الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

جيبوتي "أرض البنادق والخنادق"

جيبوتي
جيبوتي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عسكرة التنمية.. أرض متعددة القواعد العسكرية 
الزراعة والصناعة والاستثمارات العسكرية مصدر الدخل الوحيد 
تحتل المركز ١٤٨ فى قائمة مركز الإنماء العالمى من ١٧٤ دولة 
تشغل جيبوتى مكانة جيواستراتيجية مهمة رغم اقتصار مساحتها الجغرافية على حوالى ٢٣ ألف كيلو متر مربع، بيد أن هذه المساحة الصغيرة لعبت الكثير فى بلورة الوضع الحالى لها؛ وذلك بجعلها مقصدًا للتنافس الدولى من أجل الاستثمارات فى إنشاء القواعد العسكرية على أراضيها.
وعندما نطالع الخريطة نجد أن جيبوتى تتعدد فى حدودها البرية والبحرية، فنجدها تتشارك فى حدودها البرية مع كل من إريتريا شمالًا، وإثيوبيا من الشمال الغربي، والصومال فى الجنوب الشرقي، إلى جانب وقوعها على البحر الأحمر وخليج عدن واشتراكها مع اليمن فى إدارة مضيق باب المندب الذى يعد أحد أهم الممرات المائية فى العالم، كل هذه المقومات مجتمعة أضافت ثقلًا استراتيجيًا للدولة دفعها نحو استثماره فى تعظيم مكاسبها الاقتصادية.
معضلة التنمية الاقتصادية
تمثل جيبوتى أكثر الدول الأفريقية فقرًا من حيث وفرة الموارد والإمكانيات الطبيعية؛ حيث لا تسمح أراضيها القاحلة بالاستثمار فى القطاع الزراعي، فضلًا عن عدم توافر أى ثروات معدنية أو نفطية تمكن الدولة من تحقيق نمو اقتصادي.
فى حين يعيش قرابة خُمس السكان تحت خط الفقر بدخل يومى لا يزيد عن ١.٢٥ دولار، ويضاف إلى تلك المشكلات الاقتصادية، بعد سياسى يتمثل فى الأوضاع المتوترة التى تشهدها علاقات جيبوتى مع كل من أريتريا وإثيوبيا بسبب النزاعات الحدودية. 
مستقبل جيبوتى رهن صراع التواجد الأجنبى
بلورت الأوضاع الاقتصادية الهشة التى تمر بها جيبوتى الفكرة الأساسية المتعلقة بربط خطط التنمية، بالتوجه نحو المقايضة بينها وبين قوى دولية وإقليمية وبناء علاقات قوية تتم عن طريق استبدال المساعدات الاقتصادية التى تقدم لجيبوتي، بمساعدات لوجيستية وذلك بإقامة عدد من القواعد العسكرية على سواحل جيبوتى المطلة على البحر الأحمر أو خليج عدن.
ورغم ما تشكله تلك القواعد العسكرية من قيود على سيادة الدولة إلا أنها تمثل العمود الفقرى لاقتصادها، وتجدر الإشارة فى هذا السياق إلى وجود العديد من علاقات التنافس الدولى والإقليمى لإنشاء قواعد خاصة بهم فى تلك الدولة المحورية؛ وذلك على النحو التالي:
فرنسا والاتحاد الأوروبى
تعتبر القاعدة العسكرية الفرنسية التى تم إنشاؤها عقب الاستقلال أولى القواعد العسكرية الأجنبية بجيبوتى بينما يرابط فى تلك القاعدة حوالى ٥٠٠٠ جندي، تقوم مهمتهم الرئيسية على مراقبة حركة سير السفن والبضائع فى خليج عدن، فضلا عن الاشتراك فى حماية جيبوتى من أى اعتداء خارجى أو داخلي، كما حدث عام ٢٠٠١ فى مهمة القضاء على حركة تمرد داخل جيبوتي. 
كما ساهم الوجود العسكرى الفرنسى فى دعم المنظومة الاقتصادية؛ حيث تقترب نفقات القوات الفرنسية الموجودة بالقاعدة لنحو ١٣٥ مليون يورو سنويًا ما يشكل حوالى ٢٥٪ من إجمالى الناتج القومي، وحوالى ٦٥٪ من موازنة الدولة.
وعلى الجانب الآخر، فقد سعى الاتحاد الأوروبى لوضع نفسه وبقوة على خريطة التنافس نحو الفوز بتواجد عسكرى له فى جيبوتي؛ حيث شكلت بعض دول الاتحاد قوة مشتركة أطلق عليها اسم «العملية الأوروبية لمكافحة القرصنة» «أتلانتا»، تتركز مهامها فى العمل على تطويق جرائم القرصنة فى مضيق باب المندب، ومراقبة حركة التجارة بها.
الولايات المتحدة الأمريكية 
دشنت الولايات المتحدة القاعدة العسكرية الوحيدة لها بالقارة الأفريقية، قاعدة «أفريكوم» عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر مباشرة، ففى عام ٢٠٠١ أقيم معسكر «ليمونير» الأمريكى بالقرب من مطار جيبوتى ليضم قرابة ٩٠٠ مقاتل، ولكن فى ظل تزايد المخاطر الأمنية بتلك المنطقة وصل عدد العناصر المقاتلة لنحو ٤٥٠٠ تكون مهمتهم الرئيسية القيام بعمليات ضد تنظيم القاعدة وحركة شباب المجاهدين الصومالي، إلى جانب حماية المصالح السياسية والاقتصادية لواشنطن بالقارة.
وينعكس المردود المادى لجيبوتى من هذه القاعدة فى بنود عقد الإيجار الأمريكى الخاص بها والذى ارتفع فى عام ٢٠١٤ ليصل إلى ٦٠ مليون دولار فى العام الواحد. 
