رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس إكرام ناجي يكتب: مونديال 2018 ونحميا 544 ق.م.. (1)

القس إكرام ناجي
القس إكرام ناجي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد اكتمال عقد الـــ 32 منتخبًا فى مونديال 2018 تفاجأ الجميع بغياب بعض الدول التى لها باع وثقل فى البطولة من جميع القارات. فتقدَّمت الولايات المتحدة الأمريكية بفكرة عمل بطولة كأس العالم للخاسرين، تشارك فيها أبرز المنتخبات التى ضاع منها حلم التأهل للمونديال، وكان غرض هذه البطولة هى محاولة تخفيف الحزن الذى تشعر به المنتخبات وجماهيرها وشعوبها، ولبناء جسر للأمل داخل نفوسهم لاستكمال مسيرة النجاح مرة أخرى. ورغم عدم اكتمال المحاولة وظهورها للنور، إلا أنها وضعت المنتخبات والشعوب أمام رؤية تدعم فكرة أن الفشل ما هو إلا هزيمة مؤقتة تخلق لنا فرصًا أخرى للنجاح.
وبعد أن انطلقت مباريات مونديال كأس العالم 2018 فى 14 يونيو الماضى والتى تستمر حتى 15 يوليو، بقوة وفرح للمنتخبات المؤهلة وشعوبها بدأت تتجسد يومًا بعد يوم. من تأهل؟ ومن اقترب؟ ومن خرج؟ وبدأت تتحول حالة الفرح للتأهل إلى حالة من الحزن وسط المنتخبات التى خرجت رغم تأهلها للمونديال، ومن بينهم منتخبنا المصرى الذى تعرَّض لسطو وتأرجح وتطرف إعلامى ظهر فيه: تطرّف هائل فى المشاعر والتعبير عنها بين الحب الشديد والكره الشديد بين ليلة وضحاها للأفراد والأوطان. تقديس الأمس ونزع القيمة اليوم، اضطراب شديد فى الشعور بالهوية والانتماء، كل شيء أبيض أو أسود، لا يوجد وسط. لا توجد ألوان ودرجات واحتمالات. الناس فى نظرها نوعان إما ملائكة أو شياطين، والأصعب أن هذه الأدوار تتبادل فى عيونها كل يوم، الدنيا إما بيضاء لامعة أو سوداء قاتمة لا تقبل الاختلاف ولا تتحمل التناقض علاقتها بالواقع ضعيفة. إنكار تام للمنطق والواقع تفنّن فى إيذاء الذات وتشويه النفس.
وإن كانت كرة القدم بشعبيتها وشعبية نجومها هى فن وأخلاق، التى أصبحت الآن هى معبودة الجماهير، لذلك يجب على اللاعبين والرياضيين وأيضًا مشجعيهم القيام بتصرفاتٍ حسنة تنمّ عن خُلق رفيع وتعبّر عن رقى وتقدم شعوبهم الذين خرجوا من رحمها فى مرحلة الفوز وأيضًا الخسارة، وستتجسد تلك الصفات الجيدة بهم عند الفوز والخسارة على حدٍ سواء، ستتجسد مهارتهم عند الفوز ولكن ستتجسد أكثر أخلاقهم فى حالة خسارتهم فالرياضة مجالٌ للتنافس الشريف بين الفرق المتبارية، وتتجسد بالروح الفدائية والاندفاع الكبير نحو تحقيق الألقاب واعتلاء منصات التتويج، ولكن بالطرق السوية السليمة البعيدة عن الانعراج والخطأ. إننا ندرك جميعًا ونردد دائمًا كلاعبين ورياضيين وشعوب أن الرياضة فنٌ من فنون الحياة، ولكن ليست هى الفن الوحيد الذى تتوج به المجتمعات والشعوب. 
