رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

شريف حتاتة.. نافذة مفتوحة على تاريخ من النضال

شريف حتاتة
شريف حتاتة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وقع خبر وفاة الكاتب والمناضل الكبير شريف حتاتة صباح اليوم على مسامع المثقفين المصريين مثيرا شجون وذكريات عديدة للتاريخ النضال المصري؛ ففي كتابه النوافذ المغلقة الذي يعالج سيرته الذاتية أراد به أن يشكل جزءا رئيسيا من سيرة هذا الوطن الذي كان أحد صناع الأمل الحقيقيين فيه حيث قبض على الجمر لفترة كبيرة من عمره وناضل ليساعد على فتح أبواب ونوافذ هذا الوطن؛ فحتاتة كان مناضلا كبيرا بصوت خفيض.



مسيرة مليئة بالمفارفات

ولد شريف حتاتة في إنجلترا من أم إنجليزية وأب ينتمى إلى عائلة ذات أصول أرستقراطية؛ كان والده يدرس منذ طفولته فى إنجلترا مثل بقية أبناء الطبقة الأرستقراطية المصرية؛ وبعد أن أنهى والده الدراسة الثانوية بإنجلترا إلتحق بجامعة كامبردج ودرس الإقتصاد فيها؛ وأثناء دراسته بالجامعة تزوج من سيدة إنجليزية وأنجب منها شريف؛ وبعد الإنتهاء من الدراسة عاد الأب والأم والطفل إلى مصر.
في طفولته كان يُعاني الوحدة، فهو من حضارة مختلفة، لا بحكم المولد فقط ولكن بحكم التربية أيضًا، فأمه كانت إنجليزية، وهو يجيد الإنجليزية والفرنسية أيضا؛ وهو ما جعل احتكاكه بالبيئة المصرية محدودًا؛ كانت عائلته شبه منعزلة بطبيعتها عن المجتمع المصري، فأخذ إحساسه بالانفصال عن ذلك المجتمع يتنامي؛ لكن كانت القراءة والموسيقى سبيله للإفلات من تلك العزلة؛ وعندما التحق بكلية الطب في جامعة الملك "فؤادالاول" واتته فرصة الإطلاع على الكتب السياسية التي كانت عاملًا مساعدًا أضاء له الطريق الذي اختاره بعد ذلك وسريعًا ما تعمق يقينه بأهمية نشاطه السياسي والإيمان ببناء مجتمع جديد فأصبح لحياته معنى واتجاه.
أصبح شريف جزءًا من قضية كبرى منحته الإحساس بأنه منتم الى مجتمع وبيئة وعالم. لكن الفكر السياسي أتى عليه بآثار سلبية، فقد سجن شريف حتاتة سنوات طويلة بسبب آرائه السياسية وإنتمائه للتيار اليسارى المصرى "حدتو"، وخرج من السجن ليكتب أفضل الأدب والقصص عن حياة السجن والسجناء برغم كونه أحد الأطباء المصريين المعروفين محليا ودوليا.
وعمل شريف رئيسًا لفريق من الخبراء فى منظمة العمل الدولية آسيا وأفريقيا، وقضى خمس سنوات كأستاذ زائر بأمريكا فى جامعتي "ديوك"، و"واشنطن" عندما اضطر إلى الهرب للولايات المتحدة خوفا على حياة زوجته نوال السعداوى التى كان يهددها المتطرفون السلفيون.



