رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المسيحيون الأرثوذكس يبدأون صيام القيامة (ملف)

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قوانين خاصة لكل كنيسة تحدد الكيفية والميعاد
210 أيام صيام طائفة الأقباط الأرثوذكس.. والروم الأرثوذكس 40 يومًا

«الكاثوليكية»: الصوم تشريع إلهى وكيفية الصوم تشريع كنسى

«الإنجيلية»: لا يوجد صوم كنسى أو مُحدد مسبقًا.. والصيام شخصى

الصوم أو الصيام كلاهما مصدر واحد، صام يصوم صوما وصياما، وهو لغة الإمساك عن الطعام والشراب لفترة من الزمن، وكأن الحاجة الفسيولوجية أصبحت فى المكان الثانى، وأما الكلمة اليونانية (نستيا) تعنى الإمساك، ويشير الإمساك هنا إلى ضبط الجسد والنفس، فيصبح الإنسان سيدًا على أهوائه وعلى رغباته، فضبط النفس والجسد بإذلالهما يؤدى إلى التواضع، وهو شرط لدخول الملكوت، فالصائم كأنه يقول لله «أنا تائب نادم، ولست متعاليًا أو متكبرًا، فلا حاجة بك لإذلالى أكثر من ذلك»، وبكلمة الصوم هو الاعتراف بأن الله هو السيد المطلق، ومصدر حياة الإنسان قبل الخبز، الذى يجود به الله علينا: «ليسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيْا الإِنْسان بل بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِن فَمِ الله» (متى 4:4). 
وأما كيفية الصوم فهو التبرؤ من الرياء والنفاق إلى صدق الإخلاص، وخالص الصفاء للبحث عن وجه الله تعالى، الذى يرى فى الخفاء، وقد وبخ الرب يسوع صوم الرياء والتظاهر قائلا: «وإِذا صُمتُم فلا تُعبِّسوا كالمُرائين» (متى 6/16-18). 
وبكلمة الصوم فعل من أفعال الديانة الثلاثة «الصوم والصلاة والصدقة» الموجّهة نحو الله، الذى يرى فى الخفية بخلاف الرغبة فى أن يرانا الناس على ما جاء فى كلام سيدنا يسوع المسيح: «أَمَّا أَنتَ، فإِذا صُمتَ، فادهُنْ رأسَكَ واغسِلْ وَجهَكَ، لِكَيْلا يَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صائم، بل لأَبيكَ الَّذى فى الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذى يَرى فى الخُفْيَةِ يُجازيك» (متى 6/17-18).
 وتختلف فترة الصيام من كنيسة لأخرى، فالأرثوذكس يصومون 200 يوم، والكاثوليك 114 يوما، بينما فى الكنيسة الإنجيلية لا صيام.

