الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل الإخوان جماعة إرهابية؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 تصاعدت وتيرة العنف الدموي والتدمير الهمجي الذي تمارسه جماعة الإخوان وحلفاؤها من الجماعات التكفيرية والتخريبية في الأسابيع الأخيرة!.

فالدم والخراب يغرقان وجه مصر، من أطراف سيناء حتى عمق العاصمة، مروراً بالمحافظات القاصية والدانية، ولم تفلت منطقة من نيران الإرهاب أو ترويعه للمواطنين في الشوارع والمساكن وفي مواقع العمل وأسواق كسب الرزق، وفي وسائط التنقل ومنشآت إدارة شؤون الحكم، وكذلك في مراكز تلقّي العلم ودور العبادة!.

ولم يسلم من أذى هذه العمليات المخرّبة لا المواطنون الأبرياء ولا رجال الأمن ومسؤولو الدولة، ولا المواقع والمؤسسات السيادية والعسكرية، أو حتى الجامعات التي أضرم فيها طلاّب الإخوان وتابعوها النار، وبالذات في جامعة "الأزهر" التى عُرفت بأنها قاعدة الاعتدال والوسطية، والدعوة إلى دين الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا بطلابها - "من الجنسين" من أعضاء "الجماعة" - يُظهرون أسوأ ما بهم وبها، فيحطمون مكاتب جامعة "الأزهر" التليدة، ويدمرون أدوات العمل بها ويخربون مبانيها وتجهيزاتها، ويقطعون الطرق والكباري من حولها، ويحرقون السيارات العامة والخاصة الموجودة في محيطها، ويستخدمون السلاح و"المولوتوف" في أرجائها، ويعتدون على الأساتذة والموظفين والعاملين فيها، بل وعلى رموز وقامات الأزهر من العلماء الأجلّاء الذين طالما جلجلت أصواتهم بقولة الحق في أجوائها، على نحو ما نتابعه جميعاً بحزنٍ غامر، ويدمى منا القلوب والضمائر، كما أنهم لا يتورعون عن ذبح حتى المواطنين العاديين والتنكيل بجثثهم، لمجرد أن حظهم العاثر قادهم إلى طريق واحدة من تجمعاتهم الإجرامية، أو لأن فرداً من أبناء الشعب أذاع أغنية تمجّد الجيش المصري أو علق صورة على حائط محلّه لرمز من رموزه!.

وفي ظل هذا المناخ الخطير الذي يضرب في عمق مصر ويمزق كيان الدولة ويقوِّض استقرارها، ويشل قدرة الحكم على الفعل ويُعجزه عن العمل لانتشال البلاد من الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتدهورة، يطلع علينا السيد رئيس مجلس الوزراء بتصريحات بالغة الغرابة، يعلن عبرها - وصراحة - أنه "لا يعتبر جماعة الإخوان جماعة إرهابية"!، وفي حوار مباشر مع سيادته بعد هذا التصريح المذهل في غرابته - يوم 26 نوفمبر الماضي - أعاده مكرِّراً: "انا لو قلت إن جماعة الإخوان جماعة إرهابية وأنا جهة إدارية، فمحكمة القضاء الإداري ستلغي هذا القرار"!.

وقد كان مدهشاً - لي على الأقل - أن أسمع من رئيس مجلس وزراء مصر في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الوطن، هذا التبرير الذي يعكس أنه يعتبر نفسه مجرّد "جهة إدارية"!، "أي لا يحق لها العمل بالسياسة"!، وهي غير مفوّضة بحسم طبيعة هذا العدو الغادر الذي يتآمر على أمن الوطن، ويواجه السلطة والمجتمع ويخرق القانون والنظام، ويعلن يومياً - بلا مواربة، وبكل السبل - أنه يسعى لتدمير الاستقرار وهدم الحكم، والانتقام من الجيش والشرطة، ومعاقبة الشعب على ثورته يوم 30 يونيو، عقاب المارقين الكفرة!، والمفجع أن يتصور المرء، والحال على ما نعرفه، أن الدكتور الببلاوي يرى في نفسه مجرد رئيس مجلس إدارة بنك أو شركة مثلاٌ، لا قائداً لدولة في حالة حرب ستحدد نتائجها مصير ومستقبل الوطن كله، وأنه لا يملك وصم "الإخوان" بأنها "جماعة إرهابية" مع كل ما تسببه من خراب وترويع، رغم أنه رئيس لحكومة تخوض معارك مفتوحة ومعلنة وطاحنة ضد الإرهاب، طلبت حكومته ذاتها - من الشعب على إثرها - تفويضاً صريحاً بمواجهته، فخرج بالملايين لمنحها إياه، من أجل قطع دابر هذا العدو المتوحّش الغادر، والقضاء المبرم على منظماته وعصاباته، وفي المقدمة منها جماعة "الإخوان"!.

