الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

متى تحيض قطر؟!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news




يمر الإنسان في حياته بمراحل مختلفة من عمره، يبدأها منذ تكوينه جنينا في بطن أمه، لتبدأ رحلة الرضاعة والفطام ثم الطفولة، التي لا يؤاخذ فيها الطفل على أفعاله؛ لعدم وعيه وتكليفه شرعا، ولتبدأ من بعدها مرحلة المراهقة حتى يصل المرء منا إلى مرحلة البلوغ، فعند الصبي يكون بالحُلُم وعند الفتاة بالحَيضْ، لتبدأ من بعدها مرحلة الصبا والشباب ثم مرحلة النضج وأخيرا مرحلة الحكمة والرشد في آخر مرحلة عمرية من حياة الإنسان.
فكان سن البلوغ إيذانا ببدء التكليف والحساب لكل منا شرعا وقانونا وسياسيا واجتماعيا، فالمجتمع لا يحاسب المجانين ولا الصبية غبر البالغين.
وكما الحال في الإنسان يكون الحال في الدول وأنظمتها الحاكمة .. فهناك أنظمة حكم رشيدة (حكيمة)، وهناك أنظمة ظالمة مستبدة، وثالثة متهورة ذات رعونة لم تصل لمرحلة الفطام وبالتالي لم ينزل عليها الحيض إيذانا ببلوغها؛ حتى تبلغ من أمرها رشدا!
ومن النوع الأخير دويلة قطر ونظامها الحاكم الذي ظل يبحث عن دور ومكان في عالم الكبار، فلم يجد سوى أن يكون آداة يستخدمها هؤلاء "الكبار".
ولعل الأزمة الأخيرة التي وضعت قطر تحت المقصلة الخليجية والعربية (بقيادة مصر والسعودية) قد كشفت بما لا يدع مجالا للشك عن الدور القطري الأصيل لدعمها لحركات وتنظيمات إرهابية كان لها الدور الأبرز في توتر المنطقة واندلاع النزاعات المسلحة وتغذيتها في موجة ما عرف بـ"ثورات الربيع العربي" التي اندلعت في العام 2011 في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا.
ورغم تحمل مصر الكثير من أذى قطر وقناتها الفضائية التي كانت في عداء واضح لمصر من خلال برامجها وضيوفها والأفلام الملفقة ضد مصر وجيشها وشرطتها، وما أقدمت عليه من تحريض علني ضد مؤسسات الدولة المصرية أثناء أحداث يناير 2011، وبعد أن تدخلت دول الخليج بقيادة السعودية ودعوة قطر لاجتماع خليجي في الرياض في عام 2014 وتوقيع اتفاق عرف بـ"اتفاق الرياض" على أن تتوقف قطر عن هجومها لمصر ونظامها الذي تصفه بـ"الانقلاب العسكري"، حيث لا تؤمن قطر بثورة 30 يونيو التي أزاحت حكم جماعة الإخوان المسلمون (الحليف الاستراتيجي لقطر)، كان من المنتظر أن تتوقف قطر عن ممارستها العدائية تجاه أشقاءها العرب، إلا أنها زادت من الهجوم ولم تعبأ بالاتفاق الذي وقعته في الرياض، وراحت لتطلق ألسنة اللهب لقناة الجزيرة تجاه مصر ودول الخليج، كما زادت من تأجيج الصراعات في كل من سوريا وليبيا واليمن، منفذة أجندة إخوانية وأجهزة استخباراتية لعدد من القوى الدولية والإقليمية.
وبنفاذ الصبر، وبعد تنبيه قطر بكافة السبل الودية والدبلوماسية، إلا أنها لم ترتدع، حتى استيقظت على خبر قطيعتها من قبل مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، بعد سحب السفراء من العاصمة القطرية الدوحة وطرد سفراء قطر من الدول المقاطعة، لتلحق بهم دولا عربية أخرى سواء بالمقاطعة أو تخفيض مستوى البعثة الدبلوماسية، في إجراء شكل صفعة كبرى على خد الإمارة الخليجية، ليتبعها قرارا بغلق كافة الحدود والمنافذ البرية والبحرية والجوية مع قطر من وتعليق جميع رحلات الطيران بين الدول المقاطعة وبين قطر، في وضع يشبه الحصار، ما شكل الصفعة الثانية.
