الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تجديد لا تبديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثر الكلام فى عصرنا عن تجديد الخطاب الدينى، واختلف الناس فى أمر التجديد بين قبول ورفض، ومن أسباب اختلاف الناس حول التجديد اختلافهم فى مفهوم التجديد، لذلك نرى أن الخطوة الأولى فى مناقشة تلك القضية تحديد المقصود من التجديد، ومن ثم يمكن - بعد الاتفاق على مفهوم التجديد - البحث عن سبل التجديد .
يرى بعض الناس أن التجديد هدم القديم، ولذلك يعد هؤلاء كل رأى غريب شاذ خالف ما استقر تجديدا، حتى رأينا أخيرا أحد أصحاب هذا الاتجاه قد قدم للناس كتابا جعله – على حد قوله – ( تصحيحا للفقه القديم)، فكان من تصحيحه للفقه القديم أن ذهب إلى أن الحجاب ليس فريضة إسلامية، وأن الخنزير غير محرم فى الإسلام، لأن الخنزير فى فقهه الجديد من طعام أهل الكتاب، وطعامهم قد أحله الله، وأن زواج المسلمة من مسيحى أو يهودى مباح شرعا، وقد بلغ (تصحيحه) للفقه القديم أن جعل الحج لجبل الطور أعظم منزلة من الحج للكعبة استنباطا من تقديم الطور على البيت المعمور فى قوله تعالى (وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) [ الطور :1-4] ، كما ذهب هذا (المصحح) إلى أن الصيام فريضة على الغنى، وتطوع للفقير !!
إن أولى خطوات تجديد الخطاب الدينى على النحو الصحيح أن يكف الراسخون فى الجهل عن التعالم، ويمتنعوا تماما عن إبداء آرائهم السمجة فى قضية التجديد لأنه - كما يقال – لو سكت الجاهل لزال الخلاف. وكلام هؤلاء الأدعياء فى التجديد – كما يقول الرافعى– يرجع إلى ثلاثة أبواب : "جديد . ومجدد . ولنجدد . فأما الأول : فهو عندهم تقبيح القديم والزراية عليه والتنفير منه . وأما الثانى : فهو العائب والشاتم والمتهزئ . وأما باب قولهم ولنجدد : فهو لا يزال إلى الآن مقصورا على قول كل واحد منهم للآخر ولنجدد" . وكم شغل أدعياء التجديد الناس عن التجديد الحق بكلامهم المتهافت عن التجديد.
إن التجديد لا يعنى التغيير بل يعنى إعادة الشىء كما كان، ومنه قوله تعالى ( وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ) [الإسراء:49]، فالخلق الجديد يعنى رجوعهم إلى ما كانوا عليه فى أصل خلقتهم، وعلى ذلك فينبغى أن يكون تجديد الخطاب الدينى عودة الدين إلى ما كان عليه دون تبديل أو تحريف، فلا تجديد فى أحكام الدين، بل التجديد هو تجديد التمسك بتلك الأحكام.
والتجديد بهذا المفهوم هو سنة الله التى بعث بها أنبياءه ورسله متعاقبين، يجدد الواحد منهم ما انطمس من الدين الذى جاء به من قبله من المرسلين. قال تعالى (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) [المؤمنون :44].
وبالرغم من ختم الرسالات السماوية بالإسلام فإن سنة الله فى تجديد الدين لم تتبدل، فقد جاء فى الصحيح (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) [رواه أبو داود]
وقد ذكر العلماء المجددين الذين بعثهم الله عز وجل كما جاء فى الحديث، فلم نرهم أكثروا الكلام فى التجديد، وإنما كانت آثارهم هى التجديد عينه. ولم تكن تلك الآثار نقضا للدين بدعوى التجديد، وإنما كانت إصلاحا لما فسد من دين الناس.
كان الشافعى ( 150- 203ه ) مجدد عصره لأنه جمع الناس على كلمة سواء بعد أن انقسموا إلى أصحاب رأى وأصحاب حديث، فكتب لهم (الرسالة) ليبين أن للاستنباط قواعد وأصولا، وأنه لا غنى للرأى عن الحديث، ولا غنى للحديث عن الرأى، وأسس بكتابه اللبنة الأولى فى علم أصول الفقه، وأعظم به من تجديد فى الدين.
وقد دعا الإمام الغزالى (450- 505ه) إلى التجديد، لكن لم تكن دعوته إلى هدم الدين وعلومه ومعاهده العلمية، بل كانت دعوته التجديدية هى (إحياء علوم الدين).
ونكتفى بذكر هذين المثالين من تجديد الفكر الدينى لنؤكد على أن التجديد المأمول لا ينبغى أن يكون تبديدا لأحكام الدين وشعائره ، ولا طعنا فى علماء الأمة وآثارهم. وإنما التجديد علم على بصيرة، ورد للناس إلى دينهم ردا جميلا.