رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

الطاهر وطار.. المرأة في الأدب

الكاتب الروائي الجزائري
الكاتب الروائي الجزائري الطاهر وطار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد الكاتب والروائي الجزائري الطاهر وطار الذي تمر اليوم 15 أغسطس ذكرى مولده، أحد رواد الرواية الجزائرية والعربية الحديثة، انحدر من جذور شعبية ريفية، امتهن الكتابة الصحفية والروائية منذ شبابه المبكر، وانتمى للفكر اليساري التقدمي، والتحق بصفوف جبهة التحرير، وشارك من موقعه الفكري في تحرير بلاده من ربقة الاستعمار الفرنسي. 
ولأن لكل فنان أو مفكر أو أديب موقف من الحياة ومن قضايا عصره، سوف نحاول في هذه المساحة الاقتراب من موقف الطاهر وطار من قضية مهمة من قضايا هذا الوطن "الموقف من المرأة"، فقد قدم العديد من الروائيين رؤية منقوصة، وقاصرة للمرأة ككائن إنساني له عالمه الداخلي، وأيضًا له علاقاته بالحياة والمجتمع، ففي الكثير من الأجناس الأدبية يتم تصوير المرأة ككائن غامض، محاط بهالة غير مرئية، وغير مفهومة، أو تتناول هذه الأعمال سحر المرأة وجمالها الآسر، تلك الصور التي تلهب خيال القارئ وتعده بالكثير من الأحلام التي لا تتحقق، أما بخصوص الرواية العربية، فهي حافلة بموضوعات مملة ومكررة عن المثلث الشهير، الزوج – الزوجة – العشيق، أو العكس.
أما عند الطاهر وطار فالأمر مختلف فنجده في أواخر الستينات كتب مجموعة "الطعنات" وجاءت ضمن هذه المجموعة قصة "رمانة" والتي استكملها فيما بعد، أثناء كتابة روايته "اللاز" فهي كما يقول هو نفسه: ليست بالقصة القصيرة أو بالرواية، انها مرحلة انتقال من لون أدبي إلى لون أدبي آخر.
"رمانة" الطاهر وطار، تمثل رحلة البطلة الدؤوب عبر عالمها الداخلي، المرتبط عضويا بالظروف الاجتماعية والاقتصادية خارجها، من أجل استعادة إنسانيتها المفقودة.
ففي البداية وبتداعي الحوار الداخلي تتخبط "رمانة" وسط دهاليز عالمها المظلم، الذي يصوره الكاتب وكأنه غابة من الوحوش، فكأنها تعيش حالة تشبه الغيبوبة، وفي الوقت نفسه لا تمتلك إرادة التغيير، ومن خلال الكشف المستمر لعالم الشخصية، تتضح مناطق الإظلام داخلها، وأيضًا في العالم المحيط بها، أي تلك العوامل التي تشدها إلى أسفل، وتلك التي تعمل على تطوير وعيها والخروج بها إلى عالم أكثر كمالا ورحابة.
في مرحلة تالية من تطور الوعي تختلط عليها الأمور، حيث لا تكون مدركة تمامًا لمكامن قوتها، فنجدها تصعد تارة، ونكاد نشتم منها رائحة الهواء النقي، وتارة أخرى تهوى وتتراجع.
ويترك لنا الطاهر وطار نهاية مفتوحة ككل نهايات أعماله، مفادها أن هذا القطع عن خط التطور الإنساني ليس نهائيا أو مطلق، وأن حدوث التغير في حياة الإنسان ليس بأي حال هو نهاية الصراع، بل يعني رحلة أخرى جديدة، وأن التغيير الأصيل يصير رهن تغيير هذا التركيب الخاطئ للمجتمع بأسره.
كان هذا غيض من فيض أعمال الطاهر وطار والذي ينم عن تعمده العمل على التحليل النفسي لشخصياته، أو تحليله العوامل الاجتماعية والاقتصادية لواقع بطلاته وربطها معا، أنه يستخدم وسيلته الفنية وعن طريق التزامه بمنهج علمي جدلي، يستطيع أن يضع شخصية المرأة في سياقها التاريخي الصحيح، وقدم لنا نماذج متميزة للمرأة في أعماله، كل شخصية متصلة بالأخرى بشكل أو بآخر، ومكملة لها، ويقول الطاهر وطار في هذا الصدد: "إن الروائي الهادف والواعي لا يكتب روايات كثيرة مهما تعددت عناوين كتبه ومضامين إنتاجه، إنما يكتب رواية واحدة يظل طوال حياته يؤلفها إلى أن ينتهي، إنه ينظر إلى موضوعه، من مختلف الزوايا، وبدرجات ضوئية متعددة، وأيضًا بطاقات حرارية متغيرة".