اليابان
أسست اليابان عام ٢٠٠٩ القاعدة العسكرية الخاصة بها فى جيبوتي، وقد شملت تلك القاعدة ميناء بحريًا ومطارًا جويًا، بل وقامت تلك القاعدة بدور محورى فى مساعدة السلطات الوطنية فى مكافحة أعمال القرصنة التى تمارس بشكل مكثف بالقرب من الشواطئ الجيبوتية.
الصين 
تمكنت الصين عام ٢٠١٤ من عقد عدد من الاتفاقيات مع الجانب الجيبوتى والتى تضمنت تعهدًا صينيًا بتمويل مجموعة من المشاريع الاستثمارية التى تقدر تكاليفها بنحو ١٥ مليار دولار، بحيث تتضمن تلك المشاريع مد خطوط السكك الحديدية وتأسيس بنى تحتية قوية، فى مقابل سماح الحكومة الجيبوتية لبكين بإقامة قاعدة عسكرية مناظرة للقواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية واليابانية، وبالرغم من المحاولات الأمريكية المتتابعة لعرقلة تلك الصفقة إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل.
وبالفعل افتتحت الصين القاعدة العسكرية الخاصة فى أغسطس ٢٠١٧، وبذلك تعتبر أولى القواعد البحرية الصينية بالخارج؛ فيما تستهدف تلك القاعدة إمداد سفن القوات البحرية التى تشارك فى مهام حفظ السلام قرب السواحل اليمنية والصومالية.
مساعٍ لإنشاء قاعدة عسكرية سعودية
دفعت مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية خلال الخمس سنوات الماضية لاسيما اليمنية؛ المملكة العربية السعودية للبحث عن موطئ قدم لها فى أفريقيا، ومن هنا بدأت الرياض التفكير فى إنشاء قاعدة عسكرية سعودية بدولة جيبوتى لتكون بمثابة دعامة لضربات التحالف العربى باليمن، وبالفعل شهدت الفترة الأخيرة مباحثات كثيفة أسفرت عن وضع مشروع مسودة اتفاق أمنى وعسكرى بحيث لا يقتصر على إنشاء قاعدة عسكرية فحسب ولكن يشمل التعاون فى كل الجوانب العسكرية.
تأثير القواعد العسكرية على توازنات القوى
لم تؤدِ الظروف الأمنية المضطربة إلى سعى القوى الدولية لتعزيز نفوذها عسكريًا بمنطقة القرن الأفريقى فحسب وإنما بدأت قوى شرق أوسطية تنهج نفس النهج ما جعل جيبوتى فضاءً متسعًا لقواعد عسكرية من جنسيات مختلفة، ومن شأن هذا التكالب أن يثير تنافسًا قابلاً للتحول إلى صراع مستقبلي.
ورغم ما تبديه منطقة القرن الأفريقى لا سيما دولة جيبوتى من ترحيب واسع باستضافة القواعد العسكرية، معتمدة على محورية هذا التوجه فى تشكيل الدعامة الحقيقية لاقتصادها، إلا أن انتشار تلك القواعد على النحو الذى شهدته الفترة الأخيرة قد يسفر عن مشكلات تتعلق إلى حد كبير بتوازنات القوى فى إقليم البحر الأحمر.
فنجد مثلا أن الاستمرار فى تدشين القواعد العسكرية من شأنه إثارة غضب دول إقليمية كإثيوبيا التى تمتلك نفوذًا إقليميًا متناميًا يتجسد فى دورها بتسوية الصراعات ومكافحة الإرهاب إلى جانب ريادتها لبعض التجمعات الإقليمية «كالإيجاد»، ومع ذلك لم تدخل تلك الدولة فى سباق للقواعد العسكرية رغم جغرافيتها القاسية منذ استقلال إريتريا عنها عام ١٩٩٣.
ويعزز من ذلك، أن فكرة الاستمرار فى نشر القواعد العسكرية وتدريب الجيوش وتسليحها يعكس احتمالية تطور تلك المرحلة لتصل إلى مواجهات مباشرة تعيد للأذهان فترات تناحر القوى الأوروبية الكبرى منذ قرون سالفة على تفتيت موارد القارة.
ومن ناحية أخرى، فإن تزايد القواعد العسكرية الأجنبية فى إقليم شرق أفريقيا بشكل عام يؤثر على التوازن الإقليمى بين الدول العربية، فدول الخليج العربى التى تبذل جهودا واسعة لتقليص النفوذ الإيرانى على البحر الأحمر، لا تسعى فى الوقت ذاته لاستبدال هذا النفوذ بآخر تركى أو أوروبى أو حتى شرق آسيوي، وهى المؤشرات التى تنذر باحتمال تحول تلك المنطقة على المدى البعيد إلى بؤرة لنمط جديد من أنماط حروب وكالة بين القوى الإقليمية والدولية.
وختامًا: تتجسد خطورة الوضع بجيبوتى فى سعيها الدءوب نحو استثمار حدة التنافس الدولى والإقليمى على التواجد العسكرى فيها، من أجل بناء شراكات متعددة وتعظيم مكاسبها الاقتصادية للتغطية على مؤشرات العجز فى التنمية الاقتصادية، فى الوقت الذى يبدو فيه أن سلاح القواعد العسكرية ذى الحدين قد يؤثر على استقرار أوضاع القرن الأفريقى عامة فمن ناحية قد يوفر المال والحماية للدول المضيفة، لكن على جانب آخر قد يجر هذا البلاد إلى توترات وعداوات وحتى إلى حروب لا تمثل هى بالأساس أى طرف فيها.