الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تخريب البلدان النامية أعلى مراحل الرأسمالية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى نهاية القرن التاسع عشر، أصبح عدد السكان فى العالم ١٦٠٠ مليون نسمة وكانوا ٩٠٠ مليون نسمة فحسب فى بدايته.
وفى الأثناء تضاعفت طاقات الإنتاج. تزايدت الحاجات، وأصبح الإنتاج يسبقها عادة وقد يخلفها أحيانا، وتضاعفت المبادلات الدولية فى سوق عالمية واحدة.
وتضاعفت وسائل المواصلات، وتزايدت سرعتها، ووصلت بين أطراف العالم كلها. وصارت عملة دولة واحدة هى الذهب. 
وتقررت حرية انتقال رأس المال دوليا. هذا بينما بلغ التقدم التكنيكى أوجا رفيعا باكتشاف الفحم والكهرباء والبترول كمصادر للطاقة. وفى الربع الأخير من القرن التاسع عشر كانت مرحلة التصنيع الأولى قد اكتملت، وحققت حركة تركز وتمركز رأس المال قفزات عالية واحتل المشروع الكبير مكان الصدارة. وأخذ يمتص المشروع الصغير أو يزيحه من الطريق. وأصبح المشروع الكبير بتخطيه لآلية المنافسة التى كانت تنظم سير الجهاز الاقتصادى هو أساس الاحتكار الفردى واحتكار الأقلية. واتخذ رأس المال بدافع الربح شكل صراع مرير من أجل الأسواق ومجالات الاستثمار ومصادر المواد الخام.
وفى بداية القرن العشرين، تداخل رأس المال الصناعى مع رأس المال المصرفى وتشكل رأس المال المالى أو التمويلى. وخرج رأس المال هذا بحثا عن المستعمرات الجديدة للاستثمار فيها بعد أن ضاقت به أسواقه المحلية. واستخدم رأس المال القوة لفتح المستعمرات الجديدة. لقد اعتمد تراكم رأس المال دائما على القوة، لكنه استخدمها هذه المرة من أجل إفساح المجال أمام تصدير رأس المال سواء لإدخال المبادلات السلعية أو للحصول على وسائل الإنتاج، ودائما لزيادة فائض القيمة عن معدله المحلى. واتخذ تصدير رأس المال صورا شتى: القروض المصرفية، الديون الحكومية، والاستثمارات المباشرة، ونتيجة لتقلبات معدلات الربح فى البلدان الصناعية انتشرت حركة التوسع فى الخارج.كما أن التفاوت فى تطور البلدان الرأسمالية نفسها قد أدى ويؤدى لتفاوت الاحتكارات فيما بينها، مما يؤدى بدوره إلى تغير علاقات القوى داخل الاحتكارات العالمية 
لم يعد الاحتكار فى صراعه على الأسواق العالمية يعتمد فحسب على حكومته من أجل أن يتخطى عوامل وعقبات ناشئة عن حركة السوق، وإنما تداخلت أيضا سلطة الاحتكار مع سلطة الدولة. ولم يعد أى احتكار مجرد احتكار خاص، وإنما هو احتكار مضمون من قبل الدولة، وإذ ينمو الاتجاه الكامن فى الاحتكار نحو الإشراف الكامل والمطلق على الاقتصاد القومى بأسره، غدت الحياة الاقتصادية بجميع جوانبها تحت إمرة الجماعات المالية السائدة.
