الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عبدالحكيم عامر.. نصف قرن على رحيله!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوم 18 سبتمبر 1967 أعلن رسميًا عن انتحار المشير عبدالحكيم عامر الرجل القوي في مصر عسكريًا وسياسيًا.. وقد مرت منذ أيام ذكرى رحيله الخمسين في هدوء أو إشارة إلى هذه المناسبة، وكان رحيل عبدالحكيم عامر نقطة تحول في تاريخ مصر العسكري والسياسي، وما زال هذا الحدث يتأرجح بين أسباب الوفاة وتشخصيه وتصنيفه جنائيًا فهناك من يعتمد على شهادة الطب الشرعي وتقرير وزير العدل عصام حسونة، والجانب الآخر ما زال يعتقد أن الرحيل تم بفعل فاعل.. وبعيدًا عن الدخول في مثل هذه التفاصيل التي تتصل برحيل قائد عسكري هزم في معركة وتعكس أخطاء حساباته، وتبانت وجهات النظر عن الدور الملقى على عاتق القرار السياسي والاستراتيجي والبحث ما زال قائمًا في مراكز البحوث العسكرية حول الأسباب الحقيقية لهزيمة يونيو سواء في الداخل أو الخارج.. بل أن هناك لجنة شكلها مجلس الشعب برئاسة الوزير اللامع العسكري الجذور حمدي عاشور المحافظ الأسطوري لدمياط والإسكندرية والقاهرة والنائب وأصدرت اللجنة تقريرها حول أسباب الهزيمة لكن هذا التقرير لم يظهر للنور حتى الآن!.
المهم أن عبدالحكيم عامر هو الشخصية التي أضافت لها الميديا كل النقائص والقصور والجهل والعتب بمقدرات الجيش، ووصلت هذه الحملة إلى درجة تلطيخ سمعته الشخصية واستولت واقعة حول لحظة ضعف إنساني حين تزوج من فنانة الإغراء برلنتي عبدالحميد زواجًا عرفيًا وأنجب منها ابنه الدكتور عمرو واستأجر لها شقة في نفس العمارة التي يقيم فيها كاتبنا الكبير نجيب محفوظ "نوبل" بجوار مستشفى الشرطة.. ولا أتصور أن أجهزة المخابرات والمباحث العامة قد أخفت هذا الخبر عن الرئيس جمال عبدالناصر، ووصل التشنيع بالمشير عامر لدرجة أنهم ربطوا لغويًا بين اسم القرية التي ينتسب إليها بمحافظة المنيا واسمها (اسطال) وبين وصف "المساطيل" وذكروا أنه لم يقرأ كتابًا في حياته، ووصل الأمر إلى إطلاق نكتة تترجم جهل عبدالحكيم عامر بما يدور حوله، وتقول إن كبار الضباط السوريين التقوا بالمشير، وقالوا له نحن عائدون على الفور من عند لواء الأسكندرونة، مما كان من عبدالحكيم عامر أن يسأل بسذاجة.. هو اللواء ده دفعة مين فيكم؟!
لكن الأمر لا يمكن بعد مرور خمسين عامًا على رحيله أن نكتفي بأن نهيل عليه التراب ونلقي بذكراه في صندوق القمامة.
عبدالحكيم عامر شئنا أو لم نشأ جزء مهم ومفصلي في تاريخ مصر العسكري والسياسي فقد كان يمكن أن يكون رئيسًا لمصر بكل الحسابات العقلانية لكن القدر لعب دورًا رئيسيًا في ارتباك تلك الحسابات.
إذا تحدثنا عن عبدالحكيم عامر الإنسان فهو من مواليد محافظة المنيا عروس الصعيد وهي تتميز بأنها محافظة (العائلات) وعلى سبيل المثال هناك أسر حيدر باشا والتي ينتمي إليها المشير عامر وهناك عائلات شهيرة منها عائلة لملوم والعرى الذين صاهروا الملك إدريس السنوسي ملك ليبيا وأسر الدكروري الذي ينتسب إليهم المستشار يحيى دكروري النائب الأول لرئيس مجلس الدولة وعائلات التوني فمنهم أحمد الدمرداش التوني وهو والد هارون التوني رئيس نادي الشمس وعائلات الشريعي واليمين إسماعيل والتلاوي والجارحي ويوسف مكاوي والعمدة السنوسي والصدقي وأسرة الصديق في مصر وأسرة الدكتور فاروق الميري النائب الأسبق.
