رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العـوائق التي تسهم في تحجيم الفكر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تثيــر دراسـة الفــكـــر الــتـنمــوى الـمحلـى بعــض الـتســاؤلات مـنهـــا، هـــل المقصـود بـدراســة الفكر التنموى دراسة المشكلات المنهجية التى تواجهها التنمية... أم دراسة المشكلات العمليــة والعـوائـق التى التى تواجههــا المحــافظــات (المحليات).... فى الواقع أن دراسة الفكر التنموى والتنمية تشمـل الاثنيـن معــا وفى إطار ذلك فإننا نبدأ فى التعرف على جوهر المشكلة الاقتصادية وعلاقته بالتنمية والفكر التنموى والتى تتمثل فى تعدد الحاجات الإنسانية مع ندرة الموارد ندرة نسبية، حيث يسعى الإنسان إلى إشباع تلك الحاجات من خلال الموارد ولكن هذه الحاجات (متعـددة ومتجـددة) فى ذات الوقت التى تتسم به الموارد (بالمحـدودية والنــدرة) وهنا يظهر جوهر المشكلة فى كيفية المواءمة بين تعدد الحاجات الإنسانية والموارد الاقتصادية ذات المحدودية والندرة وفى إطار السعى لتحقيق وإحداث تنمية اقتصادية، حيث شهدت السنوات المنقضية من القرن الحادى والعشرين العديد من المستجدات والتطورات ذات الارتباط المباشر أو غير المباشر بموضوع التنمية بشكل عام والتنمية الاقتصادية المحلية بشكل خاص ظهرت أهمية العنصر البشرى في الفكر التنموي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث إنه يعد العملة ذات الوجهين فى الفكر التنموى والتنمية بشكل عام، حيث يعتبر أهم مكون فى الفكر التنموى كونه هو (صانع التنمية) وفى نفس الوقت هو (الهدف المنشود) من التنمية 
حيث تعتبر التنميــة بمفهومها الشامل هدفًا تسعى لتحقيقه كافة الأمم والشعوب لــذا يحتـل مـوضــوع الفكر التنموى والتنمية أهمية كبيرة من قبل المتخصصين والمسئولين والباحثين والمخططين في الحكومات والشعوب والمنظمات المختلفة، لما لهذا الموضوع من أهمية بالغـة على كيان المجتمعات من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.. الخ وذلك على جميع مستويات التنميــة سـواء المحليــة أو القومية والإقليميــة الـدوليـة حيث تعرف (التنمية) بأنها العملية التى يتم من خلالها التغيير فى الجوانب المادية وغير المـادية التى تحــدث نتيجـة فعــل منظـم يصحبه تغييـر هيكلــى مع زيادة في معدلات الإنتــاج والخـدمات وزيادة في متوسط الدخل مصحوبًا بتحسين الظروف المعيشية، حيث تشمل التنمية تحسنا وتغييرا فى النظام الاجتماعي والاقتصادى والفكرى والتكنولوجى والعلمى وكذلك حماية الموارد المتجــددة من التلـوث والاستغلال الأمثل للموارد والحفاظ عليها حيث تقدم التنمية مفهومًا أوسع من النمو والحقيقـة أن مفهوم التنمية أوسع من زيادة الناتج المحلى الإجمالى، بل إنها تشمل كافة نواحي الحياة ومن هنا يبرز مفهوم التنمية الشاملة والتي تشمل التقدم الاقتصادي والتغيرات الاجتماعية والوعي والثقــافـة، حيث يرى كل من (مالكوم جبلز ﻭ ﻤﺎﻴﻜل ﺭﻭﻤﺭ) خبراء اقتصاديات التنمية أن هناك ثلاثة تغيرات أساسية في الهيكل