ليس هناك كائن من كان يستطيع العيش بدون طعام، لكن هناك من يجعل الطعام شغله الشاغل، فتنتهى حياته، وهو منكفئ يبحث عن لقمة عيش، متجاهلًا «بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه»، ومع ذلك يبقى ما سبق فى إطار النصيحة، أما ما تم رصده فهو الشكوى من غلاء الطعام، وخاصة طعام الفقراء الفول والفلافل والكشرى».. الدائرة كلها أسباب فما إن سألت أحدًا إلا وعدد لك ألف بند لزيادة سعر بضاعته، فبائع الفول رفع «الشقة» من نصف جنيه لجنيهين، وطبق الكشرى وصل 30 جنيهًا.. والمتهم الأول فى هذا الأمر هو الحكومة.
قبل أن يجيب «عم جمعة» عن هذا السؤال، لابد من توضيح أن الفول فى بطون المصريين، كالبنزين فى تنك السيارة، أى أنه لا يمكن لأى مصرى أن يتحرك فقيرًا كان أو غنيًا إلا بعد أن يأخذ جرعة الفول صباحًا، لذا زيادة سعر «شقة الفول» أهم عندنا من رفع الدعم عن المحروقات.. ولأن «فول المسئولين» أحيانًا يكون من المعلبات لذا هذه المعضلة وفك طلاسم تلك الزيادات لا يستطيع تفسيره غير «عم جمعة»، الذى يقول: «عربة الفول التى تقف فى شارع يقع فى منطقة شعبية لا تختلف عن تلك التى تتواجد فى حى راق، كلاهما يبيع صاحبها نفس الوجبة والمكونات وطريقة الطهي، فقط يمكن أن يختلف المذاق بين بائع «هاوٍ» يتخذ من عربة الفول وظيفة مؤقتة، وصاحب عربة محترف يعمل على عربته منذ سنوات ويمتلك فن المهنة «النفس»، وهذا هو المعيار الذى يحدد الإقبال عليه من عدمه.
وبمداعبة عم جمعة وسؤاله: «من سنتين تقريبًا يا عم جمعة كنا بنلاقى عمال النظافة واقفين عندك جايبين سطر عيش وفحل بصل وسلطة وطبق فول كبير وكله بيضرب فى الخلاط ويبقى أكلة أسمنتية تسد جوعهم طول النهار وفى الآخر بعد خمسينة الشاى يدفعوا بالكتير أوووى ٥ جنيه.. دلوقتى الشقة بس زى «الأسبرينة» بـ٢.٥ جنيه ونص معقولة زيادة الأسعار كبيرة أووى كده». يوضح عم جمعة أنه يستهلك ٤٠ كيلو فول يوميا يبدأ تجهيزهم من الساعة ٨ مساء، بوضعه فى إناء ماء ست ساعات، حتى يكون ليّنا ثم يضعه فى» القدرة «مع إضافة كميات من المياه إليه ويشعل أنبوب الغاز ويتركه يغلى حتى الساعة الرابعة صباحًا.
يضرب عم جمعة مغرفته داخل «القدرة» ويقول: «الأسعار نار شوف كيلو الفول بقى بكام والعدس والزيت والخضار.. لو ضربتها فى بعض هتلاقيها حتى بقيت تخسر.. بالورقة والقلم حسبناها أنا وعم جمعة ولقينا بتكسب بـ٢ جنيه وبتكسب بـ١.٥ جنيه.. وبتكسب بـجنيه.. وقبل أن أنصرف قلت لعم جمعة لو محدش رحمنا إحنا نرحم بعض علشان ربنا يرحمنا يا عم جمعة».