فى هذه المرحلة من تطور الرأسمالية فى النظام الاقتصادى العالمى الذى تتحكم فيه الدول الرأسمالية وهى مرحلة الرأسمالية المالية، أصبح لتصدير رأس المال الأولوية على تصدير السلع. وأدمج اقتصاد المستعمرات القديمة بأكمله كاحتياطي- بالاقتصاد الرأسمالى. أصبحت المستعمرات تتولى برأس مال أجنبى وبعمالة محلية إنتاج الخامات والمنتجات الأولية التى تصدر إلى العالم الرأسمالى. واتخذت التجارة الخارجية للمستعمرات منوالا معينا: تصدير خامات مقابل استيراد مصنوعات، واتخذت لذلك آلية معينة: فهى تصدر أكثر مما تستورد، بحيث تحقق دائما ميزانا تجاريا موافقًا وبحيث يتجه الفرق الإيجابى لخدمة رأس المال الأجنبى، وكان على الفائض التجارى إذن أن يحقق ما يلى: توفير أغلب الاستهلاك السلعى الزائد لأوروبا فى صورة عجز صادراتها أو فائض وارداتها، وتمويل فائض صادرات الولايات المتحدة والمستعمرات إلى أوروبا والمساهمة فى تمويل الاستثمارات الخارجية لأوربا.
هكذا تكونت وتشكلت السوق الرأسمالية العالمية وتحددت أبعادها، ابتداء من القرن السادس عشر أصبحت التجارة الخارجية ذات أهمية غير عادية فى العلاقات الاقتصادية الدولية، ولقد ظهرت هذه التجارة امتدادا للتقسيم الاجتماعى للعمل، عندما تطورت العلاقات الاجتماعية فيما بين الجماعات المنفصلة داخل الدولة الواحدة إلى علاقات بين الدول أى أنها أصبحت علاقات فيما بين أمم منتجة. وقام التقسيم الدولى الرأسمالى للعمل تعبيرا عن علاقات الإنتاج الدولية وتشكلت السوق العالمية التى أعطت دفعة قوية لتطور أسلوب الإنتاج الرأسمالى. من هنا يمكن القول بأنه تاريخيا ظهرت السوق العالمية فى مرحلة الصناعة اليدوية الرأسمالية والتقسيم الدولى للعمل. وبذلك فإن التجارة هى التى أطلقت الثورة فى الصناعة، مثلما أدت هذه الصناعة إلى إطلاق الثورة التالية فى التجارة وهى الثورة التى لم تتوقف حتى اليوم.
ونظرًا لأن التجارة الدولة والسوق العالمية قد ظهرتا قبل التطور الكامل للاقتصاد الرأسمالى العالمى، فقد ساد الظن بأن السوق العالمية والتجارة الدولية هما أساس الاقتصاد العالمى، والواقع أن الاقتصاد، سواء كان قوميا أو دوليا، ليس سوى الإنتاج فى شكله المحدد، أى المرتبط بعلاقات إنتاج معينة، ومن ثم فإن العلاقات الدولية للإنتاج مرتبطة بالضرورة ارتباطا عضويا بالعلاقات الاجتماعية لهذا الإنتاج، ويصح هذا بصورة غير عادية على العلاقات الدولية للإنتاج الرأسمالى.
ففى الخمسينيات من القرن التاسع عشر عندما اكتملت الثورة الصناعية، ظهرت بحدة مشكلة تصريف الإنتاج السلعى الصناعى الحديث ومشكلة الحصول على الخامات اللازمة للصناعة النامية بكميات كافية وأسعار مناسبة، ومع تطور وازدهار طرق النقل والمواصلات، أخذت العلاقات التجارية الدولية تواصل بفاعلية متزايدة مهمة نهب البلدان الزراعية الضعيفة. وباسم حرية التجارة دخلت السلع المصنوعة إلى هذه الأسواق الجديدة التى جرت عملية إدماجها فى السوق الرأسمالية العالمية نفسها، ونتيجة للاتجاه الكامن فى الرأسمالية نحو توسيع الأسواق وتصدير رأس المال كان مطلوبا الإبقاء على البلدان قبل الرأسمالية فى وضع يسمح بأداء وظيفتها الاقتصادية العالمية الجديدة كمصدر للمحاصيل والخامات اللازمة للصناعة