الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

تفاصيل مؤامرة أردوغان لاختراق القارة السمراء

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
** الدبلوماسية الدينية.. و«إعادة إعمار».. بوابة الدخول لأفريقيا
** قاعدة عسكرية فى الصومال.. واستثمار فى تنزانيا.. وجزيرة فى السودان
** الباحث كرم سعيد: تحويل البوصلة التركية إلى دول أفريقيا بغطاء دينى وخيرى بعد خسارة أنقرة للسوق العربية ومحاولة لمضايقة مصر 
** نبيل عبدالفتاح: لا تملك أنقرة أية إمكانيات للتواجد عسكريًا خارج حدود تركيا.. والزيارة الأخيرة لأردوغان لم تحقق أى أهداف


لم يكن إعلان السودان إهداء تركيا جزيرة سواكن، الواقعة فى البحر الأحمر، لإدارتها فترة زمنية غير محددة، إلا إزاحة للستار عن الدور التركى البعيد الأمد فى أفريقيا، فمنذ عام 2001 وما قبله لم تتوقف محاولات أنقرة المستمرة عن التوغل فى القارة السمراء.

قبل اعتلاء رجب طيب أردوغان منصب الرئاسة أو رئاسة الوزراء، حدد حزب العدالة والتنمية التركى غرضه بالتواجد فى أفريقيا لتحقيق عدة أهداف، منها زيادة النفوذ الدولى للدولة «عثمانية الهوى»، بجانب أغراض أخرى بعضها استثمارى وآخر سياسي، بحسب توضيحات الباحث فى الشأن التركى كرم سعيد لـ«البوابة».
ويقول «سعيد» إن قرار الرئيس السودانى عمر البشير تسليم جزيرة سواكن، وما تمخضت عنه زيارة أردوغان الأخيرة إلى الخرطوم، نتاج طبيعى للمحاولات التركية العديدة بالإعلان عن نفسها فى القارة السمراء، مضيفًا: « قبل السودان كانت جيبوتى وإثيوبيا أهدافًا لأنقرة، سعت للتواجد فيها من خلال مشاريع تحمل اسم (خيرية) أو دينية أو حتى تعليمية».



الدين.. كسلاح دبلوماسي
ومارست تركيا «الدبلوماسية الدينية» مستغلة اعتناق كثير من شعوب أفريقيا للدين الإسلامي، وهو ما يتاح لها من خلال جمعية وكالة «تيكا» للتنمية، فضلًا عن الانخراط مع أبناء الدول الأفريقية بحجة تقديم مساعدات غذائية أو طبية، كما تستغل مصطلح «إعادة إعمار» المناطق المخربة أو التى طالتها الحروب الأهلية أو الإهمال من أجل التواجد بين هذه الشعوب.

وفى جولته الأخيرة إلى أفريقيا، زار أردوغان الخرطوم، ثم حط فى تونس لتكون المحطة الثانية، التى التقى خلالها الرئيس التونسى الباجى قائد السبسي، ثم توجه إلى إنجامينا للاجتماع بالرئيس التشادى إدريس ديبى إتنو.

ووفق وسائل إعلام تركية بينها «ترك برس» فإن أنقرة لا تخفى هدف «المكايدة السياسية» فى سعيها من هذه الجولة، والتغلغل داخل أفريقيا بشكل عام.

ويقول الإعلام التركى المقرب من أردوغان إن «مواجهة الخصم الإماراتى الذى أخذ فى تعزيز وجوده العسكرى فى أفريقيا، يعد دافعا لأن تنتشر أنقرة فى القارة السمراء، فضلًا عن محاولة المشاركة فى السباق الاقتصادى العالمى نحو السوق الأفريقية».

الجيش التركى لا يقدر على دور خارج الحدود
ويرد الباحث فى الشئون الاسراتيجية بمركز الأهرام، نبيل عبدالفتاح، بأن ذلك أمر غير مقنع تمامًا، «فلا يمكن لدولة أن تتحرك وتقوم بإنشاء قاعدة عسكرية لمجرد النكاية فى دولة أخرى»، معتبرًا أن إمكانيات تركيا لا تسمح لها بأى تواجد عسكرى فى أى بلد.

