رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لماذا تنجح أنظمة وتسقط أخرى؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدى مرحلة الثورات العربية المستمرة منذ مطلع القرن الماضي، والعالم العربي فى حالة هياج ، كهياج البحار التي تحيط أكبر وأهم منظومة، دولية فى ما يسمى بـ «الشرق الأوسط» مع تحفظنا الشديد على هذا التقسيم الذي وضعه سياسي غربي، قسم خارطة العالم على هواه وعلى هوى دوله التي لا تغرب عنها الشمس حينها. العالم الممتد من أقصى المحيط لآخر الخليج ومن البحر المتوسط حتى أدغال إفريقيا، هو عالمنا الذي أنتجته الحضارات العربية المتعاقبة والتي سبقتنا وتمكنت من ترسيخ حدود الأقاليم العربية ولا أسميها أقطارا، أو أي مسمى آخر، لا يستقر هذا العالم لحظة واحدة إلا فى فترات وجيزة، نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية: 
• أنه لم ينه الحقبة الاستعمارية التي تنوعت من استعمار كولونيالى إلى أمبريالي جديد، حتى اقتصادي جيو سياسي بوسائل معروفة لفرض الهيمنة على بلداننا، هذا من جهة ومن جهة أخرى عدم قدة الأنظمة التي تولت الزعامة أن تنتج نظاما مؤسسيا مقبولا بالكامل من المكونات والفعاليات داخل كيانات تلك الأقاليم. 
• كذلك لا توجد استراتيجيات فاعلة لإحداث النقلة فى حياة المجتمعات الفلاحية الرعوية لتكون منتجة فى حقول الصناعة أو الإلكترون، ويزيد الأمر تعقيدا عدم قدرة المجتمعات على إنتاج العلوم أو المساهمة فيها خلقا وابتكارا، وظلت المجتمعات بكل طاقاتها المالية والتعليمية مستهلكة، بل صدى لمنتجات العالم الذي يتطور بمتوالية هندسية، ليس فى أمريكا وأوروبا فحسب، بل فى دول آسيوية ودول أمريكا اللاتينية، التي برعت فى الصناعة التحويلية والتجميعية، فصرنا أكبر مستهلك وسوقا لترويج بضائع العالم من الشرق والغرب، يستنزف مواردنا بمعادلة بيع برميل نفط بخمسين دولارا لنشتري برميل عطور بمليون دولار.
لا أكون مغاليا حين أورد أن بعض الأنظمة فى العالم العربي نجحت فى التفاعل مع المتغير الدولي، وتمكنت من اللحاق بتطوره إلى حد ما لكن الأغلب الأعم ظل فى غياهب التناقضات التي تتحكم به الغيبيات والأزمات التي لا انفكاك منها، نتيجة التناقضات الشديدة وعدم التوصل لدول المؤسسات التي وإن اختلفت مكونات شعوبها، لكنها تتفق بمعيار القانون والدستور الذي يلزم الجميع على الانصياع لقواعده.
إن سر النجاح يكمن فى القيادة الواعية التي توازن بين المتغير المحلي والدولي، وتحاول أن تخرج بمعايير التوافق بين قطاعات الشعب والقناعة الكبرى بدولة المواطنة، التى تضمن استقلال البلاد، وازدهارها وتحمل الأفراد لمسئولياتهم، إزاء منظومة الدولة، وهذا هو الأساس الذي يرتكز عليه بناء الدول التي تنتج مجتمعا مؤسسيا متفاعلا يحقق قدرا نسبيا عاليا من العدالة فى توزيع الأدوار على المكونات والأفراد.
أما النموذج الثاني الذي يعاني من اضطراب مكوناته، وتناقض مؤسساته بسبب رئيسي فهو غياب الاستراتيجيات التي ينتجها القادة فى بعض التجارب، أو التفاعل مع مفكري تلك البلدان وتأمين قناعات الأفراد بالمساهمة فى البناء والابتكار خدمة لجوهر فكرة المواطنة التي ترى أن على الجميع تقع المسئولية وأن العبء الأكبر فيها يقع على النخب المتعلمة، لا المتفرجة على خسارات المجتمع، وتغويل أزماته، وهذا ما تفعله بعض القطاعات التي تسهم فى تعميق أزمات المجتمع واستنزاف ميزانية الدولة ومحاربتها من الداخل ، واستنزاف مواردها على المشروع الأمني لا الاقتصادي التنموي، مما يخسّر تلك البلدان فرصا كثيرة، لا تعوض بفعل فوات الأوان وعامل الزمن الذي يراهن عليه الخصم والعدو معا.