مجموعة القوانين للكنائس الشرقية لا تحدد كيفية ومواعيد الصيام لدى الكنائس، بل تتركه للشرع الخاص لكل كنيسة كى تحدده، وفى الكنيسة القبطية، حدد الصوم بأنه الامتناع عن أكل اللحوم وعن البياض «الألبان ومنتجاتها، والبيض»، وإنما يجوز أكل السمك باستثناء الصوم الكبير أو صوم القيامة، فيُحرم خلاله أكل مشتقات الأسماك تماما.
تم تحديد أيام الصوم فى كل أيام الجمعة على مدار السنة، إلا فترة الخماسين، وهى مدة ٥٠ يوما تعقب عيد القيامة، فلا صوم فيها بحسب الطقس الكنسى، وأيام الجمعة التى يقع فيها أعياد الميلاد، أو الغطاس، الرسولين بطرس وبولس، وانتقال السيدة العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء، ويتم تحديد صوم الميلاد ومدته ثلاثة وأربعون يومًا، وصوم الرسل ومدته أسبوع، صوم السيدة العذراء ومدته خمسة عشر يومًا.
أما «الصوم الانقطاعى» فهو الامتناع عن الأكل والشرب من منتصف الليل إلى الظهر، إلى جانب الامتناع عن أكل اللحوم وعن البيض والألبان ومنتجاتها، ويجب الصيام به ليلة عيد الميلاد والغطاس، صوم نينوى ومدته ثلاثة أيام.
تقسيم الأصوام لدى الطوائف
تبلغ عدد أيام الصوم لدى طائفة الأقباط الأرثوذكس حوالى ٢١٠ أيام على مدار العام، والكنيسة الأرثوذكسية هى أكثر الكنائس تمسكًا بالصوم، ورغم سماح الطقس الكنسى القبطى بتناول مشتقات الأسماك فى صوم الميلاد ومدته ٤٣ يوما.. ونظرًا لطول فترة الصيام، والممتدة لما يزيد على نصف أيام السنة، سُمح بأكل السمك فى بعض الأصوام من الدرجة الثانية، تخفيفًا على الناس من طول فترة الصوم، كما تنقسم الأعياد إلى أعياد سيدية، (وهى التى تخص السيد المسيح، وعددها أربعة عشر عيدًا) مقسمة إلى نوعين، أعياد سيدية كبيرة، وعددها سبعة، وهى عيد البشارة ٢٩ برمهات، عيد الميلاد ٢٩ أو ٢٨ كيهك، الغطاس ١١ طوبة، ومن الأعياد السيدية الصغرى، الختان ٦ طوبة، وعرس قانا الجليل ١٣ طوبة، ودخول السيد المسيح إلى الهيكل ٨ أمشير، ودخول السيد المسيح إلى أرض مصر ٢٤ بشنس، وعيد التجلى ١٢ مسرى، فضلا عن أعياد السيدة العذراء ميلادها أول بشنس، ودخولها الهيكل ٣ كيهك، ونياحتها ٢١ طوبة، وإعلان صعود جسدها ١٦ مسرى.
وقد قسمت الأرثوذكسية الأصوام إلى درجتين؛ الدرجة الأولى والتى يحظر فيها تناول الأسماك هى: «الأربعاء والجمعة أسبوعيًا، الصوم الكبير، صوم يونان، برمون الميلاد والغطاس»؛ أما عن أصوام الدرجة الثانية فهى: «صوم الميلاد، صوم الرسل، صوم السيدة العذراء»؛ والتى سمحت الكنيسة فيها بأكل السمك فقط، أصوام الدرجة الأولى التى لا يجوز فيها أكل السمك وأبرزها الصوم الكبير، الذى يسبق عيد القيامة ومدته ٥٥ يومًا، وموعده يتغير حسب الحساب القبطى لتحديد موعد الاحتفال بالعيد، و٤٣ يوما قبل الاحتفال بعيد الميلاد.
أصوام الدرجة الأولى
يومى الأربعاء والجمعة أسبوعيًا يصوم خلالهما الأقباط عن أكل اللحوم وأحيانا يقوم البعض بالصوم عن كل أشكال الطعام، حتى موعد التناول بالقداس الإلهى، وذلك أسبوعيا عدا الخمسين المقدس، وعيدى الميلاد والغطاس، وصوم نينوى، مدته ٣ أيام وهو تذكار ليونان النبى أو النبى يونس لدى المسلمين، حينما كان فى بطن الحوت، وموعد الصيام يأتى قبل الصوم الكبير (القيامة) بأسبوعين، وعن صوم برامون الميلاد، فمدته من يوم إلى ثلاثة أيام، ويقع موعده قبل عيد الميلاد المجيد مباشرة، ويصام فيه عن كل اللحوم بما فيها الأسماك، وبرامون الغطاس، ويأتى قبل عيد الغطاس مباشرة، ومدته من يوم إلى ثلاثة أيام، ويمتنع فيه الأقباط عن تناول اللحوم، ويكتفى بالبقوليات وما شابه.
أصوام الدرجة الثانية
هى التى تجيز فيها الكنيسة أكل السمك لأبنائها ورعاياها، وأولها صوم الميلاد مدته ٤٣ يوما ويقع موعده من ١٦ هاتور القبطى حتى ٢٩ كيهك الموافق عيد الميلاد المجيد؛ صوم الرسل ومدته متغيرة، ويحدد من اليوم التالى لعيد العنصرة، حتى ٥ أبيب الشهر القبطى، وصوم العذراء مريم مدته ١٥ يوما وموعده سنويًا من ١ : ١٦ مسرى القبطى.
الصوم قبل سر المناولة
يصوم المسيحيون قبل «التناول» وهو أحد الأسرار الكنسية السبعة، مدة لا تقل عن ٩ ساعات، شريطة أن تبدأ تمام الساعة الثانية عشر، وذلك لبدأ اليوم بالصيام، فيدخل جسد المسيح «القربان» فى مكان فارغ، لا يشاركه شىء، كما دخل المسيح بطن العذراء ولم يسبقه أحد. يكون الصيام ٩ ساعات؛ لأن السيد المسيح بدأت آلامه فى الساعة الثالثة حين صدر حكم بيلاطس، أى فى الساعة التاسعة صباحًا، وانتهت بدفنه حوالى الساعة السادسة مساءً.