وأضاف أن التدخل العسكرى التركى فى الحرب السورية كانت له مبرراته، «فقد دفعت إليه تركيا دفعًا، خصوصًا أن إمكانيات الجيش التركى والقوات المسلحة للدولة محدودة للغاية ولا تسمح بذلك»، مشددًا على أن التحركات الأفريقية للرئيس التركى تنبع من «ضيق المحيط الإقليمى والدولى عليه ليس أكثر».
ويربط «عبدالفتاح» بين الرفض الأوروبى لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروربي، والخلاف مع ألمانيا، وكذلك الولايات المتحدة، وبين السعى إلى التواجد فى أفريقيا، «لا مجال لأردوغان لأن يبسط نفوذه، أوروبيا وعربيا – باستثناءات قليلة- وحتى الولايات المتحدة لا تعطيه ما يريد ولا تفضله»، فى ظل دور واضح من نظامه للقيام بأعمال إرهابية فى مصر وغيرها ودعم لجماعات الإرهاب بعدد من الدول، بحسب الباحث.
ويرى أيضًا أن تسلم أنقرة إدارة جزيرة سواكن الواقعة فى البحر الأحمر من الخرطوم لفترة زمنية غير محددة، هدفه إحداث إزعاج للأمن القومى المصري، ومحاولة جديدة للنيل من مصر، «التى لم تنس أنها تدعم الجماعات الإرهابية فيها».

وواصل: «كما يحاول أردوغان الرد على مساعى الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذى عزز علاقات القاهرة مع دول شرق البحر المتوسط، ومنها اليونان وقبرص وهما اللذان لا يرضى عنهما الخليفة الواهم».

ويقيم «عبدالفتاح» زيارة أردوغان الأخيرة إلى كل من السودان وتونس وتشاد، بقوله: «الزيارة الأخيرة لم تحقق الغرض الاستراتيجى لها، كما أن الرئيس التركى لاقى رفضًا ومعارضة فى السودان وتونس واتهم بأنه يحاول إعادة النفوذ العثمانى بوجه سيئ للقارة».



وتابع: «حتى إن الاتفاقات الاقتصادية التى تحققت ليست كبيرة، ولا تعد الأرقام المعلن عنها معبرة عن زيارة رئيس دولة، فماذا يعنى زيادة حجم التبادل مع الخرطوم من 500 مليون دولار إلى مليار دولار، فهذه الأرقام بسيطة فى عالم التجارة الدولية، والمؤكد أن أردوغان يحاول بشتى الطرق البحث عن فرصة وجود بدلًا من المضيق الذى وضع فيه».
احتمالية الصدام مع تل أبيب 
واستبعد «عبدالفتاح» أن يؤدى التواجد التركى والإسرائيلى فى القارة إلى صدام أو احتكاك محتمل بين الطرفين مستقبلًا، «القارة كبيرة ومواردها متعددة ولا أتوقع ذلك، فتل أبيب تؤمن تواجدها أمنيًا واقتصاديًا أما المحاولات التركية للتواجد فهى طفيفة».
تقاطع صهيونى - تركى
بينما يؤكد الباحث كرم سعيد أن تقاطع الصهيونى التركى للتواجد فى أفريقيا، ينبع من أهداف سياسية واقتصادية، ويسعى كل منها إلى تحقيق أهدافه بغض النظر عن الآخر، مشيرًا إلى أن أردوغان زار 21 دولة أفريقية بمعدل 24 زيارة منذ اعتلائه منصب الرئاسة فى 2014.

