الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مانديلا.. رسائل الاعتقال ترى النور

خطابات الحب والثورة

مانديلا داخل السجن
مانديلا داخل السجن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حصلت مؤسسة «دبليو دبليو نورتون» للنشر بالولايات المتحدة الأمريكية على حقوق طبع مراسلات الزعيم الجنوب إفريقى نيلسون مانديلا، خلال فترة اعتقاله التى اقتربت من الثلاثين عاما فى سجون عدة متفرقة بجنوب إفريقيا.
وأعلنت المؤسسة عن طرح مراسلات الزعيم الجنوب إفريقى فى كتاب مكون من جزءين فى احتفالية ذكرى ميلاده يوم 18 يوليو المقبل، واصفة صدور الكتاب بالحدث الأبرز الذى تعد له الدار منذ فترة ليست بالقصيرة؛ حيث أفرج المسئولون عن مؤسسة مانديلا، الحاوية لمقتنياته كافة، عن تلك المخطوطات بأعجوبة. 
ويضم الجزء الأول من الكتاب 280 رسالة شملت مراسلات إلى أسرته ومؤيديه ومسئولين حكوميين، وتراوحت موضوعاتها بين قضايا كبرى كالفصل العنصرى، وقضايا دنيوية، مثل مطالباته برعاية مرضى العيون.

الجزء الأول يضم 280 رسالة شملت مكاتبات إلى أسرته ومؤيديه ومسئولين حكوميين.
وجاءت فترة اعتقال مانديلا عقب أعمال الشغب واستهداف مؤسسات الدولة من خلال جماعة «إم كا الت» تحولت إلى ذراع عنف تابعة لحزب «المؤتمر المناهض للتفريق العنصرى»، الذى كان مانديلا أحد كوادره فقبضوا عليه برفقة والتر سيسولو، رئيس الحزب، وأعضاء آخرين وأخذوا أحكاما مؤبدة؛ كان مانديلا قبل فترة اعتقاله يمر بتحولات خطيرة فى حياته؛ فتتغير أيديولوجيته تماما من سياسى مناهض للشيوعيين إلى أحد أبرز السياسيين المؤيدين لهم والمتعاطفين معهم فى أفكارهم، وإدخالهم ضمن الفئات التى يجب الدفاع عنها فى قضايا التفرقة والتمييز؛ وعلى المستوى الشخصى انفصل عن زوجته إيفيلين ماس بعد معركة شرسة بينهما، اتهمته خلالها بأنه أصبح زير نساء، وله أبناء غير شرعيين، فطلقها وتزوج من وينى ماديكيزيلا إحدى الناشطات الاجتماعيات فى جنوب إفريقيا، لكنه اعتقل خلال الأعوام الأولى لزواجهما، وفى معتقله علم خبر طليقته الأولى ماس التى أنجب منها ولدا وبنتا؛ وترجع أهمية فترة اعتقال مانديلا إلى أنها لاقت صدى عالميا نجح فى استغلاله جيدا لتسليط الضوء على القضية التى يناضلون من أجلها، وضمت حوله كثيرا من المؤيدين حتى أفرج عنه بعد ضغط شعبى عارم، وتقلد منصب رئيس دولة جنوب إفريقيا، ومن هنا جاء الانتصار فى النضال ضد قضية التمييز الأزلية، وأصبح مانديلا أبو الأمة.

ومن أبرز الرسائل التى تضمها المجموعة رسالة مطولة لزوجته وينى ماديكيزيلا، تظهر ذلك الزعيم المناضل عاشقا من نوع فريد وشخصا رقيق القلب؛ فقد تمتعت الرسالة بكلمات عذبة يطمئن خلالها على صحة زوجته بعد أن منعوها عن زيارته لمدة تجاوزت الـــ ٩ أشهر، وعلم أنها مريضة بسبب نوبات اكتئاب حاد، فأرسل يكلمها عن أحوال البلاد والحرية وظروف عائلته الشخصية بعبارات مزجت السياسة بالحب بالمرض؛ وتنفرد «البوابة» بترجمة نص الرسالة مثلما جاءت فى المخطوطة التى سربتها دار النشر.
«أخذتنى الصدمة فور معرفتى بما ألم بك مؤخرا؛ عرفت أن صحتك تبدو غير مستقرة، ولم أعلم ماذا حدث بالضبط فيما يخص حالة القلب والأزمات النفسية التى اعتادت على مهاجمتك فى الفترات الأخيرة رغم سعادتى؛ حيث سمعت من الإخصائى الذى قام بفحصك أن تلك الهجمات فى طريقها للاختفاء وأرغب فى معرفة تشخيصه بالتفصيل.
أشعر بالامتنان بأن طبيب العائلة رائع كعادته، وأتمنى الشفاء والتعافى لك بشكل كامل وفى أسرع وقت؛ كان الطبيب عالم النفس الأمريكى الشهير «نورمانت فينسينت بال» لديه مقولات عدة عن التفكير الإيجابى ونتائجه، وأن هذا الجزء الذى كتبه يستحق الاحتفاظ به فى أكبر مكتباتنا؛ فنظرياته الجسدية والنفسية قيمة للغاية؛ هذا الرجل وضع يده على حل مشكلة غير القادرين على مواجهة معاناتهم أو التعامل معها؛ فقد قال سأغزو مرضى وسأحيا حياة سعيدة، وهذا هو منتصف الطريق للانتصار، وعليك أن تؤمنى بذلك؛ فمن أكثر ما يجذبنى إليك حماستك التى تجعل هامتك مرتفعة فوق كل شىء.

