رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"مدد يا رسول الله".. مصر الرائدة في المديح والإنشاد

الشيخ طه الفشنى
الشيخ طه الفشنى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ارتبط شهر رمضان المبارك، بالأصوات العذبة التى ترتل القرآن وتشدو بالألحان النورانية، فى مديح النبى المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم- ، وبث سير الصالحين وفرسان الأمة وشجعانها.
وكانت مصر، رائدة سبّاقة فى هذا الفن، فكان علية القوم وأغنياء القرى والنجوع يقيمون السهرات الرمضانية، التى يحييها المنشد، ويسميه العامة فى شمال مصر «الصّييت»، وفى وسط دلتا النيل يطلقون عليه اسم «السرّاج»، وفى جنوب البلاد يسمونه «المدّاح».
«نحنُ نسوةٌ من بنى النجار.. يا حبّذا محمّدٌ من جارِ»، و«طلع البدر علينا»، غرست هذه الكلمات، التى أنشدت فى مدح النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، أولى فسائل شجرة «الإنشاد الدينى»، التى نمت وترعرعت فأثمرت وأينعت، فأتت أكلها منشدين ومداحين، يشدون بذلك الفن الغنائى الإسلامى، واستمر أمر الإنشاد والمدح النبوى إلى يومنا هذا، متضمنًا عبارات الذكر والتهليل والتسبيح.
وكان للذين يتألقون فى هذا الفن من ذوى الأصوات الجميلة الجذابة حضور جماهيرى كبير، حيث يقيمون مجالس ذكر تضم عددًا كبيرًا من المشاركين والمعجبين. وشيئًا فشيئًا دخلت آلة الدّف، لإضفاء مزيد من الجمال على أصواتهم وقصائدهم، وتطوّر الأمر إلى أن أضحت الربابة آلة أساسية، وصار لكل منشد فرقة، يسمون «الجوقة» يرددون المذهب مرارًا خلف المنشد لتميل الرؤوس طربًا وإعجابًا كلما انتهت الفرقة من مقطع، فى سيمفونية جماعية.
وتعتبر مصر من أكبر مدارس الإنشاد الدينى فى العالم، وتمتلك تاريخًا كبيرًا يضم عددًا وافرًا من كبار المنشدين والمبتهلين، أبرزهم طه الفشنى، ونصرالدين طوبار، وعلى محمود، والشيخ الفيومى، وسيد النقشبندى، وكامل يوسف البهتيمى، ومحمد الهلباوى، ومحمد عمران، وياسين التهامى، وعبدالعظيم العطوانى الذى أنشد بردة البوصيرى، وغيرهم من أعضاء فرق الإنشاد الدينى بالقطاعات والمواقع التابعة لوزارة الثقافة المصرية.
وكانت بردة البوصيرى، القصيدة الأم التى ألهمت المنشدين والمداحين فى العصور القديمة والحديثة إلى عصرنا هذا، وخاصة البيت الرئيسى «مدد يا رسول الله»، واعتبرها الكثير بوابة دخول عالم الإنشاد والمديح، ومفتاح النجاح فيه، حتى اعتبر البعض أن من لا يغنى البردة ويبدع فيها لا يستحق أن يطلق عليه لقب مداح الرسول. ومن قبل هؤلاء جميعا، ازدهر هذا الفن، فى زمن الأمويين، حيث أصبح فنًّا له أصوله، وضوابطه، وقوالبه، وإيقاعاته، واشتهر حينها الكثير من المنشدين وكان أكثر المشتغلين بفن الإنشاد الدينى وتلحين القصائد الدينية، إبراهيم بن المهدى وأخته عَليَّة، وأبوعيسى صالح، وعبدالله بن موسى الهادى، والمعتز وابنه عبدالله، وعبدالله بن محمد الأمين، وأبوعيسى بن المتوكل وغيرهم، كان عبدالملك بن مروان فى دمشق يشجع الموسيقيين ورجال الفن.
وكذلك كان الخليفة الواثق الذى كان يغنى له إسحاق وإبراهيم الموصلى، وهما من أشهر الموسيقيين فى العصر الأموى وعبدالرحمن بن الحكم الذى ذاع فى عهده صيت الفتى «رزياب»، وهو تلميذ إسحاق الموصلى، وغيرهم كثيرون ممن اشتهروا بغناء وتلحين القصائد الدينية والأناشيد، واشتهر المنشدون بشكل مميز فى حلب على وجه الخصوص.