الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

ننشر كلمة رئيس اتحاد الناشرين العرب في احتفالية مكاوي سعيد

الناشر محمد رشاد،
الناشر محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنشر "البوابة نيوز" كلمة الناشر محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، ورئيس الدار المصرية اللبنانية، والتي يُلقيها مساء اليوم الخميس، في الاحتفالية المقامة بعنوان "أن تحب مكاوي سعيد" في المجلس الأعلى للثقافة، بحضور العديد من أصدقاء وتلاميذ الراحل الكبير.
وجاء نص الكلمة:
"مكاوي سعيد.. الراحل العظيم
لقد آلمنا جميعًا رحيل الكاتب الكبير مكاوي سعيد.. فقد مرَّ أمامنا شريط من الذكريات منذ بدء علاقتنا معه كروائي متميز في الساحة الأدبية.. حين قدّم لنا الأستاذ مكاوي -رحمه الله- أول عمل.. كان قلقًا من ذكرى موقف قديم، مخافة أن يؤثر ذلك على قبولنا لعمله.. ولأنني أعرف جيدًا قيمة الأستاذ مكاوي كروائي مبدع ذي مكانة متفردة ، ولأنني أيضًا أجيد الفصل بين ما يحتمه عليّ موقعي كرئيس لاتحاد الناشرين المصريين - آنذاك - من وجوب عدم قبول أي ناشر في معرض القاهرة الدولي للكتاب ما لم يكن مسجلًا في اتحاد الناشرين المصريين طبقًا للقانون- وبين موقعي كرئيس مجلس إدارة الدار المصرية اللبنانية، يعرف قدر المبدعين والمفكرين، أمثال مكاوي سعيد.. كان قدوم كاتب كبير مثله إلينا وإبداء رغبته في أن تنشر الدار إصداراته رسالة أشعرتنا بالاطمئنان والامتنان.. وللحق، فإنني لم أكن أتذكر هذا الموقف إلا عندما عرفت توجس الراحل مكاوي سعيد من احتمال تأثير هذا الموقف على تعاملي معه..
هذه اللقطة كاشفة -إلى أبعد الحدود -عن التيمة الأساسية الحاكمة لشخصية مكاوي سعيد، والتي تتمثل في رهافة الحس والاعتداد الرفيع المستوى والثقة الهادئة الواثقة والبعد الإنساني العميق.. والتي أراها كلها لازمة من لزومياته التي اتسم بها، وخلقت له مع أسرة الدار المصرية اللبنانية -بكل العاملين فيها- تلك العلاقة الآسرة، سواء في متابعة أعماله أو في إشرافه على ورشة "كتابة القصة" التي قادها بجدارة واستحقاق، كفلا لها هذا النجاح الكبير على جميع الأصعدة الأدبية..
لقد كانت تجربة الإشراف على هذه الورشة من أروع التجارب التي مرت على كاتبنا الكبير. لقد استمتع بالتدريس فيها والقراءة الجماعية لبعض الأعمال الأدبية العربية والعالمية، وتحليلها وطرح الأفكار حولها، ثم النقاش الجماعي في كل جزئياتها؛ وما كان يكتشفه هذا الروائي الفذ من أبعاد جديدة، وكان هذا يُشعره بمدى الاستفادة على مستواه الشخصي، وينعكس بالتالي على الدارسين، إلى درجة جعلته يصف نتاج هذه الورشة بأنه كان من الجودة بحيث يثير من الدهشة والفخر معًا ما يؤهله في المستقبل إلى أن يصبح عملًا مبدعًا سيقف عنده النقاد بالفحص والدرس.
لقد كان يردد أن من أكبر دوافعه لقبول التدريس في هذه الورش، أنه كان دائم التذكر في بداياته الأدبية الصعوبات التي واجهها، والتي كان من أهمها عدم قدرته على الوصول إلى ناقد أدبي أو أحد الكتّاب المعروفين، كي يقرأ بعض النماذج التي كتبها في شبابه الباكر، ليضع هذا الناقد أو الكاتب أصابعه على أخطائه، مرشدًا إياه إلى أفضل الطرق لتصحيحها، ويُعدّل من قراءاته المشتتة إلى قراءة ممنهجة تختصر الطريق، خاصة أنه على أيامه لم تكن قد اكتشفت بعد وسائل الاتصالات السريعة أو شبكة الإنترنت، فضلًا عن أن الصحف التي تنشر إبداعًا كانت تُعدّ – حينئذٍ- محدودة جدًّا، وبالتالي كانت مخصصة للكبار.
