الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اختبار جديد للدبلوماسية المصرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أواخر سنوات حكم الرئيس الأسبق"حسنى مبارك" تراجع دور وحركة مؤسسات صناعة السياسة الخارجية المصرية، وفى مقدمتها وزارة الخارجية، وران عليها الخمود والجمود، وانحصرت علاقات مصر فى دائرة ضيقة مركزها الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل ومن يحوز رضاهم، وبدا أن الأمر قد تأبد على هذا النحو، وأهملت دوائر على درجة بالغة من الحيوية والضرورة، فيما يتعلق بالمصالح الوطنية والقومية العليا لمصر، مثل الدائرة العربية بما تمثله من عمق حضارى ومصالح متبادلة، والدائرة الإفريقية، بما تمثله من عمق حضارى كذلك، فضلًا عن التشارك فى شريان حياتنا: نهر النيل، بما يمثله من ضرورة وجود لمصر والمصريين.
وبلغ من ضيق أفق السياسة الخارجية المصرية، آنذاك، أنها، تأثراً بالركود والشيخوخة التى عانت منها مؤسسات الدولة، أن أهملت شئون القارة الإفريقية، على ماتمثله من قيمة وضرورة، فتدنى التمثيل الدبلوماسى فى احتفالات واجتماعات ومؤتمرات دول القارة إلى أدنى حد، وخاصة بعد محاولة اغتيال مبارك فى "أديس أبابا"، حيث "خاصمت" الرئاسة معظم دول القارة السمراء، وقاطعتها، وتعالت عليها وعلى قادتها!.
واستشعرت الدول الأفريقية هذا الإهمال لشئونها وشجونها، مما أثار حفيظتها، خاصةً وهى تقارن هذا الوضع بما حازته من رعاية طوال الحقبة الناصرية، التى أحاطت هذه العلاقات بالدفء، وأولتها اهتماما فائقاً، وفتحت قلب مصر وأبوابها لاحتضان حركات التحررالأفريقية، معرضةً نفسها لغضبة الدول الاستعمارية، ومحاولاتها الانتقامية العقابية، وما زلت أذكر تصريحًا لوزير خارجية كينيا، منذ نحو خمس سنوات، يقول فيه، بمرارة، أن" المصريين أصبحوا يتعاملون معنا كما لوكنا مجموعة من القردة تتقافز على الأشجار فى إحدى الغابات"!.
وبعد ثورة يناير 2011، رغم الآمال الكبيرة والوعود المُحلقة، التى داعبت أحلام المصريين، استمر التراجع فى الاهتمام بالشئون الخارجية، حيث امتص الاهتمام بالملف الداخلى جل انتباه النخبة السياسية، فى النظام والمعارضة، وبين قطاعات الرأى العام وأجهزة الإعلام، وفى المؤسسات الرسمية للدولة.
غير أن التردى فى أحوال السياسة الخارجية المصرية، لم يصل، على مدار التاريخ المعاصر للدبلوماسية المصرية العريقة، بتقاليدها وتراكم خبراتها، كما وصل خلال عام حكم الرئيس المعزول "محمد مرسى"، حيث ساد الجهل والخرافة، والتخبط والعشوائية، والمزاجية والمصلحة الأنانية للجماعة، واستُبدلت الكفاءات التاريخية لوزارة الخارجية، بـ"الإخوة"، (من عينة آل الحداد ... الأب وبنيه!)، واقتصر"عالم الجماعة" على "الأهل والعشيرة"، فى الولايات المتحدة وتركيا وقطر وحماس والسودان، وكان ذروة مشاهد هذه المرحلة البائسة من تاريخ مصر، هو الاجتماع / الفضيحة، الذى بث للعالم أجمع هراء مجموعة من الأميين السياسيين، الذين راحوا فى رعونة تثير الغضب والرثاء، يخططون ـ على الملأ ـ لغزو دولة "إثيوبيا"!، وتدمير"سد النهضة"!، على نحو ما شاهده الجميع وأصبح "مسخرةً" للقاصى والدانى، إضافةً لما ترتب عليه من تدهور جديد فى العلاقة مع دولة مهمة للغاية لنا، لا ينبغى بأى حال إهمال شأنها، او التراخى فى توثيق العلاقات بها!.
