الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حليب الكراهية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
" كما سجد الشعراوى سجدة شكر عندما حدثت النكسة (1967)، ليس لنكسة مصر، ولكن لنكسة النظام الفاسد وقتها وفُجره، أنا أيضا، سأسجد سجدة شكر عندما تحتل إسرائيل سيناء الآن فى ظل هذا النظام الفاسد، والقضاء الفاسد، والداخلية البلطجية، والجيش العاهر، والشعب الظالم، والوطن الذى بلا وطن، والدولة التى بلا دولة!.
نعم أنا لست مصرية، بل مسلمة!.
دينى هو وطنى، أبحث عنه وأقيمه فى المكان المناسب، إن أمكن لى!.
*****
هذا الاقتباس الذى يثير القشعريرة فى النفس، نفوراً واشمئزازاً، لم يأت على لسان عدو صهيونى، مثلاً، بيننا وبينه سيول من الدماء، وعشرات الآلاف من الضحايا والشهداء، وأرض مغتصبة، وحروب ومعارك، وصراعات ممتدة، وإنما جاء على لسان (الأخت) "مروة أبو زيد"، سليلة الجماعة الإرهابية، جماعة "الإخوان"!، والتلميذة النجيبة للمرشد السابق"محمد مهدى عاكف"، صاحب المقولة الشهيرة: "طظ فى مصر"، والذى أعلن موافقته على أن يحكم مصر ماليزى الجنسية!.
وهى كذلك خريجة المدرسة التى تولى إدارتها (الأخ الرئيس الدكتور)، المخلوع "محمد مرسى"، الذى لم يجد غضاضة فى أن يتنازل مرة عن "حلايب والشلاتين"، وأخرى عن أقسام من سيناء المصرية، التى رواها الجنود المصريون بالدم الغالى، خدمة للأهل والعشيرة، وإكراماً لـ (الأخ) الأمريكى، "باراك أوباما"، ولأمن ومصالح الولايات المتحدة، وربيبتها "إسرائيل"، فى المنطقة!.
استعدت هذه الكلمات المفزعة، وأنا أسمع فى غضب عن وقائع تصوير (الأخوات الحرائر)، لأستاذتهن الجامعية، بعد أن جردنها من كرامتها، وجردنها من ملابسها، وصورنها على هذا النحو، المشين لهن فى المقام الأول والأخير، لكى ينتقمن منها، وسط سيل الإهانات والشتائم والضربات، وتذكرت ما تعلمناه من قول الشاعر: "قف للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا"، فتحسرت، وأنا أتابع ما ألحقه طلاب الجماعة الإرهابية من حرائق وخسائر وتخريب، بالجامعة ومقار تلقى العلم فيها، وما سببوه من أذى للمعلمين الأجلاء، حملة الوعى والقلم، وبعضهم من كبار العلماء، ورموز للدين والعقيدة السمحاء!.
لكنى تذكرت، فى السياق نفسه، أن هذا الأمر لم يكن جديدا على هذه الجماعة الضالة المخربِّة، حتى نستغرب صدوره عن بناتها و"حرائرها" على هذا النحو المفجع، أو حتى من شبابها الذين لم يتورعوا عن حرق جامعاتهم وتخريب مقار تلقيهم العلم، بالصورة الفظيعة التى نشهد وقائعها البائسة يوميا، واستعدت فى ذهنى صورة جموعهم المجرمة وهى تنقض علينا فى جامعة القاهرة أوائل السبعينيات، بالجنازير والعصى والأعواد الحديدية، لكى تمزق صحف الحائط التى عبّرنا خلالها، عن رؤيتنا لمستقبل الوطن، وأحلامنا بتحرير ترابه من رجس الصهيونية، فى أعقاب هزيمة 1967!.
كان الرئيس الأسبق "أنور السادات" قد اتخذ واحدًا من أكثر القرارات بُعدًا عن الصواب فى تاريخه السياسى، بأن أطلق سراح قادة جماعة "الإخوان" الإرهابية من السجون، وأعاد لهم ثرواتهم ومؤسساتهم السياسية والاقتصادية، ومنحهم حرية الحركة، فى المجتمع عامة، وفى الجامعات على وجه الخصوص لمواجهة المد اليسارى المتعاظم الذى قاد انتفاضات الطلاب الوطنية والديمقراطية آنذاك.
وتحت سمع وبصر الدولة، عاد كوادر الجماعة، التى كانت "محظورة"، من أشتات الأرض، وأضيء لهم الضوء الأخضر من رأس النظام، فأخذوا ينتشرون كالجراد، ينهشون الأخضر واليابس، ويبثون سمومهم فى كافة الأرجاء، وركّزوا بكل طاقتهم على اختراق قطاع التعليم بكل درجاته: الإلزامى والثانوى والجامعى (والأزهرى بوجه خاص) فتمددوا فى جنباته كما تتمدد خلايا السرطان القاتل فى الجسد المريض، وبنوا المدارس بأموال النفط التى تدفقت عليهم بلا رقيب أو حساب، وزرعوا عناصرهم فى مفاصل جهاز التربية والتعليم، وإضافة إلى ذلك، فقد ساعدهم تراجع الدولة عن دورها الاجتماعى، فاقتحموا مجال الخدمات الأخرى كالصحة والتضامن الاجتماعى، حيث أنشأوا شبكة واسعة من المستفيدين، وخاصة من فقراء المجتمع ومحروميه، يمنحونهم بعضا من فتات الطعام والمساندات، مقابل أصواتهم التى تتم مقايضتها يوم الاستفتاء والانتخاب على الشكل المعروف!.
*****
وفى كل موقع وصلته الأيدى الخبيثة لهذه الجماعة المخرّبة، بثوا سموم الحقد على المجتمع والدولة، والتاريخ والجغرافيا!، وأرضعوا قطاعات الأطفال والشباب التى وقعت بين أنيابهم حليب الكراهية للوطن والشعب: بدّلوا النشيد الوطنى، واحتقروا العلم المقدس، وأشاعوا الكفر بتاريخ الأمة، ونشروا الزيف والضلال، وأنشأوا تاريخًا جديدًا للبلاد، يبدأ من مؤسس جماعتهم الضالة، "حسن البنا"، ولا ينتهى إلا بهم وبمجرميهم!.
كل هذا تم، فى ظل تواطؤ ضمنى وعلنى من مؤسسات الحكم ورءوس السلطة، التى انفردت بالقرار السياسى، وفرضت هيمنتها على مراكز الحكم، فيما أفسحت للجماعة وصنائعها وتنويعاتها، المجال لافتراس المجتمع، عبر عشرات الآلاف من المساجد والزوايا، التى تحولت إلى خلايا إخوانية مجانية، تعمل ليل نهار، للدعوة والتنظيم ولجمع الأموال ونشر الأفكار، وتخريب كل مابقى فى المجتمع من ركائز للوعى، وقواعد للمقاومة!.
*****
هذه هى خلفية ما يحدث الآن فى الجامعات المصرية، وإذا لم تكن هذه الصورة واضحة وضوح الشمس أمام ناظرينا، وفى خلفية كل قرار نتخذه، وكل خطوة نخطوها، حتى نتعلم من دروسها وأخطائها، سنظل نحرث فى البحر، ونخرج من "حفرة" لنقع فى "دُحديرة"، كما يقول المثل العامى البليغ!.