الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"جيد البسيط".. متحف البابا شنودة الذي يروي عظمته وزهده

 البابا شنودة
البابا شنودة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تطأ قدماك مزاره، فتشتم رائحة بركة، تتحرك بين مقتنياته، فتراه أمام عينيك، تتوغل أكثر فتشعر بأنه يكلمك، ما من دقائق تمر حتى وتجد نفسك مبتسمًا، وروحك سابحة فى فضاء سعيد، ولا يقطع حبل تواصلك مع الراحل المتنيح البابا شنودة، إلا صوت مناجاة أحدهم له، وهو فى العالم الآخر متمنيًا شفاعته، أو آخر يبكى لفراقه، أو أحدهم يضحك وكأن البابا ما زال منتهيًا فى التو من إلقاء إحدى نكاته.
اكتظ مزار «طير البراري» والمملوء بالكثير من مقتنياته بالكثير من محبيه، ممن تعلقوا به، ممن رأوا فيه صورة ومثالًا حيًا لله، وذلك فى كنيسة السيدة العذراء مريم بالزيتون، حيث افتتحه البابا تواضروس فى ٢ نوفمبر ٢٠١٣ ليكون أحد ثلاثة مزارات له، أولها وأهمها حيث يرقد بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، وثانيها بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
ترصع المتحف بكلمات البابا الذى ضوت كالنور وسط الظلام، ويدور فى الخلفية بشكل دائم على مدار ١٢ ساعة يوميًا، يستقبل فيها المتحف رواده عظاته التى اشتهر بها خلال كلماته باجتماع الأربعاء الشهير والخاص به، ناهيك عن الزاوية المختلفة التى يراه بها محبوه.
وكان من أهم الملحوظات بالمتحف، هو أن أوراق التشفع والطلبات كانت تكسو جميع المقتنيات، حيث تجلت قيمة البابا عند محبيه بتلك الأوراق التى كتبها كل ذى طلب، فهذا يكتب من أجل حل أزمة، وتلك تكتب من أجل شفاء، وهذا يكتب لأجل انفراجة وتلك تكتب من شكره على ما قدم.
وظهر على المتحف «القيم البسيط» ما يعكس شخصية البابا، حيث تروى المقتنيات ما لم يكتب عن البطريرك ١١٧، وفى السطور التالية توضح «البوابة»..
الكتب المقدسة
أول ما تقع عيناك عليه داخل متحف مقتنيات البابا شنودة، هو أن علاقة ذلك الرجل بالله كانت ممدودة ودائمة الاتصال، وكان من بين مقتنياته دليل على ذلك، حيث إن المتحف، وكما ذكر هو أحد ٣ مزارات لمقتنيات البابا، به العديد من الكتب المقدسة، ما يعكس أنه كان يحتفظ بكتاب مقدس فى كل مكان يتواجد فيه بشكل طويل، فكيف له أن يكون بمكان ليس فيه عصاه وعكازه ألا وهو الكتاب المقدس، ووجد بالمتحف العديد من النسخ، كان منها الشخصى، ومنها من هو تذكار لشيء، وآخرون كهدايا، إلا أنه يتجلى على أغلبهم الاستعمال.
تراص بجنبات المتحف، العديد من مقتنيات البابا خلال وجوده على الأرض، وعكست أغلب المقتنيات بساطة ذلك الرجل، حيث لم يكن بينها ما هو ذهب، أو فضة، بل كانت أغلب الأشياء قليلة القيمة بل أقل من القليل، فالسرير بسيط، والغطاء عتيق، والجلباب مهترئ، ناهيك عن نعاله، كالتى تراها بأقدام البسطاء بالشوارع، فيما وقفت عقارب تلك الساعة الخشبية التى كانت تنبهه لأوقات صلاته، كما وقفت الساعة ذاتها على الحائط، أما ما عظم بساطة ذلك الرجل، فهى بعض المقتنيات التالفة، والتى لم يستغنِ عنها، حيث كان أحد الصلبان التى يرتديها خير دليل على ذلك، فقد كان عليقته مقطعة، إلا أن البابا كان قد أصلحها بعقدة بسيطة، حيث روى أحد الموجودين هناك، بأن الراحل كان يرتديه على حالته تلك، ولم يكلف نفسه بأن يبتاع آخر جديد.