الروم الأرثوذكس
طبقًا لطقس كنيسة الروم الأرثوذكس، فقد صام السيد المسيح «الأربعينية» أى ٤٠ يومًا، وقد علم تلاميذه أن يصلوا ويطلبوا ليس من أجل الخبز الكافى لليوم فقط، بل يطلبون أولًا ملكوت الله وبره وبعدها أى شىء آخر، مشددًا على «التجرّد»، والترّفع وتجنب بعض الأخطار، التى كانت تترافق مع «الأصوام»، مثل خطر التمسك بالشكليات والكبرياء، أى الصوم «لكى نظهر للناس صائمين».
وكان يدعو لأن نصوم بكتمان وتواضع، أى لله: «فمتى صمتم لا تكونوا عابسين كالمرائين... بل لأبيك الذى فى الخفاء»، ولقد حافظت كنيسة الروم الأرثوذكس فى القرون الأولى على الأصوام اليهودية، ولكن بالروح التى أملاها السيد المسيح، وقد سبق يسوع ودافع عن تلاميذه أمام اتهامات اليهود عليهم بأنهم لا يصومون كتلامذة يوحنا، لكنه قال: «مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا، وَلكِنْ سَتَأْتِى أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِى تِلْكَ الأَيَّامِ. (إنجيل مرقس ٢: ٢٠-٢١)». فإلى أن يأتى العريس من جديد، سيبقى الصوم يحتفظ بمكانة خاصة فى الكنيسة.


الكاثوليكية
تعتبر الكنيسة الكاثوليكية أن الصوم هو تشريع إلهى، أما عن كيفية الصوم فهو تشريع كنسى ويحق فقط للكنيسة، كما يقول القديس باسيليوس الكبير الوصية الأولى فى الكتاب المقدس: «وأَمَّا شَجَرَةُ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ فلا تَأكُلْ مِنها، فإنَّكَ يَومَ تأكُلُ مِنها تَموتُ مَوتًا» (تكوين ٢: ١٧)، والصوم هو شكل من أشكال التوبة الذى يعبر عن الارتداد فى علاقة الإنسان مع الذات والله والآخرين، فمثلًا الصوم الذى يسبق «تناول» وهو أحد أسرار الكنيسة المقدسة، يجب أن يكون الراغب فى التقدم لسر المناولة صائما عن الأكل والشرب، على الأقل ساعة واحدة قبلها، أما شرب الماء فلا يمنع التناول.
وقد ظلت الكنيسة القبطية الكاثوليكية تشترك مع نظيرتها الأرثوذكسية فى الطقوس والممارسات الكنسية، ونظم الصوم وعدد أيامه، ونوع الطعام المسموح به إلى أن عقد مجمع القاهرة سنه ١٨٩٨ حيث دُعى «السنودس الإسكندرى للأقباط»، وحدد معنى الصوم والانقطاع، وما هى الأصوام المقررة فى الكنيسة، وهدف هذا الصوم أن يقدم الشعب المسيحى بواسطته إماتة الجسد تكفيرًا عن خطاياه، ويحضر نفسه للاحتفالات المهمة والأعياد.

