الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الطبيب العاشق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فرق كبير بين طبيب يعشق مهنته، وآخر يزاولها، وبين طبيب مهموم بالداء والدواء، وآخر داؤه ودواؤه جمع المال، وبين طبيب يتاجر مع الله، وآخر يتاجر بأعضاء مرضاه. وفرق بين مستشفى حكومي جعل من العمل رسالة، وآخر جعل من طرقاته وأفنيته مخازن للقمامة، وبين مستشفى يراعى الله فى مرضاه، وآخر تحول إلى استراحة للأطباء ووكر لتجارة الأعضاء. 
عشاق المهنة والمتاجرون مع الله والمهمومون بالداء والدواء، رأيتهم فى هذه المستشفيات الحكومية التابعة لجامعة المنصورة، رأيت العالم الكبير الذى جعل من مركز الكلى قبلة للمرضى وراغبى التعلم من أنحاء العالم، منظومة صاغها العالم الدكتور محمد غنيم منذ عشرات السنين، وسار على نهجه من أتوا بعده، حتى الأبنية المنسقة، كما الورود فى مساحات الفراغ، كما الحدائق التى تستقبلك عند الدخول وتودعك عند الخروج، وما بين الدخول والخروج رحلة مليئة بالتفاصيل التى تبهرك، أطباء وهبوا أنفسهم للعمل، وممرضون مهمتهم التخفيف عن المرضي، وعمال يهرولون بعيدًا إذا فكرت فى وضع يدك فى جيبك. رأيت الدكتور أحمد شقير المدير السابق للمركز، رجل لم يتقاض جنيهًا واحدًا من مريض طوال حياته، ولم يفكر يومًا فى تأسيس عيادة، تعامله مع المرضى قاصر على المستشفي، يتعامل معهم برومانسية الشاعر، ومع المرض بعقلية العالم، غيره يتربحون الملايين فى الأسبوع الواحد، لكنه قابع فى مستشفاه، قانع بما يتقاضاه، رحيم بمرضاه، أبحاثه تجوب العالم، وتواضعه وتفانيه واستغناؤه، دروس ترسم لتلاميذه معالم الطريق. 
رأيت فى مستشفيات جامعة المنصورة الدكتور محمد عبدالوهاب، أحد العلماء الذين يشرفون مصر فى المحافل العالمية، يستفيد من علمه الكبار والصغار فى الداخل والخارج، أسس أهم مركز لزراعة الكبد فى الشرق الأوسط، ليضع جامعة المنصورة فى مصاف الجامعات الكبري، هو عالم متصوف زاهد، أقسم ألا يتاجر بعلمه، يبكيك إذا تحدث عن مرضاه الفقراء، ويبكى إذا تعثر فى توفير نفقات العلاج لهم. الأقل منه علمًا جعلوا زراعة الكبد تجارتهم الرابحة فى المستشفيات الخاصة، وهو يتقاضى ألف جنيه من الجامعة عن كل مريض يزرع له كبدًا. محمد عبدالوهاب إذا تحدث يجعلك تعبد الله فى كلماته، خاصة إذا تطرق لحالات فقيرة أنهكها المرض وتحتاج إلى زراعة كبد فيأتيه المدد من الله، عندما يفاجئه أحد الأثرياء بإيداع مبلغ مالى فى خزينة الجامعة، متبرعًا به لمريض متعب كبده. 
العلم والتفانى فى العمل والتعامل مع الطب كرسالة لا تجارة، لا يقتصر على من ذكرتهم، فهذه الجامعة مليئة بالرموز التى جعلت من المنصورة عاصمة للطب، وجعلتها أيضًا مرمى لسهام الحاقدين وأصحاب المصالح، الذين يتاجرون بالمرضى تارة، وفى الدواء تارة أخري، لكن رئيس الجامعة محمد قناوى، وهو أحد علماء الجامعة، وقف حجر عثرة أمام الساعين لتشويه هذه المنظومة، وعلى الرغم من أنه أصغر رؤساء الجامعات سنًا، إلا أنه استطاع بوطنيته وغيرته على مستشفيات جامعته أن يمضى فى الارتقاء بما بدأه السابقون. ولعل ما أسبغه الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب من كلمات تتضمن إشادة بالجامعة وعلمائها منذ أيام، تأكيد على ضرورة تعميم منظومة مستشفيات جامعة المنصورة على كل الجامعات المصرية.