معرض كتب
على الجانب الأيسر بطول المتحف، مكتبات، حوت عشرات وعشرات من الكتب، بقلم قداسة البابا، حيث يحوى المتحف أغلب كتبه الروحية والدنية، التى وصلت لـ٧٨ كتابًا، ناهيك عن الكتب الأخرى غير الدينية، حيث وصل عدد كتبه التى ألفها حوالى أكثر من ١٥٠ كتابًا متنوعًا، وللبابا مجموعات كثيرة من الكتب، أبرزها، انطلاق الروح، وسنوات مع أسئلة الناس، ومجموعة نبذات، وسلسلة الله والإنسان، سلسلة الإيمان، بالإضافة لسلسلة تأملات، الأمر الذى يعكس قدرة الراحل ثقافيًا وفكريًا، وكيف أن استطاع أن يؤلف كل ذلك الكم من الكتب، بخلاف ما لم ينشر، وبخلاف المقالات، وكل ذلك بجانب مشغوليته الأساسية.
كارنيه نقابة الصحفيين 
كان من أبرز المقتنيات المعروضة، الكارنيه رقم قيد بالنقابة ١٥٦، لسنة ١٩٦٦، حيث حصل على عضوية شرفية للنقابة، بعد ٤ سنوات من سيامته أسقف للتعليم المسيحى وعميد الكلية الإكليريكية، تحديدًا فى عهد المجلس الـ٢٤ بتاريخ النقابة، وكان نقيب الصحفيين آنذاك حافظ محمود، والذى شغل منصب الرئيس فى الفترة من ١٩٦٥ إلى ١٩٦٦، والبابا بالفعل كاتب جيد، وله العديد من الكتابات بالعديد من الصحف، أبرزها الأهرام، فيما ضم المتحف أيضًا بجوار الكارنيه، العديد والعديد من الأقلام، والتى تعكس أيضا تدوينه الدائم وكتابته المستمرة سواء للتأملات أو خلافه، إلا أن البابا لم تظهر له حتى الآن أى مذكرات خاصة به بخط يده.
١٢ ساعة يوميًا 
يفتح المزار أبوابه أمام محبى البابا على مدار ١٢ ساعة يوميًا، وتقول إحدى الخادمات إن المتحف يستقبل مئات الأشخاص، خاصة فى المناسبات والأعياد الدينية، وأيضًا أعياد البابا الخاصة به، كميلاده ونياحته وعيد تجليسه على الكرسى البابوى، وفى الوقت الذى كانت فيه جريدة «البوابة» هناك، لوحظ وجود العديد من الفئات المتوافدة على المتحف، رجالاً ونساء، كبارًا وصغارًا، عائلات وأفرادًا، وخطف أنظارنا خلال وجودنا بالمزار طفلين بصحبة أمهما، وقف الأول مذهولًا مما يرى، وكأنه دخل الجنة، وبسؤاله: لماذا أتيت هنا؟ قال جئت للبابا شنودة، هل تحبه؟ فرد «بحبه أوي»، ولكن أنت صغير، كيف تعرفه وأنت لم تشاهده، فرد وهو يجرى خجلًا «صورته عندنا فى الصالة من زمان».
وفى زوايا المتحف البعيدة، لم تستطع امرأة إخفاء ما تذرفه عيناها من دموع، لتسألها الخادمة الموجودة بالمكان، هل بك شىء، فترد: «كان نفسى أشوف البابا قويًا وهو عايش»، ليدخلا فى حديث جانبى عن عظمة وقوة وأهم مواقف ذلك البطريرك الراحل، لتغلف الجو العام حالة من المشاعر الجميلة تجاه الراحل. 
وكان أكثر المشاهد حضورًا بالمتحف، هى الطلبات والشفاعات التى يطلبها محبو البابا وزواره منه، فالجميع، يذكر مشكلاته بورقة، ويكتب أسماء من يحتاجون يد العون من الله، ثم يقذفون بتلك الورقة فوق مقتنيات البابا الراحل، أملًا فى أن تكون لها جدوى لدى الله بفضل البابا المحبوب من الله، ناهيك عن آخرين يكتبون طلباتهم فوق أوراق من المال، فى إشارة إلى قيمة المتنيح، وأن كل مال من أجله لا يسوى شيئًا.
شددت الخادمة الموجودة بالمكان، على أنها دومًا ما ترى كيلًا من المشاعر يطفح من أعين زوار البابا شنودة، وأن المكان دومًا ما يشهد حالات بكاء وسكينة، وأيضًا فرحة وشكر كثير، حيث إن هناك من جاء لأجل شىء، ومن جاء بعد شىء، موضحة أن المزار يشهد تكدسًا شديدًا من الأقباط خلال عيد تنيح البابا، من أجل أنه بالقاهرة، والبعض لا يتمكن من الذهاب لمقر جسده بوادى النطرون، فيما أنهت كلماتها بأن المتحف يزوره كثيرًا زوار مسلمون.