الصوم فى الإنجيلية
عن الكنيسة الإنجيلية ومذاهبها الـ١٧ المشتقة منها، فلا يوجد بها صوم كنسى أو مُحدد مسبقًا، ولكن يتم الصوم بشكل شخصى، ويقوم هو بتحديده وفق متطلباته سواء المادية أو أزمة يمر بها، على أن يكون الصوم بالانقطاع عن الطعام، لفترة زمنية غير محددة، حسب قدراته الشخصية، وفى حالة الإفطار لا يشترط نوع الطعام، ولكن الاكتفاء بالأطعمة المتاحة.

البابا شنودة: أقدم وصية عرفتها البشرية
يقول البابا شنودة الثالث، فى كتابه «روحانية الصوم»، إن الصوم هو أقدم وصية عرفتها البشرية، فقد كانت الوصية التى أعطاها الله لأبينا آدم، هى أن يمتنع عن الأكل من صنف معين، من شجرة معينة، بينما يمكن أن يأكل من باقى الأصناف، وبهذا وضع الله حدودًا للجسد لا يتعداها، فهو ليس مطلق الحرية، يأخذ من كل ما يراه، ومن كل ما يهواه.. بل هناك ما يجب أن يمتنع عنه، أى أن يضبط إرادته من جهته، وهكذا كان على الإنسان منذ البدء أن يضبط جسده، فقد تكون الشجرة «جيدة للكل، وبهجة للعيون، وشهية للنظر» (تك ٣: ٦٠)، ومع ذلك يجب الامتناع عنها، وبالامتناع عن الأكل، يرتفع الإنسان فوق مستوى والجسد، ويرتفع أيضًا فوق مستوى المادة، وهذه هى حكمة الصوم.
الصوم الجماعى
يقول البابا الراحل فى كتابه: إن أبرز مثال على الصوم الجماعى، ذلك الذى صامه كل الشعب لما وقع فى ضيقة أيام الملكة أستير، حتى يصنع الرب رحمة (إس ٤: ٣، ١٦)، وصام الجميع بالمسوح والرماد والبكاء، وسمع الرب لهم وأنقذهم، وكما صام الشعب كله بنداء عزرا الكاهن على نهر أهوا متذللين أمام الرب (عز ٨: ٢١، ٢٣)، كذلك اجتمعوا كلهم بالصوم مع نحميا وعليهم مسوح وتراب (نج ٩: ١).
كذلك صام الشعب أيام يهو شافاط (٢ أى ٢٠: ٣)، ويحدثنا سفر أرمياء النبى عن صوم الشعب فى أيام يهو ياقيم بن يوشيا (أر ٣٦: ٩)، وصوم آخر جماعى فى أيام يوئيل النبى (يوئيل ٣: ٥)، ومن الأصوام الجماعية أيضًا: «صوم الشهر الرابع، وصوم الخامس، وصوم الخامس، وصوم السابع، وصوم العاشر» (زك ٨: ١٩).


مفتاح الطاقات الروحية
الصوم معروف فى كل ديانة، كما قال البابا شنودة؛ فحتى الديانات الوثنية والبدائية، مما يدل على أنه معروف منذ القدم قبل أن يفترق الناس، فمن يقرأ عن البوذية والبراهمية والكنفوشيوسية، وعن اليوجا أيضًا، يرى أمثلة قوية عن الصوم، وعن قهر الجسد لكى تأخذ الروح مجالها، والصوم عندهم تدريب للجسد وللروح أيضًا.
وفى حياة المهاتما غاندى الزعيم الروحى الشهير للهند، نرى الصوم من أبرز الممارسات الواضحة فى حياته، وبالصوم اكتشف اليوجا وبعض طاقات الروح، وهذه الطاقة الروحية التى كانت محتجبة وراء الاهتمام بالجسد وقد عاقها الجسد عن الظهور، ولم يكتشفوها إلا بالصوم.
ويرى الهندوس أن غاية ما يصلون إليه هو حالة (النرفانا) أى انطلاق الروح من الجسد للاتحاد بالله، لا يمكن أن يدركوها إلا بالنسك الشديد، والزهد والصوم.