وفي أطوار التصعيد المستمر للأزمة التي اتضح معها أن الأمر هذه المرة لن يمر إلا بالحسم، وهو ما فشلت وساطة الكويت في محاولة لملمته سريعا، حيث تقوم الكويت حاليا بمحاولة ثانية، نرى أن الدول المقاطعة لن تتراجع عن مثول قطر لمطالبها بما يحفظ الأمن القومي العربي والخليجي معا.
فقد أبلغت السعودية قطر، عبر وساطة الكويت، عشرة مطالب من أهمها إيقاف تمويلها للتنظيمات الإرهابية وطرد قيادات وعناصر تنظيم الإخوان المسلمين المقيمين في قطر والمطلوبين قضائيا لدى مصر، وغلق قناة الجزيرة لإنهاء بث سمومها المحمومة ضد مصر و"الخليج".
ونرى أن أهم ما في الأزمة القطرية أنها كشفت عن الارتباط العضوي بين الأنظمة القطرية المتعاقبة وبين التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها "الإخوان" و"القاعدة" ومؤخرا تنظيم داعش الإرهابي.
وبعد أن أصدرت مصر والسعودية وافمارات والبحرين قائمة موحدة بـ59 إسما من القيادات الإرهابية المطلوب تسليمها، كل حسب جنسيته، وكذلك بالمنظمات والجمعيات الخيرية التي كانت غطاء لتمويل العمليات الإرهابية في المنطقة، بعد هذا انتشر البحث عن علاقة النظام بهذه التنظيمات وتسربت الوثائق التي كشفت عن هذا الارتباط الأصيل بين نظام قطر وبين تلك التنظيمات ومن أهمها "القاعدة" و"الإخوان" و"أحرار الشام" و"أنصار الشريعة" و"داعش" و"فجر ليبيا"، حيث فضحت الوثائق عن التمويل التركي والقطري للجماعت المسلحة في سوريا الأمر الذي فاقم الأزمة السورية التي ناهزت سنواتها السبعن كما ضلع الدور القطري في المشهد الليبي بعد أن اخترقت طائرات قطر الأجواء الليبية محملة بالأسلحة لتهبط في مطار مصراتة (شرق العاصمة طرابلس) حيث معقل الميليشيات المسلحة.
دور قطر لم يتوقف عند دعمها لأفراد وتنظيمات إرهابية أزاحت أنظمة وأسالت دماء برئية في العالم العربي، بل امتد ليصل إلى أفراد من العائلة الحاكمة ومقربين إليهم، من أشهرهم عبد الكريم آل ثاني، أحد أفراد العائلة الحاكمة، والذي اتهمه ديفيد كوهن نائب وزير الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب، بأنه كان يدير منزلا آمنا لأبومصعب الزرقاوي مؤسس تنظيم القاعدة في العراق والذي تحول إلى "داعش" فيما بعد، وبحسب وثائق المخابرات الأمريكية فقد منح "آل ثاني" جوازات سفر قطرية للزرقاوي، كما وضع مليون دولار في حساب مصرفي لتمويل التنظيم.
وكشفت الوثائق الأمريكية عن الدور الكبير لرجل الأعمال القطري عبد الرحمن النعيمي، حيث يعد أحد كبار المتبرعين لتنظيم داعش والذي بلغ تمويله للتنظيم إلى 2 مليون دولار شهريا، و250 ألف دولار لجماعة الشباب الصومالية (التابعة للقاعدة)، وإرسال 366 ألف جنيه استرليني لأبو خالد السوري القيادي في "أحرار الشام"، وهو ما دفع بوزارة الخزانة الأمريكية إعلانها عبد الرحمن النعيمي إرهابيا دوليا.
لقد بلغت الأزمة القطرية ذروتها وفتحت معها ملفات عالقة وقضايا شائكة في تاريخ الإمارة الطويل مع الحركات الإرهابية التي أرقت المنطقة وأزهقت أرواحا بلا ذنب، وبالرغم من ذلك ذهبت الإمارة لتستنجد بإيران التي أوفدت فرقة من الحرس الثوري الإيراني لحماية قصر العائلة الحاكمة، كما استنجد الأمير بتركيا بعد أن وافق البرلمان التركي على إنشاء قاعدة عسكرية في قطر بموجب اتفاقية موقعة بينهما منذ عدة أشهر، فقد ظن الأمير الشاب أن وضعه تحت الحماية التركية والإيرانية قد يحميه من ألسنة اللهب التي ستنقلب عليه في نهاية فصول الأزمة التي كشفت أنه يحكم دولة لم تحيض بعد.