رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

مرصد الأزهر يحذر من تصاعد "الإسلاموفوبيا" بعد حادث "برشلونة"

أحداث برشلونة
أحداث برشلونة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أصدر مرصد الأزهر تقريرا على خلفية الأحداث الدامية التي شهدتها العواصم الأوروبية خلال الآونة الأخيرة، وتعرُّض الجالية المسلمة التي تعيش في تلك البلدان للعنف من جانب بعض العنصريين الكارهين للأجانب، أصبح تنامي ظاهرة "الإسلاموفوبيا" بعد أي حدث إرهابي يُقترف باسم الإسلام أمرًا مُسلّمًا به، والدليل على ذلك ما تم رصده من حالات أظهرت تناميَ تلك الظاهرة، خاصّةً بعد وقوع الأحداث الإرهابية.
وفي إسبانيا، وعلى الرغم من عدم وجود اعتداءات إرهابية في الأعوام الأخيرة، إلّا أن حالاتِ "الإسلاموفوبيا" تنامت بشكلٍ ملحوظ؛ حيث تشير الإحصاءات إلى أن عام 2016 سجّل 573 حالة ضد الجالية المسلمة في إسبانيا بمعدل يصل إلى ضعف ما رُصد في عام 2015، والذي سَجّل نسبة قدرها 567% أعلى من عام 2014.
وتابع التقرير الصادر اليوم، لقد تباينت ردود الأفعال بعد حادث "برشلونة"، والذي أودى بحياة 14 شخصًا وإصابة العشرات؛ ففي الوقت الذي قامت فيه الجالية المسلمةــ أفرادًا ومؤسساتٍ ــ بإدانة الحادث جملةً وتفصيلًا، واستنكارهم لتلك الأحداث الدامية التي أودت بحياة الكثير من الأبرياء، قام بعض الأشخاص بشَنّ حملة شرسة ضد الإسلام والمسلمين، خاصّةً على شبكات التواصل الاجتماعي بأفظع العبارات والسباب والشتائم، ووصل الأمر إلى كتابة عبارات مسيئة للإسلام والمسلمين على جدران المساجد والممتلكات العامة والخاصة للمسلمين في مُدن متفرقة بإسبانيا فور وقوع الحادث الأليم.
كانت بداية هذه المظاهر في "مونت بلانك" في "طراغونة" Tarragona، وذلك من خلال كتابة عبارات تهديدية مسيئة على أبواب وجدران مسجد هذه المنطقة، وهي عباراتٌ مثل "ستموتون أيها المسلمون الفجرة" وغيرها من العبارات التي يَعِفّ اللسان عن ذكرها.
وأشار إلي أنه في الوقت ذاته؛ تعرضت القنصلية المغربية بالمدينة ذاتها إلى كتابة مجموعة من العبارات المسيئة كُتبت باللون الأحمر على جدرانها بالخارج بعد تلك الأحداث الدامية، والفاعلُ مجهولٌ حتى هذه اللحظة، فلم يتمّ الكشف عن هُوِيَّة مرتكبيه ولا حتى عن الوقت الذي كُتبت فيه تلك العبارات المسيئة.
جديرٌ بالذكر؛ أن تلك الحادثتين لاقتا العديد من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، الأمر الذي يُظهر وجود شريحتين داخل المجتمع الإسباني؛ إحداهما: تؤيد ما تقوم به تلك الجماعات المجهولة، وأخرى: تعارضه بشدة. هذا؛ وقد سَلّطت العديدُ من الصحف الإسبانية الضوء على تلك الواقعتين، وكان من بينها صحيفة "لا بانجوارديا" التي أوردتهما تحت عنوان "الإسلاموفوبيا تَظهر بعد اعتداءات برشلونة".
وأوضح في منطقة أخرى بمدينة "برشلونة"، تحديدًا في شارع "بيراتوا" بمنطقة "لوغرونيو"، ظهرت رسوماتٌ عدائية ضد الإسلام على واجهة متجرٍ لباكستاني يقيم في هذا الحي منذ عدة سنوات، وكان من بين هذه العبارات: "تحيا إسبانيا والموت للإسلام" وبجوارها رسوماتٌ نازيّة أخرى، ومع ساعات النهار الأولى قام الأخوان اللذان يديران هذا المتجر بتنظيف الواجهة من تلك الرسومات، مؤكِّدَيْنِ أنهما لا يخافان من مثل هذه التهديدات، كما أوضح أحدهما أنه مطمئن في هذا الحي وأن الجميع يتعامل معهما بودٍّ ومحبة، وأنهم يتمتعون بقدرٍ كبير من التعايش والسلام ولا وجودَ للعنصرية منذ أن أقام بالحي من أكثرَ من 15 عامًا، يأتي ذلك فيما أكد سكان هذا الحي أن الشقيقين الباكستانيين ليس لهما أيُّ تدخّلٍ بالسياسة من قريب أو بعيد.