ويُعَرِّف الخبراء "الإرهاب" باعتباره: "نمط من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي"، [مختار شعيب، الإرهاب، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 2008، ص:17]، ويتجسد فعل الإرهاب حينما تتبنّى جماعات أسلوب العنف لفرض رأيها، ولإجبار المجتمع على الخضوع لشروطها والانصياع لمطالبها والقبول بأهدافها، حتى لو كانت هذه المطالب وتلك الأهداف تتناقض موضوعياً مع رغبات المجتمع ومصالح الدولة والوطن!.

ويُعرِّف البروفيسور الإنجليزى "ويلكنسون" الإرهاب بأنه: "استخدام السلاح أو المتفجرات أو العنف، لتهديد أرواح الأبرياء، وتخويف الأغلبية وبثّ الرعب في قلوبهم، وإن كان الإرهابي يتذرّع بحجج دينية أو اجتماعية أو سياسية غير حقيقية ولا مبرر لها!"، [ المصدر السابق، ص:25].

إن الإرهاب - بشكل محدد - "هو استعمال العنف بأي شكل من أشكاله المادية، للتأثير على الأفراد والمجموعات أو الحكومات، وخلق مناخ من الاضطراب وعدم الأمن، بغية تحقيق هدف معين"، [ المصدر نفسه]، وهذا التعريف ينطبق بحذافيره على جماعة "الإخوان"، ويمكن رصد مئات الأدلة التي تؤكد انطباقه الكلى على فعل وممارسات الجماعة، وتصريحات قادتها ومسؤوليها، حتى وهم داخل السجن، وكذلك تصريحات أعضاء ما يُسمّى بـ "التنظيم العالمي للإخوان المسلمين"، الذي يتعامل في الخارج مع مخابرات دول وجهات معادية، ويُحرِّض علناً على قلب نظام الحكم في البلاد، ويتآمرعلى استقرارها، ويدعو لهدم مؤسساتها عياناً بياناً، فإذا لم يكن ما تفعله جماعة "الإخوان" في جوانب مصر الآن إرهاباً، فبماذا نصفه؟!، وما هو الإرهاب إذن في هذه الحالة؟!.

 فإذا أرادت البلاد استقراراً فعلياً ينقذ الوطن وينجو بمستقبل أجياله من التردِّي والخراب، فالطريق الوحيد هو تجريم الانتماء إلى جماعة "الإخوان" باعتبارها منظمة إرهابية، واستخدام كل أساليب الحسم لوقف عدوانها المستمر على الشعب، والكف عن تدليلها والتغاضي عن جرائمها وجرائم المنتسبين لها، والضرب بيد من حديد على إرهابييها.

بيد أن هذا الأمر اللازم - لزوم الحياة ذاتها - لإنقاذ الوطن من الاندفاع إلى هاوية بغير قرار، إنما يتطلب إرادة سياسية حازمة، وإدارة حركية جازمة، تضع طاقات المجتمع كلها لخدمة هدف نبيل محدد، هو حماية مصر مما يرُاد لها من أعدائها، إذ لا يكفي لإنجازه ما نراه الآن من الاتكال على مواجهة الشرطة والجيش وحدهما للإرهاب، فيما باقي أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع في وادٍ آخر، يتفرّجون على المعركة وكأن وقائعها تدور في بلد بعيد!.

وبكلمة واحدة، فإن المعركة ضد الإرهاب أخطر وأشقّ من المعارك ضد المحتل الأجنبي، الواضح السمات، المحدد الأغراض، وهي معركة ممتدة ستستغرق سنوات، البعد الأمني أحد أبعادها، لكن لها أبعاداً أخرى: ثقافية وتعليمية وإعلامية ودينية وسياسية وإعلامية... إلخ، لا يمكن تحقيق النصر إلا بتوافرها، ويحتاج كسب هذه الحرب المصيرية إلى تفعيل سريع لكل القوى الكامنة في المجتمع، وتحريك حقيقي لكل الطاقات الشعبية الهائلة، والتي برزت سطوتها في 25 يناير، 30 يونيو، و26 يوليو، وإلى اجتماع كلمة الشعب والجيش والشرطة في إرادة صلبة لا تُقهر، وأولاً واخيراً إلى حسم تردد الدولة في اعتبار جماعة "الإخوان" هي أسّ الإرهاب ورأس الخراب، الذي يعيث في أرض مصر فساداً وتدميراً، والتعامل ـ على كل المستويات ـ معها على هذا الأساس، حتى نأمن شرها ونحتمي من سُمِّها، ونتخلص من ويلاتها، ونحقق لبلادنا الفوز المبين.