شريف حتاتة ونوال السعداوي.. حياة زوجين مغلفة بالفكر والنضال

بين الكاتب الكبير والمناضل شريف حتاتة وبين الكاتبة والمفكرة نوال السعداوي قصة حب وعلاقة فكرية مختلفة.
فكان "حتاتة" يرى أن نوال لا تستطيع أن تتعامل مع أي ضعف حتى لو كان ذلك الضعف إنسانيا، فهى تدافع عن حقوقها إلى آخر المدى لأنها عنيدة وقوية وكان هذا نمط جديد فى العالم الشرقى فكان شريف يرى فى نفسه "سى السيد" لكن بمرور الوقت تكيف مع طبيعة نوال وأدرك أن علاقته بها كانت ثرية ومع الوقت أصبحت بينهما صداقة وحب على مر السنين ومعا عاشا تجارب مشتركة.
ومن المعروف أن شريف حتاتة كتب أول رواية له وهو فى الثالثة والأربعين من عمره؛ وكانت "السعداوي" هي التي جعلته يكتشف في نفسه قدرة كانت مدفونة في داخله؛ فعندما تزوجا سنة 1964 اقترح عليها حتاتة الذي كان طبيبا حينها ولم يعد كاتبا بينما نوال كانت كاتبة متحققة أن يحكي لها حياته كى تستفيد منها في كتابة الروايات، واستغرقت جلساتهما فى هذا الخصوص نحو شهرين تقريبا، ثم كتبت رواية اسمها الغائب، وعندما قرأها وجدها جيدة جدا لكن لم يكن بها شيئا عنه فلما سألها عن ذلك، قالت له إنها لم تسطع كتابة ما عاشه هو فهو من يجب ان يكتب عن نفسه ولما أكد لها أن لم يكتب عملا أدبيا من قبل أكدت له أن طريقته التي يتكلم بها أعطتها إحساسا إنه سينجح لو فكر في كتابة عمل أدبي؛ وقد كان.
وفي حوارات صحفية عدة أكد حتاتة أنه استفاد من علاقته بنوال السعداوى خير استفادة فقد أخذ منها التشجيع على كتابة الأدب، وعرف الحركة النسائية ومعنى قضايا المرأة وبصفة عامة عاش معها تجربة غنية جدا، وكان يوجد بينهما حوار مستمر، وقال "كنا نستفيد من بعضنا البعض، لكنها كانت أكثر شهرة منى".


شريف حتاتة.. حكاية كاتب عاش 15 عام في المعتقل

قضى حتاتة نحو 15 عاما فى سجون مصر، كان جزء منها قبل ثورة يوليو 1952، والآخر بعد الثورة.
وقد دفع شريف، ذلك الكاتب والمناضل المرهف الإحساس، ثمنًا لالتزامه السياسي وإيمانه بالإشتراكية وبالدفاع عن العمال والفقراء والمحرومين أثر سلبا على حياة والده ووالدته وكل من أحبه.
أحب شريف والده، وكثيرا ما يتحدث عنه بود كبير ويؤكد شريف أن والده لم يتخل عن أسرته أبدا على الرغم من غيابه عن المنزل بعض الوقت
ويذكر أن والده كان يزوره دائما فى كل سجن سياسى نزل فيه؛ حتى أنه ساعد شريف على الهرب من أحد السجون. 
أما والدة شريف فلم تزر شريف مطلقا وهو فى السجن لأنها لم تكن قادرة على رؤيته وهو يتعذب فى تلك السجون الفظيعة وكانت ترى فى شريف أنه أفضل أولادها وكانت تحبه كثيرا باعتباره الابن الأول فى أولادها لكن شريف يقول عنها أن حبها له لم يكن مباشرا وفجا كما هو الحال مع أغلب الأمهات المصرية، بل كان دائما غير مباشر لكنه كان واضحا.
وكان شريف دائما يوضح أن خالته روزى التى كانت تعيش معهم هى التى كانت تتولى شئونه وكانت شديدة الحب له، ومع ذلك يرى شريف أنه تأثر كثيرا بوالدته التى كانت تملك ذلك الكبرياء والشموخ والكرامة وعدم الإفصاح عما يدور داخلها من عواطف جياشة حتى لأقرب الناس إليها لكن شريف يتغير بعد بلوغ منتصف الأربعينات من العمر حيث بدأ أخذت يعبر عن نفسه ويكون أكثر دفئا مع الآخرين، وذلك على عكس ما كنت عليه من قبل.



أعمال خالدة

كتب شريف عددا من الروايات نشر منها اثنتان باللغة الإنجليزية هما: "الشبكة"، و"العين ذات الجفن المعدني"؛ ومن مؤلفاته أيضا سيرته الذاتية "النوافذ المفتوحة"، ثم "قصة حب عصرية"، و"عطر البرتقال الأخضر"، و"نبض الأشياء الضائعة"؛ و"ابنة القومندان"؛ وأخيرا صدرت رواية "الوباء" فى أبريل عام 2010