وجاءت الفرصة الذهبية لمنتخبنا المصرى للتوجه إلى مونديال 2018 وبدأت ساعة الصفر لانطلاق المباريات فى روسيا. فرصة لمنتخبنا بمباريات تنافسية عالية يشاهدها آلاف المصريين نتمنى فيها جميعًا الفوز، وجميعنا لا يتمنون الخسارة. وبدأت فرص منتخبنا للصعود فى الانخفاض حتى خرج منتخبنا من المونديال ولم يحالفنا فن ومهارة اللعب إلى آخر نقطة بالمونديال. فكانت لنا فرصة كشعب نعبّر عن أخلاقياتنا فى احتواء منتخبنا من الهزيمة، وأن نجعل الهزيمة سلَّمًا للتحول إلى النجاح فى المرات القادمة. ولأننا كمنتخب أول مرة نتواجد فى المونديال بعد 28 عامًا، وهذه هى أيضًا أول مرة يمتلك الرياضيون والمشجعون وشعبنا الميديا كوسيلة لم تكن متاحة فى أول مشاركة لمصر فى مونديال 1934، وثانى مونديال لنا سنة 1990، واستخدم تويتر وفيسبوك فى عالمنا الاجتماعى بصورة أظهرت فيه ومن خلاله تأثيرها على الرياضيين وعلى صناعة الرياضة وعلى شعوبها بطرق إيجابية ولكن أيضًا بطرق سلبية ووفقًا للموقع الأمريكى believeperform بالنسبة لبعض اللاعبين فقد سمحت لهم السوشيال ميديا بالتطور والازدهار، وبالنسبة لآخرين فقد دمرت حياتهم ومنهم ربيكا مارينو وهى لاعبة التنس الكندية البالغة من العمر 22 عامًا، وصنفت فى المركز 38 عالميًا لكنها تقاعدت بسبب مهاجمتها ببعض التغريدات على تويتر منها (خسرنا كل المال بسبب الرهان على أدائك)، وأيضًا السبَّاحة الاسترالية إميلى السبيوم التى أعتقدت أن أداءها انخفض بشكل كبير بعد استهدافها من السوشيال ميديا. وأيضًا لاعب كرة القدم فى الكاميرون جوزيف مارى مينالا تم استهداف مظهره وعمره وسرعان ما أغلق حسابه على وسائل التواصل لتلقى كم من الرسائل التى تسيء إليه.
وجاء الدور على منتخبنا المصرى بعد خسارته وخروجه من المونديال، واستخدام الكثيرين السوشيال ميديا وتعرّض منتخبنا المصرى والوطن إلى مذبحة حقيقية، وظهر تطرفٌ هائل فى المشاعر والتعبير عنها. نفس المنتخب الذى أدخلنا كأس العالم بعد 28 عامًا وسط فرحة عامرة وتتوج من الحب والمشاعر هو نفس المنتخب الذى قد نزعنا عنه هويته واتهمناه بالتراخى والاستهتار والخيانة بعد أسابيع. نفس الوطن الذى نقف وننشد له نشيدنا الوطنى ونفتديه بأرواحنا فى بداية المباراة، هو نفس الوطن الذى نطعنه ونشوه صورته بعد خسارة أى مباراة. إلى كل مصرى أمين نحو نفسه ونحو مجتمعه، نحن لم نتعلم من التاريخ لأننا لم نقرأه. ولابد أن نبدأ نخاف أن يأتى يوم لا نمتلك حتى قراءته لأننا لم نصنعه أصلًا. لقد نجحنا فى فن الرياضة بالفوز فى يوم واحد سجَّل فيه محمد صلاح هدفه فى مرمى نظيره الكونغولى فى شهر أكتوبر 2017، ودخلنا مونديال 2018. ولابد أن نخاف لئلا نكرس باقى أيامنا تنكيلًا وغضبًا على منتخبنا بسبب الخروج المبكّر من المونديال، وأيضًا على وطننا الذى هو الرحم الذى نعيش فيه. إلى كل من يحملون رؤوس الأقلام ببلادنا، وعلى كل كاتب على السوشيال ميديا لا تطعنوا هذا الرحم من الداخل. إننا نعلم جميعًا أنه ليس من المنطق ومن الواقع أن نختزل الوطن فى فن واحد من فنون الحياة، أى الرياضة. فنون الحياة للنجاح والازدهار بالأوطان كثيرة، ففن الحياة متشعِّب على كل القامات، فن الأُبوَّة كأول فنون الحياة بلا منازع لتسليم سر الحياة والنضوج، وفن الأمومة مثل فن الأبوَّة تمامًا ويكوِّنان معًا شركة فن الحياة للحياة السوية للعائلات والأوطان، وفن القيادة أيًّا كانت قيادته فى الدين أو العمل أو السياسة، وفن التربية وفن التعليم، وفن اتِّباع النماذج الأرقى والأعلى فى الحياة. هذه هى فنون الحياة ولكلٍّ منها أصولها وواجباتها التى توفى حقّها للإنسان الذى يريد أن يتعلَّم ويتهذَّب أيًّا كانت قامته. أيضًا فن الموسيقى أرقى الفنون رقةً وعذوبة وله عمالقة أبدعوا ووهبوا لمصر أروع إبداعاتهم، وفن التصوير ومعه النحت يُلبس الألوان والأحجار مناظر وأشخاصًا تكاد تنطق من شدة الإتقان، تعبِّر عن كل الطبيعة وكل الشخصيات وتسمو بها إلى شبه الحقائق.
القس أكرم ناجي
عضو المجلس الإنجيلى العام للطائفة الإنجيلية بمصر