كذلك فإن من المصاعب التي صادفها مكاوي سعيد في بداياته كانت فيما تمثله مشكلات النشر آنذاك، ذلك أن الناشر في الأغلب يسير بخطوات بطيئة روتينية تأخذ بنظام الدور.. والدور معناه أنه سيتم اختيار عملك المرشح- لو حالفك الحظ- بعد 4 سنوات على الأقل.
لذا كان يشعر بالإشفاق على الأجيال الجديدة الصاعدة، ويحاول قدر الإمكان مدّ يد العون إليهم، ولذلك صار يقبل الإشراف على هذه الورش الجادة ويتولى التدريس فيها.
ويوضح الأستاذ مكاوي سعيد عددًا من الأشياء الملتبسة، حول التدريب في ورش الكتابة لدى بعض الكتّاب والصحافيين:
•ورش الكتابة لا تصنع كاتبًا، وإنما تصحح وتطور أدواته فقط، فلا يمكن تدريب شخص على الكتابة، 
لو لم يكن يملك الموهبة، فضلًا عن أن حجم موهبته هو الذي يحدد تقدمه في الورشة، لأن الفترات الزمنية المحددة للورش عادة ليست كبيرة. لذا، فإن نماذج الاختيار في مرحلة ما قبل القبول في الورشة مهمة جدًّا، لأنها تبين اهتمام الدارس، ومدى حبه للإبداع، ومدى قابليته لتطوير أدواته.
•إن مهمة المدرس أو المدرب يجب أن تتركز في ضرورة نقل خبراته الإبداعية، وإرشاد الطلبة، حتى يتخلص الطالب من أسر تجربة محددة، وينطلق إلى عالم أرحب قد تبزغ فيه موهبته بشكل أوضح، وكذلك تحديد الأخطاء الشائعة عند كل طالب كي يتلافى وجودها في إنتاجه.
وجدير بالذكر أن نلقي بالضوء على آخر أعمال الراحل الكبير، وكان بعنوان: القاهرة وما فيها (حكايات-أمكنة-أزمنة-تواريخ-تواثيق-طرائف فنية وسياسية ونوادر).
وقد تساءل الأستاذ مكاوي بداية في مقدمته: لماذا القاهرة؟ .. خاصة أن آلاف الدراسات من مصريين وأجانب في عصرنا الحديث قد تناولتها. وتبع التساؤل عدد من التساؤلات: 
هل لأنها أكبر مدينة عربية من حيث المساحة وعدد السكان؟!.. هل لأنها من أكثر المدن تنوعًا ثقافيّا وحضاريّا حيث مرت بالعديد من الحقب التاريخية ولا يزال باقيًا بها آثار شتى من معالم العالم القديم والحديث، أم لأنها عاصمة الوطن العربي كما يقول البعض، أو لأنها عاصمة مصر أم الدنيا؟!
وفي بساطة وعفوية يجيب الكاتب الكبير: "أنا أحب القاهرة، لأني ولدت في عاصمتها الفخرية (منطقة وسط البلد) التي عشت أماكنها وتاريخها وأرواح ساكنيها الراحلين التي تجوب طرقها وأسبلتها كل ليلة، والمقيمون فيها الذين يتجولون ويتجادلون ويضيفون إليها أو ينتقصوا منها".
ويذكر الراحل الكريم بأنه سمّى هذا الكتاب بهذا العنوان: " امتنانًا لهذه البقعة المباركة التي عشنا فيها وتنسمنا نسيمها وارتوينا من عشقها وعاصرنا تحولاتها وتأسينا على ما يجري لها".
يبين المؤلف بأن هذا الكتاب لا يتناول أحداثًا تاريخية ولا حوادث سارة أو مفجعة بذاتها، إنما هو يجري كمياه المطر المنهمر، بما يحويه من مقالات وتدوينات الكتب والأخبار، وما كتبه الأجانب والمصريين والمتمصرين عن القاهرة في عهد الفاطميين وعن القاهرة الخديوية وعن السلاطين والملوك فيما قبل ثورة يوليو 1952م، وفيما حدث بعدها وصولًا إلى عصرنا الحال.