هذا نموذج يعكس أن الروح العائلية لها خصوصية في التكوين والتعامل، ونشأ عبدالحكيم عامر في أسرة تتسم بالانضباط العسكري وتوارثتها الأجيال فإن هذه الأسرة منها ثلاث شخصيات تولت منصب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية وهم محمد حيدر باشا والوزير إسماعيل شيرين آخر وزراء الحربية قبل ثورة يوليو التي أطاحت بالحكم وهو زوج شقيقة الإمبراطورة فوزية فهو الزوج الثاني لها بعد زواجها الأول غير الموفق من الشاة محمد رضا بهلوي وثالث هذه الشخصيات كان عبدالحكيم عامر، وهي عائلة خرج منها اللواء فاروق الحسيني النائب الأسبق لوزير الداخلية وأنجبت سلالة منها المهندس حسن عامر رئيس مؤسسة البترول والحراريات والنقل البحري ومنهم محافظ البنك المركزي الحالي طارق عامر وهي تمت بمصاهرة مع الرئيس جمال عبدالناصر؛ حيث إن شقيقه الأصغر الطيار حسين عبدالناصر هو زوج كبرى كريمات المشير عامر السيدة أمال عبدالحكيم عامر.. وهو يعني أن عامر لم يكن بعيدًا عن القيادة العامة حتى عندما تولى اللواء محمد نجيب الحكم كان عبدالحكيم عامر هو مدير مكتب القائد العام وأن ترقيته من رتبة الصاغ إلى رتبة اللواء وتعيينه وزيرًا للحربية وقائدًا عامًا للقوات المسلحة بعد أن سبقه لهذا المنصب عبداللطيف بغدادي قائد الجناح ثم تبعه البكباشي حسين الشافعي وهو من سلاح الفرسان المدرسعات حاليًا.. لكن اختياره ليس أكثر من إجراء تنظيمي يعني مرحلة جديدة وازاحة الدفعات التي تسبقه لكن تم الاحتفاظ بعدد من القادة العظام وهم الفريق محمد إبراهيم المعروف بصراحته ليكون رئيسًا لهيئة الأركان وتبعه الفريق علي علي عامر بعد حرب 1956 حيث كان الفريق عامر.. فهو شيخ عرب وأرستقراطي النشأة لكن اتهامه بالجهل والضحالة في التفكير فلا يوجد عندي أكثر من شهادة مختصرة فهي تتعلق بقضية لم تحسم حتى الآن وهي علاقة المثقف بالثورة فقد أحيط برجل الثورة المثقف الخطأ بالمفهوم الخطأ وتناوب على ثورة يوليو مدارس مختلف فكرية وثقافية وصحفية ومنهجية أثق في شهادة رجل يتميز بالنزاهة والتجرد وهو أستاذ الفكر العملاق أحمد بهاء الدين الذي قال شهادة حق أنقل وجيز لها حيث قال أنه بناء على تكليفات من الرئيس جمال عبدالناصر اتصل بي السيد كمال الدين حسين واستدعاني وكان معي إحسان عبدالقدوس وكمال الحناوي ونقل إلينا اعتذار القيادة السياسية فطلب التعرف على أفكارنا العامة نحو الوطن أي مجرد استدعاء للأفكار أكثر منه أعطاء الرأي.
ثم جرى اتصال آخر معي في نفس الوقت لكي التقي مع عبدالحكيم عامر للمرة الأولى وطلبني عبدالحكيم عامر في بيته وهناك وجدت عددًا كبيرًا من الناس أذكر منهم شقيقه حسن عامر والسيد عباس رضوان والسيد كمال الدين رفعت والتقى معه مرة أخرى ودارت مناقشات طوال الليل حول الميثاق والفلسفة الاجتماعية للنظام ورغم معارضة الأستاذ أحمد بهاء الدين للنص على نسبة الـ50% عمال وفلاحن إلا أن عبدالحكيم ابن الأسرة الاستقراطية كان أكثر المتحمسين لإقرارها!.
أنا مع كل من أسند إلى عبدالحكيم عامر كل النقائص العسكرية والفكرية.. ولكن أريد تفسيرًا لحوارته المطولة مع المفكر العميق أحمد بهاء الدين.. هل كان من باب الترف؟!.. وعسكريًا ما هو رد الذين اتهموه بالفشل والجهل.. أن نجوم الحرب العالمية الثانية السوفيت منحوا عبدالحكيم عامر أول أجنبي درجة بطل الاتحاد السوفيتي؟!
ولا أرى أن أخوض في تفاصيل كثيرة حول عبدالحكيم عامر لكن هزيمة يونيو فيما اعتقد لم يتم تحليل عناصرها بعد عسكريًا وإستراتيجيًا صحيح أننا استفدنا من درس النكسة أو الهزيمة في تحقيق نصر 1973 لكن الذي لا خلاف عليه.. أن عبدالحكيم عامر هو مؤسس المدرسة العسكرية الحديثة وأن مصر بعد لديها رصيد هائل من القاة العظام لذلك فأنني أطالب أن نعيد قرأة أوراق التاريخ بصورة أكثر إنصاف.. ليس لنا ولكن للأجيال التي ستأتي بعدنا!.