أسوق هذه المقدمة الطويلة، لافتاً الأنظار إلى ضرورة إحياء الوجود النشط للدبلوماسية المصرية فى الخارج، التى كان الجميع يلمسون غيابها عن التأثير، وتركها الساحة للإخوان يعيثون فيها تشويشًا وتشويهًا، لثورة الشعب المصرى، ولدور الجيش فى الاستجابة للإرادة الشعبية، يوم 30 يونيو وما تلاه من أحداث.
ومناسبة هذا الحديث هو ما أعترف به مؤخرا رئيس الكنيست السابق، "أفراهام بورج"، فى "مؤتمر إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل"، الذى عُقد بمدينة "حيفا"، يوم الخامس من شهر ديسمبر الجاري، حيث أعلن أن "إسرائيل تمتلك السلاح النووى والكيماوى، وأن الواجب يقتضى مناقشة ذلك فى حوار مفتوح وشجاع مع الجماهير!".
وطالب "بورج" "إسرائيل" بـ"الكف عن انتهاج سياسة "الغموض" (النووى)، [ التى اتبعتها طوال العقود الماضية، وفحواها عدم الاعتراف بامتلاك الدولة الصهيونية للسلاح النووى، حتى لا تتحمل تبعات ذلك محليا ودوليا، مع عدم التصريح بإنكار هذا الأمر، فى نفس الوقت، حتى تظل الدول العربية والعدوة مرتابة فى امتلاكها للقنبلة، واضعة ذلك، دوما، فى الحسبان!].
واعتبر "بورج" سياسة "الغموض النووى": "سياسة قديمة وطفولية، والمسألة ليست أكثر من احتكار إسرائيلى ومنع الآخرين من امتلاك السلاح النووى، فالواقع الجديد، يستلزم اختيارًا حاسمًا، فإما أن يكون السلاح النووى للجميع، أو منطقة خالية من السلاح النووى!"(جريدة"المصرى اليوم، 7 ديسمبر 2013).
ويقتضى الحال استجابة دبلوماسية مصرية سريعة ومؤثرة، استغلالًا لهذا الاعتراف الخطير، فإصرار "إسرائيل"على الاستحواذ المنفرد على "أسلحة الدمار الشامل"، بكل مشتملاتها (الرؤوس النووية، ووسائط الحماية، ووسائل التوصيل [طائرات، وصواريخ]، وأدوات التفجير.... إلخ)، يهدد مصر وأمنها تهديدًا مباشرًا، ويهدد الدول المحيطة، والأمن الدولى أيضًا!.
ومن حقنا، وواجبنا، وفورًا، المطالبة باجتماع عاجل لـمؤسسات الأمم المتحدة المختصة، وعلى رأسها "الهيئة الدولية للطاقة النووية"، من أجل بحث هذا الأمر، واتخاذ اللازم، فضلاً عن ضرورة التحرك للاتصال بدول المنطقة، والدول الصديقة فى العالم أجمع، للتعاون فى طرح هذه القضية، ومن أجل الدفع لاتخاذ إجراءات عملية، تستهدف إخضاع المؤسسات النووية الإسرائيلية للقانون الدولى، والرقابة المنظمة، إسوة بباقى دول العالم، ولعلنا لم ننس بعد، كيف دمرت الولايات المتحدة والغرب دولة العراق العربية، ومزّقت أوصاله، بزعم كاذب ثبت اختلاقه، أنها تمتلك "أسلحة للدمار شامل"!.
هذه القضية اختبار جديد للدبلوماسية المصرية، أرجو أن تنجح فيه هذه المرّة!.