الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حديث بالعربي "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس أجدر من زيارة الرئيس السيسي إلى المملكة العربية السعودية، لنستدعي «حديث بالعربي»، كنا قد بدأناه قبل القمة العربية رقم (٢٨) التى استضافتها العاصمة الأردنية عمان فى التاسع والعشرين من مارس الماضى، فى سياق رصد الخطوات العربية سعيًا إلى تطبيق مفهوم «الدولة المدنية الحديثة». 
ومن ثم نعود اليوم لننقب عن موقع الأمة العربية إجمالًا من مفهوم «الدولة المدنية الحديثة»، فيما يؤثر بلا شك فى التحديات التى تواجه التجربة المصرية فى اللحاق بمتطلبات «الدولة المدنية الحديثة» المنوط بها إدراك ما حملته الطموحات الشعبية المشروعة من آمال عريضة فى حياة كريمة حرة، ذلك أن السياق العربى بالغ الأثر فيما تقطعه التجربة المصرية من خطوات على طريق ترسيخ الديمقراطية والمواطنة والعلمانية، كمرتكزات أساسية لبناء «الدولة المدنية الحديثة»، فى هذا الشأن، واستنادًا إلى نتائج القمة العربية، عمان ٢٠١٧، نُبدى بعض الملاحظات الكاشفة لحقيقة الموقف العربي من المحددات الحاكمة لمفهوم «الدولة المدنية الحديثة»، وما تفرضه من إشكاليات تجابه العلاقات العربية - العربية. فأقول بإيجاز:
• قطعًا، جديد لم ينشأ جراء عقد قمة عمان، وما زال تعبير «الظاهرة الصوتية» وثيق الصلة بالأمة العربية، وإن خفت الصوت كثيرًا! بفعل تراجع القوة العربية فى سياق توازنات القوى الإقليمية، لاحظ النمو الإيرانى والتركى، والحال أن بحثًا جديًا فى عثرات العمل العربى المشترك، بات حريًا بنا أن نُلحقه بالأجيال القادمة من الأنظمة العربية، عساها أكثر وعيًا بمقتضيات منظومة الأمن القومي العربي، إذ منوط بأنظمة تنشأ من رحم العلاقات الدولية المعاصرة، بتعقيداتها وتشابكاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أن تقرأ بعناية كيف أن الأرضية الاقتصادية هى السبيل الصحيح لبناء شراكات سياسية دولية حقيقية وجادة، مثلما التنمية «السياسية» وحدها القادرة على إنجاز مفهوم «التنمية الشاملة» بمضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 
ذلك ما أخبرتنا به التجربة الأوروبية، صاحبة الإنجاز الأبرز عالميًا، بما أنتجته من اتحاد أوروبى، كنموذج هو الأنجح؛ إذ منع تكرار حرب عالمية ثالثة، وأفاض فيما منحه للشعوب الأوروبية من فرص هائلة نحو الرفاهية، ورغم تزامن النشأة، عام ١٩٤٥، فعلها الاتحاد الأوروبى فانطلق بعيدًا إلى آفاق واسعة من التعاون والوحدة، مخترقاً الكثير من الصعاب العميقة، بينما توقف إنجاز جامعتنا العربية عند حد النجاح فى عقد القمة العربية بشكل سنوي!
• لا بديل عن إدراك مستجدات الأوضاع الناشئة بعد وصول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى الحكم. إذ ليس من شك فى ركاكة الرهان على أن صدامات أمريكية إيرانية في الطريق يمكن أن توفر للأمة العربية موقعًا آمنًا في ترتيب أولويات الأجندة الأمريكية في المنطقة، ومع الاعتراف بمؤسسية الدولة الأمريكية، إلا أن «دمقرطة» العالم العربي ليست أولوية كبيرة لدى إدارة الرئيس ترامب، هكذا يفكر الجمهوريون؛ ومن ثم ليس من المنتظر أن تنشأ احتكاكات عربية أمريكية تكون حقوق الإنسان ومجمل الحريات الإنسانية طرفًا كبيرًا فيها. 
إلا أن الجهد العربى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، «راجع الزعم العتيق بمركزيتها فى الضمير العربي»، من المتوقع أن تتراجع فرص النجاح في تلبية الحقوق الفلسطينية في عهد ترامب. 
الأمر الذي يشكل مانعًا عاليًا من توطيد العلاقات العربية الأمريكية، دون «تنازلات» ثقيلة على موائد التفاوض العربية الإسرائيلية.