ويوضح «سعيد» أن فشل ثورات الربيع العربى بشكل كبير أدى إلى مزيد من الاتجاه التركى إلى أفريقيا، مضيفًا: «فى البداية كان التركيز على مصر، وقد زار أردوغان - بينما كان رئيسًا للوزراء - القاهرة بعد ثورة يناير، وكان يصور نفسه على أنه النموذج الذى يجب الاقتداء به وكذلك فعل فى تونس، لكن مع خفوت نجم جماعة الإخوان المساندة له، وفشل هذه الثورات لعدة أسباب حولت أنقرة من البوصلة».
رفض إقليمى ودولى
تحويل البوصلة التركية لتتسلط على دول أفريقيا يعود كذلك إلى أن أنقرة باتت منبوذة من الاتحاد الأوروبى الذى يرفض ضمه إليها، مع توتر فى العلاقات مع ألمانيا وغيرها من الدول بسبب النهج الديكتاتورى الذى يتبعه أردوغان، فضلًا عن علاقات غير جيدة مع الولايات المتحدة التى رفضت تسليم عبدالله جولن (الذى يتهم أردوغان بالوقوف وراء محاولات الانقلاب الأخيرة ضده فى يوليو 2016).
ومع الرفض العربى الكبير لتركيا وانحيازها إلى جانب قطر فى الأزمة الخليجية الأخيرة، وجد أردوغان فى القارة السمراء ضالته ليعيد اعتقاد أنه الزعيم أو السلطان أو الحاكم الذى لا يفشل، كذلك ليعيد العلاقات الاقتصادية التى تدهورت، مع انخفاض الحضور التركى فى السوق العربية بعد 2011، بحسب الباحث كرم سعيد الذى يضيف: «ما يؤكد هذا المسعى هو أن أردوغان اصحطب فى زيارته الأخيرة إلى السودان وفدا من من 150 رجل أعمال».


كعكعة أفريقية يتقاسمها العالم!
ووجدت تركيا نفسها تنافس كلا من الولايات المتحدة والصين وروسيا وتل أيبيب على الكعكة الأفريقية، خصوصًا إسرائيل التى ترى فى دول القارة الفقيرة فرصة للتواجد، مع أغراض بعضها استثمارى وأكثرها سياسى هدفه أن تكون دول أفريقيا بيد إسرائيل، خصوصًا دول منابع حوض النيل، وهو مسعى هدفه الأساسى أن تشكل تل أبيب من خلاله ضغطًا على مصر.

القوة الناعمة لتركيا مارستها أيضًا من خلال تسلمها المدراس التابعة لمنظمة «جولن» فى السودان (5 مدراس وسكنين للطلاب)، وأوكلتها إلى وقف «معارف» التابع لوزارة التربية التركية. وقد ساندت السلطات السودانية هذا الاتجاه، حيث حضر تسليم هذه المدارس فى مايو الماضى وزير التعليم فى ولاية الخرطوم فرح مصطفى.

ومنذ محاولة الانقلاب التى يقول نظام أردوغان إنه تعرض لها فى 15 يوليو 2016، كثفت الدولة التركية من تواجدها فى الدول التى نشطت فيها منظمة «جولن» واستولت على هذه المدارس، وقد أنشأت وقفا تعليميا باسم «معارف» بهدف التصدى لـ«التعليمى لمنظمة جولن» التى تصنفها تركيا على أنها «إرهابية».
القاعدة العسكرية فى الصومال
بالخط العريض وضعت تركيا اسم الصومال فى مخططاتها دخل القارة السمراء، إذ أعلن رئيس الوزراء التركى بن على يلدريم فى مايو 2017 اعتزام بلاده فتح قاعدة عسكرية تركية فى الصومال، بحجة «تدريب الجيش الصومالي».

وقال يلدريم فى مؤتمر عن الصومال بلندن رعته الأمم المتحدة وحضره أمينها العام فى منتصف مايو الماضي: «هناك حاجة ملحة الى جيش نظامى فى الصومال من أجل مكافحة الإرهاب».
كما أفصحت أنقرة عن اعتزامها افتتاح مركز «الأناضول للتدريب العسكري» تحت مزاعم مساعدة الجيش الصومالى فى مقديشيو.

