، دفاعًا عمَّا تظنونه إيمان يسوع المسيح بأخلاقيات لا تمت للمسيح الحى بصلة من قريب أو من بعيد.
لا شىء فى الوجود، بالأخص الإنسان، يمر بنيران الفحص ويخسر أبدًا.
فيا كل مؤمن ومؤمنة، يا كل خادمة وخادمة، يا كل إنسان على سطح هذا الكوكب الجميل، افتحوا أبواب عقولكم لنيران النور والحق بلا خوفٍ لتفحص معتقداتكم، افتحوا أبواب قلوبكم لنيران فحص الإيمان والعلاقات والحياة. سيزيد يقينكم وإيمانكم بالحق وستنقى النيران كل باطل وزيف، فيكون النمو الحقيقى فى إيمان مبنى على مسيحٍ حى يريد أن يبنى الآخر بكل حبٍٍ وليس على صورٍ مشوهةٍ لإلهٍ مزيفٍ، كل أهدافه هدم الآخر وإزاحته لأبقى وحدى صاحب المجد ويختفى يسوع من مشهد الحياة.