ولفت إلى أنه لم تقتصر الاعتداءات على مقاطعة "قطلونية" فحسب، بل تعدّت إلى مُدنٍ أخرى، وفي هذا السياق؛ تَعرّض مسجد منطقة "فوينلابرادا" بالعاصمة "مدريد" لاعتداءات مشابهة؛ حيث قام مجهولون برسم عبارات مسيئة على جدران المسجد مثل: "الموت للإسلام" و"الرب معنا"، كما قام هؤلاء الأشخاص بوضع رأس خنزير إلى جانب جدران المسجد المكتوب عليها تلك العبارات المسيئة.
وكان لـ "إشبيلية" نصيبٌ من تلك الاعتداءات؛ حيث كُتب على جدران مسجد "إشبيلية" عباراتٌ مناهضة للإسلام والمسلمين مثل: "فلتقطعوا رقاب المسلمين وهم يُصلون" و"لا للإسلام"، وغيرها من العبارات التي تؤكد وجودَ حملةٍ يُديرها بعض الأشخاص للنيل من المسلمين، واتخذوا من مثل هذه الأحداث ذريعةً لإحداث فتنة بين أطياف المجتمع.
وفي "غرناطة"؛ قام اثنا عشرَ شخصًا من جماعةٍ نازيّة تُطلِق على نفسها "البيت الاجتماعي" بمهاجمة مسجد "ألبايثين" بعباراتٍ ورسومٍ مسيئة على جدران المسجد مثل: "من يُموِّل هذا المسجد هو مُموّلٌ للإرهاب"، كما أطلقوا بعض الشماريخ التي أثارت دخانًا كثيفًا لإجبار المصلين على الخروج من داخل المسجد، وعلى الفور قامت مجموعةٌ كبيرة من الإسبان بالتظاهر والتنديد بتلك العمليات الإجرامية التي يتعرض لها المسلمين، وهو ما يعتبره "مرصد الأزهر" نورًا في الأفق، وأنه لا تزال هناك حالةٌ من الوعي المجتمعي، و"مرصد الأزهر" إذ يُحيّي هذا الصوتَ العاقل ويؤكّد أن تماسُك أفراد المجتمع هو الضمانة الأولى لمناهضة أيِّ محاولةٍ لشَقّ الصف.
وعلى الصعيد الميداني، وفي "مدريد"، وبعد أن قام مجموعة من المسلمين والأجانب بالوقوف دقيقة حدادًا على أرواح الضحايا، قامت مجموعة من المتشددين باقتحام الحشود وتفرقتهم وإحداث بلبلة بين الحضور حتى لا يتمكنوا من إكمال دقيقة الحداد التي كان من المقرر انعقادُها أمام مبنى البلدية بـ "مدريد"، كما قامت تلك الجماعات الفاشيّة برفع لافتات ضد المسلمين مثل: "طيبتُكم تقتلنا"، وعلى الفور قامت الشرطة بتفرقتهم.
وفي السياق ذاته، وعقب هذا الحادث الأليم، دعت جماعةٌ أخرى إلى التظاهر ضد المسلمين في "برشلونة"، إلا أن الأمن حذّر من هذه المظاهرة نظرًا لعدم حصولها على تصريحٍ رسميّ، وبالفعل قام المئات من الأشخاص بمقاطعة تلك الدعوات التي نادت بها جماعات اليمين المتطرف ضد الإسلام والمسلمين، كما تَوَجّه المئات إلى الأماكن التي يتمركز فيه هؤلاء العنصريون الذين كانوا ينادون ويهتفون بأن إسبانيا مسيحية وليست مسلمة، وقابلتها هتافاتٌ أخرى تنادي بالسلام وتستنكر العنصريّة والفاشيّة، حتى وصل الأمر إلى تدخّل الشرطة وإجبار اليمينيين المتطرفين على الانسحاب من تلك المظاهرات المعادية للإسلام.