الاستثمار.. شعار التواجد فى تنزانيا


وفى تنزانيا يبرز التغلغل التركى تحت شعار «الاستثمار»، إذ تنتشر المنتجات التركية فى هذا البلد الصغير، المحاط بـ 8 دول أفريقية، ولا يوجد فيها منافذ نقلة ذات مستوى عال إلا قليل.
وتستثمر تركيا أموالها فى القطاعين الصناعى والزراعي، وقطاع التعليم والثروات الباطنية فى تنزانيا، وقد زاد هذا التوجه بعد زيارة أردوغان لها فى بداية العام الجارى (2017). وتستغل أنقرة وجود «مركز الاستثمار التنزانى الذى تأسس عام 1997» فى الترويج لمنتجاتها وإقامة مشاريع هناك.

التستر تحت اسم «تيكا»
وفى أوغندا، يبرز الدور التركى تحت مسمى المساعدات الإنسانية، وفى مايو الماضى ومع تكثيف أنقرة مساعيها للتغلغل فى القارة السمراء أرسلت 32 طنا تحت بند «مساعدات لأوغندا لمكافحة الأزمة الغذائية»، وذلك عبر وكالة «تيكا».

وتقول أنقرة إنها تحاول أن تقضى على أزمة غذاء جراء الجفاف وظاهرة النينو. كما ترى أنها تقدم حاجة مهمة إلى البلد الذى يضم أكثر من مليون لاجئ معظمهم من دولة جنوب السودان.

وتنشط وكالة «تيكا» فى أوغندا منذ 2008 فى مجالات عديدة مثل التعليم والزراعة والصحة؛ لكن هذا النشاط أخذ منحى أكثر بروزًا منذ 2013، حيث وصل طلاب من أوغندا إلى تركيا للتعلم وفق نظام المنح. وفى المجمل، يعانى قرابة 10.9 مليون شخص نقص الغذاء فى أوغندا.

أما السنغال، فتحت شعار المدراس تتواجد أنقرة، حيث فى مايو الماضى جرى تسليم إدارة 12 مدرسة تابعة لمنظمة «جولن» لصالح «معارف» التابعة لوزارة التربية التركية. وتلقى قرابة 3 آلاف طالب تعليمهم فى هذه المدارس المذكورة المنتشرة بعدد من المحافظات فى السنغال.
السودان.. مرة أخرى
ومهدت تركيا للتواجد فى السودان منذ مايو، حيث جرت جولة ثالثة لمفاوضات الشراكة الاقتصادية بين السودان وأنقرة، وتم وقتها التوقيع بين مسئولين سودانيين وفاتح متين نائب وزير الاقتصاد والتجارة التركى على اتفاقية الشراكة التجارية بين السودان وتركيا.
ووقع السودان وتركيا، على مواد الاتفاقية بالأحرف الأولى، وشملت 26 مادة فى مختلف القضايا الاقتصادية لتعزيز الشراكة بين البلدين. وتشمل هذه الاتفاقيات بدء استيراد أنقرة الثروة الحيوانية من السودان.



الذهب يسحر الأتراك!
ولمع المعدن النفيس الذى تمتلكه السودان فى أعين الأتراك، إذ أكدت أنقرة أنها ستحاول الحصول على أصناف المعادن الموجودة فى السودان، وهى أكثر من 30 صنفًا من المعادن، أهمها الذهب، الذى يعد مصدرًا رئيسًا للعملة الصعبة فى البلاد، إضافة لتوفر مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية والثروة الحيوانية التى تقدر بـ 104 ملايين رأس من الماشية.

وعمومًا، فقد قام أردوغان بزيارة 21 بلدا أفريقيا خلال 3 سنوات؛ وربما سيفكر كثيرًا فى تكرار الزيارة مرة أخرى مع الغضب الشعبى الذى لاقاه من سودانيين وتونسيين يرفضون دورا تركيا فى بلادهم.