الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الديمقراطية بين الممارسات والشعارات "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما أكثر الأصوات التى تنادى بالديموقراطية فى ثقافتنا المصرية المعاصرة، فنألف بعض هذه الأصوات يتحدث عنها باعتبارها إحدى الحقوق الشرعية المستحقة التى يجب تفعيلها فى حياتنا السياسية، بل والعيش تحت مظلتها فى شتى مؤسساتنا التربوية والتعليمية والاجتماعية. ويروق إلى عصبة الشباب رفعها شعارًا فى تظاهراتهم الساخطة على كل أشكال الاستبداد والقمع والقرارات والقوانين التى تحد من حرية الأفراد والجمعيات المدنية وتحول بين المبدعين والمفكرين والبوح بتصوراتهم وآرائهم، باسم (الحفاظ على العادات والتقاليد تارة، وحماية الأصول العقدية تارة ثانية، والعمل على الاستقرار واستتباب الأمن تارة ثالثة). أضف إلى ذلك أحاديث الإعلاميين عن حرية النقد والمناظرة باعتبارهما من أهم آليات الإعلام الثورى الرامى إلى إيقاظ الرأى العام وتنويره وردع السلطة القائمة للحد من إساءتها وجورها للشعب والكشف فى الوقت نفسه عن مواطن الفساد الذى استشرى فى كل نواحى حياتنا اليومية. 
ومع تقديرنا لهذه الجهود النظرية والغايات المأمولة للدفاع عن أجل وأعظم حقوقنا الإنسانية، ألا وهى الحرية، فإننى أصرح بأن أفعالهم تلك لا تعدو أن تكون مجرد دعوات غوغائية تتشدق بشعارات غير واضحة المعالم على أرض الواقع لا حظ فيها من العقلانية أو العمل الجاد الساعى إلى تحقيق الرغبات وتفعيل الأمانى والآمال فى حياتنا العملية. 
وحتى لا تُلصق بى التهم وكل الصفات المعادية للروح الثورية، فإننى سوف أحاول مناقشة القضية بمنحى فلسفى منحاز إلى المنطق فى الاستدلال وإلى الممارسة فى المحاجاة وبسط الأدلة، وذلك من عدة زوايا. وأول سؤال يطرح نفسه، هل مصطلح الديموقراطية الذى أضحى شعارًا قد خرج من بين سطور القواميس والمعالم السياسية وصفحات فلاسفة السياسة القدماء والمعاصرين إلى دنيا الممارسة؟ وهل هذا مصطلح متفق عليه أو مجمع على دلالته التطبيقية بين ممارسيه؟ 
الحق أن أبسط معانى الديموقراطية التى وردت فى المعاجم السياسية هى نظام سياسى يكون فيه للشعب نصيب فى حكم الدولة بطريقة مباشرة أو شبه مباشرة. وقد أجمع التطبيقيون على أن الصيغة الديموقراطية المباشرة (الشعب يحكم نفسه بنفسه) لا يمكن تطبيقها إلا فى نطاق ضيق (الأسرة، المؤتمرات، الإدارات، داخل الأحزاب والمؤسسات، أو المدن الصغيرة من حيث المساحة وعدد المواطنين)، أما الديموقراطية شبه المباشرة هى التى يشترك فيها الشعب عن طريق ممثليه يختارهم بالانتخاب أو الاقتراع ويعرف ذلك النظام بالديموقراطية النيابية، ويقضى ذلك العقد- المبرم بين الشعب ونوابه فى الدساتير- بالمساواة التامة فى الحقوق والواجبات بين كل أفراد المجتمع، ومن ثم كان لممثليهم الحق فى تنصيب الحكومة وإقصائها بناء على النصوص الدستورية التى تحدد شكل الحكم (ملكية أو جمهورية) دون أدنى مساس لسيادة الشعب باعتباره هو مصدر السلطات. ويعرف الليبراليون الديموقراطية بأنها تلك التى تقوم على البرلمان أو المجلس النيابى المنتخب من قبل الشعب، وتتلخص وظيفته فى: (التشريع وسن القوانين، ومراقبة الحكومة، وحماية القضاء، والتأكد من إخلاص ووطنية وولاء الممارسات الحزبية القائدة).
فى حين يرى الاشتراكيون والماركسيون أن ديموقراطية الغرب زائفة، لأنها تحمل بين طياتها الفروق الاجتماعية والطبقية الجائرة (سادة رأس المال، وعبودية الفقراء) ذلك فضلا عن فساد البرجوازية واستغلال الإقطاعية، ويعنى ذلك أن الديموقراطية الأمريكية والأوروبية فى نظر الماركسيين مجرد شعارات وهمية تُخدع بها الشعوب. والحقيقة أنها لعبة لا يملك قواعدها إلا من يمتلك الدولارات والمصانع ودور الصحف.. إلخ، فجميعهم هم أصحاب القرار الحقيقيين. بينما يؤكد الاشتراكيون أن الديموقراطية الحقة هى التى تعبر عن مصالح الجماهير الكادحة وتمثل الصيغة السياسية للدولة الاشتراكية، فتحمى حقوق الشعب فى تطبيق العدالة والمساواة والرعاية الصحية والاجتماعية، وتصبح الحكومة فى ظل هذا النظام خادمة للشعب وساعية إلى تحقيق حقوقه فى العمل والإسكان والتأمينات وحرية التعبير والنشر. ويصرح الاشتراكيون المعاصرون بأن الديموقراطية الحقة هى التى تسعى إلى سعادة ورفاهية المواطنين دون أدنى تفرقة بينهم طبقية كانت أو عرقية أو دينية، شريطة أن تطلع بهذه المهام الآتية: (تنظيم الأسواق وحماية المواطنين من الاستغلال، الضمانات الاجتماعية والتأمينات المعيشية، إيجاد تعليم حكومى راق يعمل على تلبية احتياجات المجتمع وتقدمه، نظام ضريبى تقدمي).
وحرى بنا أن نتساءل: إلى أى من الديموقراطيتين ننتصر وندعو ونطالب؟ وهل لدينا من الوعى ما يمكننا من التفرقة بين الأشكال العديدة لتطبيقات الديموقراطية؟ وهل عندنا أحزاب حقيقية تمتلك رؤى وتصورات واستراتيجيات ثورية بديلة أو انتقادات واعية لما هو قائم بالفعل أو تعديلات مبررة لقرارات الحكومة أو سياسات المؤسسات؟ وهل ندرك البون الشاسع بين النظر والتطبيق فى تصريحاتنا السياسية وخطاباتنا الحماسية وترشيحاتنا لتولى المناصب والمهام؟ 
وللحديث بقية