الاقتصادي تشملها عملية التنمية الاقتصادية بخلاف ارتفاع نصيب الفرد من الدخل وهى ارتفاع مساهمة الصناعة في (GDP) وتزايد نسبة سكان المدن عن سكان الريف وأن يكون لسكان الدولة النصيب الأكبر في الإسهام في عملية التنمية الاقتصادية المحلية التي ينتج عنها تلك التغيرات الهيكلية بمعنى أنه يجب أن يكون (الفكر التنموى المحلى نـابـعا من وحى المجتمعات بـسـواعد محـلية) تـرتكــز على ركـائــز محــورية وهى (الولاء والمشاركة المجتمعية واللامركزية والشفافية والتقييم) التى من شأنها الانطلاق إلى المستقبل فى إطار (مؤسسى تــشــاركــى) لجميع أطيــاف المجتمــع لخلـق نماذج تنمـوية صالحة وقادرة على الإستمرارية لتلبيـــة الاحتيـاجـات الحـاليــة والحفــاظ على حقــوق الأجيــال القــادمــة من خلال ربط الــواقع النظرى بالــواقع العملى المهنى والتجارب الناجحة والإستراتيجيات التى تتلاءم مع طبيعة الاقتصادات المحلية، حيث إنه من أهم المشكلات المنهجية التى تواجه التنمية والفكر التنموى المحلى عدم الأخذ فى الحسبان الطبيعة المحلية لكل مجتمع محلى، إضافة الى ذلك استخدام منهجيات وإستراتيجيات غير متوافقة مع الاقتصادات المحلية المستهدفة وكذلك استخدام سواعد غير محلية فى التخطيط.
أما المشكلات العمليــة والعـوائـق التى التى تواجهـهـا المحــافظــات (المحليات) والتى تسهــم في تحجيــم الفكـر التنمـوى المحلي تتلخص فى التالى: 
1- محدودية التمكين والمساءلة والفاعلية على مستوى المحافظات حيث تمتلك المحافظات في الوقت الحالي صلاحيات محدودة فيما يتعلق بـالـتخطيـط للأولويات المحلية وتمويلهــا والتي تتضمن الخدمات الأساسية كالنقل والكهرباء وتوفير المياه والصرف والتى تقوم الوزارات والمـديـريـات الخـدميـة بالمحافظات والهيئات العامة باتخاذ معظــم قـرارات الاستثمار المتعلقة بالبنية الأساسية والخدمات في المحافظات والتي تفتقر بكل صراحة وموضوعية لإمكانيات التنبؤ والشفافية في عمليات تخصيص الموارد للمحـافظـات وعليه فعمليات اتخاذ القرارات المتعلقة بالتخطيط للاستثمارات وتمويلهــا تتم بشكل جزئي وتنسيق محــدود في غيــاب النظـرة الشاملة والمتكاملة لأولويات المحافظات نحو التنمية المجتمعية والاقتصادية على الرغم من أن القانون ينص على العلاقة التشـاورية بين المحافظات والمواطنين سواء في أولويات الـتخطيط وكذلك افتقــار التعامل مع الشكــاوى والتظلمات بفـاعليـة التــى ما زالت محــدودة، حيث تتفــاقم هذه المشكلة بسبب قلة الصلاحيات للقيادات التنفيذية ومحــدوديـة القـدرة المؤسسية والتنظيمية للكيـانـات الخـدمية والمسئولين بالمحافظات على الحـل الفـورى للشكاوى وتقديم الخدمات بشكل مرض ومستــدام وسريع بسبب المركزية الإدارية والمالية، بل والمشكلة الأكثر إثــارة المساءلة عن التنمية دون (تمكين) فى اتخاذ القرارات التخطيطية والتمويلية مع عدم وجود تكليف واضح باللامركزية والتنمية الاقتصادية المحلية.
2- تعـدد جهـات الولاية والتداخلات والمركزية فى نقل الأصول سواء للنفع العام أو للاستثمار.