وأمام هذه الأعمال؛ ناشدَت العديدُ من الأحزاب السياسية بضرورة ضبط النفس وعدم تغذية تلك الدعوات التي تحضّ على الكراهية ونبْذ الآخَر، وكان من بين تلك الأحزاب حزب "بوديموس" الذي أكد ضرورة توخّي الحذر والتماسك وعدم دعم العنصرية و"الإسلاموفوبيا"، كما طالب بالابتعاد عن جميع الرسائل التي من شأنها الحضّ على العنف والكراهية وأكّد أن المجتمع القطلوني هو مجتمعٌ متماسك ومنفتح، وأعطى العديد من الأمثلة التي تؤكد أنه مجتمعٌ منفتح ومتسامح وشجاع.
كما أكّد رئيس "الحركة المناهضة لعدم التسامح في إسبانيا"، "إيستيبان إيبارّا"، على وصْف من قاموا بالعمليات الإرهابية بأنهم إرهابيون وليسوا بمسلمين، وأدان بشدّةٍ حملةَ الرعب والتهديدات التي شنّتها مجموعةٌ من الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي ضد المسلمين. 
الجدير بالذكر؛ أنه قد انتشرت العديد من الرسائل التي تحضّ على كراهية الإسلام والمسلمين، وكان أبرزُها مجموعةً من التصريحات لبعض المشاهير في إسبانيا عبر "تويتر" و"إنستجرام"، والذين كان من بينهم "مايتى جاليانوا"، وهي الفائزة بأحد البرامج الشهيرة في عام ،1996 حيث أظهرت كراهيتها للإسلام والمسلمين بشكلٍ ملحوظ عبرَ حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بعد الأحداث الدامية في "برشلونة"، وقد نَشرت تغريدة لها بعباراتٍ مسيئة تقول فيها: (اطردوهم خارج البلاد بوجوههم القبيحة)، (لقد فاض الكيل مع هؤلاء القتلة، فليخرجوا الآنَ خارج البلاد). في المقابل؛ قامت الممثلة المشهورة "ليتيثيا ثاباتير" بالرد عليها عبرَ حسابها الشخصي على "تويتر" مُنتقِدةً ما قالته، مؤكّدةً أن الإرهابيين الذين قاموا بهذه العمليات لا يستحقون أن نقول عليهم مسلمين لأنهم ليسوا بمسلمين؛ ومِن ثَمّ فلا ينبغي القول بذلك.
كما قام الفنان الشهير الإسباني "خابيير توليدا" بإظهار كراهيته للإسلام والمسلمين من خلال الصورة التي نشرها عبر حسابه الشخصي على "انستجرام"، وكَتب عليها عبارةً عنصريّة ضد أحد الركاب المسلمين الذي كان يجلس إلى جواره في الطائرة أثناء عودته من كينيا. وبعد الانتقادات اللاذعة التي تلقّاها هذا الفنان من خلال متابعيه عبرَ "انستجرام"، قام بنشرِ عبارةٍ أخرى بأنه ليس عنصريًّا، ولكن "هذا الكائن" -في إشارةٍ منه إلى المسلم الذي كان يجلس بجواره- مثيرٌ للشبهة. وقد تلقّى على خلفيّة هذا المنشور الثاني وابلًا من الانتقادات من جانب متابعيه الإسبان بسبب عنصريته المؤلمة التي كانت بمثابة صدمة لمُحبّيه من الجمهور. هذا؛ وقد عَلّق الكاتب الإسباني "فيديريكو كيبيدو" على موجة "الإسلاموفوبيا" التي اجتاحت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكّد أن هذا هو ما ترغب فيه الجماعات الإرهابية من تنامي حِدّة "الإسلاموفوبيا"؛ حتى تكونَ ذريعةً لهم يُسوِّغون من خلالها أعمالَهم الإرهابية.
من جانبه؛ أدان "مرصد الأزهر الشريف" العنف والإرهاب بجميع أشكاله، معلناً تضامنه الكامل مع جميع طوائف المجتمع الإسباني، مثمناً الدور المبذول مِن قِبَل الأحزاب السياسية والمؤسسات الحقوقية التي تعمل على تنقية الأجواء ونبذ العنف، خاصّةً تلك الموجةَ العارمة من "الإسلاموفوبيا" التي يتعرض لها المسلمون الآنَ في إسبانيا على خلفيّة تلك الاعتداءاتِ الإرهابية. ويؤكّد "المرصد" أن التوعية والتحذير من مخاطر "الإسلاموفوبيا" هما السبيل الوحيد من أجل عدم انزلاق البعض وراء الإشاعات التي تُروِّج أن المسلمين هم السبب وراء تلك الحوادث الإجرامية التي لا يُقرّها الدين الإسلامي الحنيف.
كما شدد "المرصد" على أهمية ذلك الصوت العاقل الذي يَظهر وسط تلك الأعمال التحريضية ضد الإسلام والمسلمين.