• تشير النقطة السابقة إلى ضرورة وضع أجندة عربية، صريحة وكاشفة، عن رؤية عربية جديدة للصراع العربى الإسرائيلي، ربما تتطلب من الجميع البحث عن إبداع سياسي خلاق يمكن أن يضيف جديدًا إلى المبادرة العربية، التي مالت أوراقها إلى الإصفرار، منذ قدمتها السعودية ووافقت عليها الجامعة العربية، ولم تتحرك من موقعها منذ أن أطلقها، وقت أن كان وليًا للعهد، الملك السعودي الراحل عبدالله. 
وفى ذلك طرح السيد عمرو موسى، على استحياء، فكرة دولة موحدة، إسرائيلية فلسطينية، مستندًا إلى تاريخ من العيش المشترك بين الشعبين، متخطيًا في فكره عقبات كبيرة لم ننجح في تجاوزها على مدى عشرات السنين من التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي. 
غير أن بحثًا في مثل هذه الأفكار «الجريئة»، ربما لا يجد سندًا من القدرة العربية على كسر قوالب جامدة لطالما حبستنا عن ملاحقة الكثير من التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية.
 أقول ذلك ولا أرى قبولًا من الفلسطينيين للفكرة، وهم أصحاب القضية، ولا أجد كذلك ثقلًا عربيًا كافيًا لفرض تنفيذ حل الدولتين على المجتمع الدولى، وبينهم من يتاجر بالقضية. ولدىّ قناعة كاملة أن التعويل على عهد ترامب لإدراك حل الدولتين ليس إلا ضياعًا للوقت الذى فقد أهميته كثيرًا في الفكر العربي عمومًا، ما لم ترتفع القوة العربية، إقليميًا ودوليًا، إلى مستوى ما يواجهها من تحديات ومخاطر، وهو أمر ليس في المنظور القريب.
• بحكم تمدد الفكر السياسي الشعبوي، تبدو الساحة الدولية مهيأة لمواجهة الكثير من الإجراءات الحمائية، وهو ما يساعد الأمة العربية على العمل من أجل تعزيز فرص التعاون الاقتصادي العربي، وضخ المزيد من الاستثمارات العربية في مشروعات استراتيجية عملاقة من شأنها توطيد أواصر التعاون بين البلدان العربية، غير أن الأمر يتعلق أيضًا بتنقية المنطقة من كثير من المفاهيم المغلوطة، يأتى على رأسها التقسيم السنى الشيعى، كعنوان رئيسى للصراع السعودى الإيرانى، إذ ليس أخطر على المنطقة من تحويل صراعاتها السياسية إلى صراعات دينية لا فكاك من آثارها المدمرة على بنية المجتمعات العربية، قبل مخاطرها على الدولة ككيان سياسى، والأمر على هذا النحو منوط بنجاحنا فى «مأسسة» الأنظمة العربية، كأحد أوجه «الدولة المدنية الحديثة». 
• المباريات الصفرية متى سادت علاقاتنا العربية، سقط كل عمل عربى مشترك. ومن ثم علينا أن نقبل استمرار التعاون فى ظل وجود اختلافات فى وجهات النظر.
 وليس لنا إلا أن نسمح بقدر من تعارض المصالح التكتيكية، وهو أمر وارد ومنطقى ولا بديل عن الاعتراف به، إذا ما أردنا علاقات عربية رشيدة وناضجة لمستوى الروابط التاريخية بين الشعوب العربية، من ذلك أن نداء مصر ببناء قوة عربية مشتركة، لا ينبغى أن تكون الموافقة عليه، أو رفضه، معيارًا كافيًا لتأكيد المصالح العربية المشتركة، كذلك فإن نهج المقاطعة لم يعد يفيد فى العلاقات الدولية المعاصرة، بل يخصم كثيرًا من القوة السياسية للدولة، وعليه فعلاقات مصر الخارجية لا ينبغي أن تحد خريطتها العلاقات الخارجية للمملكة العربية السعودية أو غيرها من الدول العربية، لاحظ إيران، والحال نفسه بالنسبة للسعودية، فتميز علاقاتها بتركيا لا ينبغي أن يقلل من فرص نمو التعاون المصري السعودي، بل إن علاقات مصرية إيرانية متميزة، لا شك تدعم القوة السياسية لمصر، وتضيف إلى القوة السعودية، وتسمح بتمرير الكثير من الأوراق بين الجانبين وصولًا إلى تفاهمات منطقية. والحال نفسه فيما بين السعودية وتركيا. 
وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله، نفتش في نتائج وتبعات زيارة الرئيس السيسي إلى المملكة العربية السعودية، ونرصد تداعياتها، ونستشرف معها آفاق بناء «الدولة المدنية الحديثة» على الأرض العربية.