3- الانخفاض النسبي لمستوى وجودة الخدمات العامة على الرغم من الإنجازات الملحوظة والتى تتركز أغلبها فى المراكز والقرى الرئيسية وليست بالقرى التابعة والتى لها مردود اقتصادى فى توسيع وتنوع الاقتصاد قبل المردود الاجتماعى. 
4- ضعف مناخ الاستثمار والأعمال، حيث تعاني المشروعات من العقبـات الإدارية وطول الفترات اللازمة للحصول على التراخيص والتصاريح والأراضى مثل الحصول على رخص التشغيل أو البناء أو الكهرباء.
5- عـدم دمـج الاقتصاد غيـر الرسمــى وعدم التكييف والأخــذ بالاعتبـار للفـرص المتـاحة والمهـدرة بالاقتصاد غير الرسمى.
6- قرصنة التمويلات الخارجية والمعونات من خلال التدخلات والتوجيه الخاص ببنود الإنفاق.
7- تـدهــور ثقـافـة المجتمعـات المحلية تجــاه الفــكــر التنمــوى المحلــى وثقـافة العمــل الحـر والخاص وكذلك مشاركة قطاع الأعمال. 
8- النمو المتسارع للسكان وعدم استغلاله الاستغلال الأمثل من خــلال اتباع منهجية ومنظومة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التكاملية وكذلك تنمية الحرف التراثية والقروض طويلة الأجل التى تعتمـد علـى المنزل والأسر المنتجة، حيث إن هذه المنظومة تعتبر (قاطرة التنمية الحقيقية)  للنمو المتسارع كمثال لعـدة مقـاطعات فى دولة (الصين). 
9- إغفال منظومة (الحضانات) من احتضان أغلب الشركات الكبرى المملوكة للدولة للمشروعات الصغيرة وتبنيها بالدعم والتمويل والدعاية والتشجيع من حيث مساعدة المشروعات الصغيرة في القدرة علي المنافسة في السوق المحلى.
10- عدم تنمية الموارد البشرية والاستثمار فى العقول البشرية ومشاركة السواعد المحلية فى المجتمعات المحلية، حيث يتم من خلال التشجيع وضـخ دمـاء وأفكــار جــديـدة وكذلك إبتكار أساليب حديثة نابعة مــن وحى المجتمعـات بـسـواعد محـلية فى كيفية الاستغلال الأمثل.
11- عدم الاستغلال الأمثل للكفاءات والكوادر ذات القدرات والخبرات المهنية والعملية في مجال التنمية والتخطيط.
12- عدم تفعيل منظومة (المشاركة المجتمعية) على أرض الواقع فى تشريع الإجراءات والقوانين للمجتمعات المحلية حيث إنه من أهم قواعد وضمان نجاح واستمرارية الفكر التنموى المحلى هى (المشاركة المجتمعية).
وأخيــراَ فـإن ضمان عـدم تحجيـم الفكر التنموى المحلى على المستوى القومى المصرى لا يتم إلا من خلال تبنى الدولة لرؤية واضحة تعمـل بالتوازى لحل كل من المشكلات المنهجية وكذلك تلاشى العـوائق العملية لجميع المجتمعات المحلية فى مصـر لرفع قـدرات الفكـر التنموى المحلى وبنــاء عليــه فنحـن نقترح أن تتبنى الحكومة الحالية تـدشيـن مبادرة تحت مسمى (التنمية من وحى المجتمعات) لوضع إستراتيجيات التنمية الاقتصادية المحلية لكل محافظة من محافظات مصر على حدة وذلك لضمــان الانطـــلاق إلى المستقبل فى إطــار (مؤسسى تــشــاركــى) لجميع أطيــاف المجتمــع لخلـق نماذج تنمـوية صالحة وقادرة على الاستمرارية وتلبيـــة الاحتيـاجـات الحـاليـة والحفــاظ على حقــوق الأجيــال القـادمة فى إطار عمل مؤسسى.