فى نوفمبر الماضى، أرسلت جوابا مانجوسوثو بثليزى (زعيم سياسى إفريقى)، ونقلت له تعاطفى لعائلته، وأرسل إلىّ تعازيه فى وفاة ماس (طليقة مانديلا وزوجته الأولى)؛ وفى ديسمبر أرسلت خطابا لكل من نالى وكاجاثو (بنتاه)؛ وفى يناير إلى وانجا (صديق مانديلا)؛ وفى فبراير إلى ماكى وزينى وزينديزى (أبناؤه)؛ وفى مارس ذهبت جواباتى إلى ليلى وجيبسون (أقرباؤه).
فى ١٧ مارس كتبت جوابا خاصا لماسيسو، أعرب له عن سعادتى بزيادة عدد أفراد عائلته؛ لكن ساباتا لم ترد على فى الجوابات التى أرسلتها؛ وقد أشرت فى الجواب الذى أرسلته لكاجاثو بشأن الدعم المالى الذى نحصل عليه، فلست أعلم ما مصيره إلى الآن، ولم أتلق أية زيارات فى سجنى، وأخشى أن تنتهى التمويلات وتتعرض الأسرة للهلاك (جميع الأسماء الواردة تخص أفراد عائلة مانديلا وزوجته وأقربائه).
فى ديسمبر ١٩٦٦؛ أرسلت لماموتو (إحدى أعضاء حزب المؤتمر الإفريقى المناهض للتفرقة العنصرية)، أحذرها مما تفعله، لكنها لم تهتم وزرعت منظمات تسببت فى استياء واسع النطاق بشكل يدل على عدم فهمها لصعوبة الوضع الراهن، فعلت ذلك وأهملت إشارات القيادة بشكل كامل، وأتوقع أن هناك الكثير سيعتبرون تلك الأفعال طعنة متعمدة، وأن الكره فى مواجهة الدليل على العكس أكثر درجة، وهذا يظهر تهاونها المطلق فى الإجابة عن أسئلة الواقع، وقد صدمتنى من سخريتها كثيرا، وهذه التشوهات تجذب الكثير من الدعايا السلبية لطمس تضحياتها وسلميتها؛ فالقيادة تجنبت المصادمة حتى مع أقرب أصدقائها، لكن مع ماميتو سيكون هناك مصادمة؛ التى أهملت الدرس العسكرى.
الصورة الأخيرة لعائلة كجاسو وأخواتها البنات، أعطتنى سخرية أنى أرى صورة ماس، ابن ماديبا أصبح طويلا جدا لدرجة أننى لم أعرفه عندما رأيت صورته.
عندى مشاعر مختلطة أنك تبدو لى حزينة وتائهة ولست بخير، خلال سنوات زواجى بك أحطنى بالجمال والدفء، وأظن أنى أنقل لك رسالة خاصة، وأن كل الكلمات لا تكفى للتعبير عن مشاعرى تجاهك.
أحاول أن أتلاهى مشاعرى الدافئة لك ولبيتنا الجميل والممتلئ بالسلام، هذه الأيام، قناعات أصبحت بعيدة وواسعة، وبعد أن أصبحت واحدة صحبتى فى شارع هانز حاولت أن تنتحر وترمى نفسها أمام عربة نقل زرقاء.
وأخيرا، آمل أن أكون فى جواباتى الماضية عند حسن ظنك، فرغم كل الصعوبات التى تلم بنا لكن كلماتى ما هى إلا مجرد أمنيات صغيرة للحفاظ على دفء البيت والحياة، وأن أظل مصدر التأثير والحب بالنسبة لك، وتذكرى أن الأمل سلاح قوة حتى وإن فقدناه، وأنا وأنت مهما اكتسبنا طوال هذه السنوات يزيد من قيمة وأهمية احترام كل منا للآخر؛ أنت لا تغيبين عن بالى لحظة واحدة، لا شىء سوف يحدث لك عزيزتى، وسوف تتعافين وتشرقين من جديد؛ أرسل إليك مليون قبلة، ومليون كلمة حب.