رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إسرائيل والسلام المستحيل "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع المؤرخ الفرنسى البارز هنرى لورنس، أستاذ التاريخ المعاصر للعالم العربى بالكوليج دو فرنس، فى كتابه الموسوعى مسألة فلسطين: شيئًا فشيئًا، بينت الانتفاضة فى الأراضى المحتلة سخف النظرية التى تزعم أن المقاومة الفلسطينية ليست غير إرهاب، فهى قد حولت بشكل حاسم نزعة قومية فلسطينية أسىء فهمها إلى واقع سابق لقيام دولة ؛ وقد غيرت السياسة الإسرائيلية إلى ما هى عليه: استعمار وصل إلى نهايته.
وما كشفت عنه الانتفاضة للفلسطينيين هو الأساس السياسى الحقيقى لجميع حركات التحرر الوطني، هو أنه لا طلقة النار المعزولة ولا الهجوم الأعمى يمكن مقارنتهما بالقوة المعنوية التعبوية لتحرك بشرى ذكى وشجاع ومنسق. وردًا على صحافى سأل أحد قادة الانتفاضة عن كيف أمكن لرجال ونساء وأطفال عزل التصدى بكل هذه البساطة للقوات الإسرائيلية، أجاب هذا القائد: «الخوف ممنوع».
فى سبتمبر١٩٨٧، جرى تعديل سياسة الجيش الإسرائيلى بشكل يجيز إطلاق الرصاص المطاطى بهدف وقف التظاهرات، أو محركى التظاهرات فى حالات لا تشكل تهديدًا لأرواح قوات النظام وبهدف زيادة عدد الإصابات. ويزعم الجيش الإسرائيلى أن طلقات الرصاص المطاطى أقل إماتة من الذخيرة الكلاسيكية. وعلى الرغم من عدم توافر أى إحصاء دقيق فى هذا الصدد، فإن عدة حالات وفاة قد أُرجعت إلى الإصابة بطلقات رصاص مطاطى، كما أن عددًا من الإصابات غير القاتلة قد زاد زيادة ملحوظة بعد استخدامها. ومن بين الأسباب الأخرى للوفاة، لابد من الإشارة إلى أن ١٣ حالة وفاة على الأقل قد نجمت عن الضرب بالهراوات وترتبت ٤ حالات وفاة على الأقل على استخدام الجيش الإسرائيلى قنابل الغاز المسيل للدموع فى أماكن خائفة.
كما هى الحال بالنسبة لكل انفجار مفاجئ، من السهل التعرف بعد وقوعه على علاماته التى كانت تنذر بوقوعه. فمن جهة، هناك السخط المتزايد لدى سكان الأراضى المحتلة بعد عشرين عامًا من الاحتلال والقمع والاستيطان. والحال أن أكثر من جيل بكامله لم يعرف غير الاحتلال. ومن جهة أخرى، تتوافق مع نشاطية أبو جهاد، العامل على استعادة دور فتح بنسج علاقات مع كل القوى الناشطة. ومن الواضح أن كثيرين سوف ينسبون إلى أنفسهم أبوة الانتفاضة، بينما هى فى البداية حركة عفوية. فى ٦ ديسمبر ١٩٨٧، يلقى تاجر إسرائيلى مصرعه طعنًا فى غزة. وهو الثانى فى خلال أسبوع واحد. وبعد ظهيرة ٨ ديسمبر، قرب مخيم جباليا للاجئين، تصدم شاحنة إسرائيلية عربة تنقل عمالًا فلسطينيين، ما يؤدى إلى مصرع أربعة منهم وإصابة عدد آخر بجراح جسيمة. وعلى الفور، تنتشر شائعة - يبدو أنها من ترويج الناشطين - مفادها أن ما حدث هو عمل انتقامى من مصرع التاجر، ودفعة واحدة يصدقها السكان.
وفى مساء اليوم نفسه، ولدى العودة من تشييع جثامين الضحايا، يهجم الجمهور على موقع عسكرى إسرائيلى يطل على جباليا. وفى صباح اليوم التالي، يدخل المخيم فى حالة انتفاضة. فيلقى المتظاهرون الحجارة على العسكريين الذين يحاولون استعادة السيطرة على المخيم. ولكى يتمكن هؤلاء الأخيرون من الإفلات من الموقف، فإنهم يطلقون النار على الجمهور، ما يؤدى إلى مصرع شخصين. وفى النهار، تمتد الاضطرابات إلى مجمل قطاع غزة. ولا ترى القيادة الإسرائيلية فيما يحدث غير انفجار قصير للعنف، وتتوقع عودة سريعة إلى استتباب النظام. وفى ١٠ ديسمبر، وكما هو متفق عليه، يذهب رابين، وزير الدفاع، إلى الولايات المتحدة للتباحث مع نظيره الأمريكي. لكن الانتفاضة تتحول إلى انتفاضة عامة فى الضفة الغربية. ويقع عدة قتلى بين الفلسطينيين. واعتبارًا من ١١ ديسمبر، يصبح العنف مستديمًا.
ومنذ تلك اللحظة، يجب تذكر الحقائق التالية: الأولى: هى أن محرك الاحتجاج هو زوال الخوف، علاوة على سخط المعنيين. ويستخدم المتظاهرون المقذوفات، خاصة الحجارة وزجاجات المولوتوف الحارقة. والثانية: هى التغطية المباشرة للأحداث من جانب الصحافة الدولية، خاصة الفضائيات. والمقارنة المعقودة أكثر من سواها هى المقارنة مع الوضع فى جنوب أفريقيا: إذ يجرى تشبيه غزة بجيتو سويتو الأسود، الأمر الذى يُغضب الإسرائيليين الذين يرون فى ذلك مظهرًا من مظاهر معاداة السامية. والصورة التى تخطر ببال الجميع، بحكم استخدام الحجارة، وهى صورة داوود فلسطينى فى موجهة جوليات إسرائيلى..
وللحديث بقية