الرأسمالية، وأحكمت معها العلاقات التجارية، كما انتقلت إليها بعد ذلك رؤوس الأموال الباحثة عن المخاطرة الكبيرة والربح الأكبر. وهكذا جرى نهبها بلا رحمة، سواء كان النهب صريحا أو كان مقنعًا بغلالة رقيقة من التجارة الدولية، فلقد تحولت الثروات المنهوبة إلى رأس مال فى البلدان الأم. بينما انخرطت البلدان غير الرأسمالية كملحقات للبلدان الرأسمالية فى إطار السوق الرأسمالية العالمية. وقام التخلف كظاهرة من ظواهر التطور غير المتكافئ للنظام الرأسمالى العالمى، ومن ثم كثمرة من ثمار التطور الرأسمالى على أساس عالمى. على هذا النحو، تشكل النظام الرأسمالى العالمى بقطاعيه الرأسمالى وقبل الرأسمالى، بقطاعه المتقدم وقطاعه المتخلف. ومن هنا، فليست أوضاع التخلف هنا سوى الوجه الآخر لأوضاع التقدم هناك فالتخلف إذن هو الظاهرة الطبيعية والنتيجة الحتمية لعدوان أسلوب الإنتاج الرأسمالى من الخارج على مجتمعات قبل رأسمالية، وهو عملية إعادة تشكيل هذه المجتمعات الفقيرة والمتخلقة والتى لم تدخل نادى الرأسمالية لتكون فى خدمة السوق الرأسمالية العالمية، وليس التخلف كما قد يتبادر لبعض الأذهان هو المرحلة الأولى من النمو، كذلك فليس التخلف هو سكون المجتمعات وعدم نموها، بل هو مرحلة تاريخية أكثر تعقيدًا، إن اندماج البلدان قبل الرأسمالية فى الاقتصاد الرأسمالى العالمى واقتحام الرأسمالية العالمية لهذه البلدان قبل الرأسمالية بأسلوب العنف قد أدخل على نموها الاقتصادى تغييرات جوهرية شاملة، فمن المؤكد أن هذه البلدان كانت تنمو نموها الطبيعى- أيا تكن درجته فى إطار هياكلها القديمة، بغض النظر عن سرعة وعمق وشمول النمو فى كل بلد. وبغض النظر عن تفاوته بالضرورة من بلد إلى آخر، فإنه من المسلم به مثلا أن بلدا كمصر كان فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر يشق طريقه الخاص نحو الرأسمالية، فمن أجل تطوير زراعة القطن وقصب السكر بهدف التصدير والتصنيع، عرفت الزراعة المصرية آلات الرى والمحاريث البخارية والمزارع النموذجية ومحالج القطن ومصانع السكر، وجرى تحويل الفلاحين من أقنان للأرض إلى عمال إجراء أو شركاء فى المحصول. كانت عملية تحلل الريف المصرى تجرى بنشاط بينما كانت الصناعة الآلية الكبيرة تنمو على حساب الصناعة اليدوية. ولم يكن هناك ما يحول دون أن يستمر النمو الاقتصادى إلى نهايته. غير أن اقتحام الرأسمالية العالمية لمصر وغيرها من البلدان المماثلة قد جعلها مسرحا لعمليات النهب السريع من قبل المقاولين والمهندسين والمستثمرين والمغامرين والأفاقين الأجانب الذين انهمكوا منذ منتصف القرن التاسع عشر فى عملية إعادة تشكيل الاقتصاد المصرى ليسير فى اتجاه واحد هو تصدير الخامات للبلدان الرأسمالية.
ولقد لخص كرومر، ممثل الاحتلال البريطانى سياسته فى مصر فيما يلى: تصدير القطن إلى أوروبا برسم تصدير بلغ ١٪، واستيراد المنسوجات القطنية برسم استيراد بلغ ٨٪، وأعلن أنه « ليس فى نية الحكومة أن تبقى على الصناعة القطنية المصرية بسبب الأخطار والشرور الناجمة عنها، وقال فى ذلك قولته المشهورة: فإن مصر بلد زراعى بطبيعتها واشتغالها بالصناعة إنما يؤدى إلى إهمال الزراعة وصرف المصريين عن الأرض. وبذلك قضى بالخراب على مراكز الصناعة فى مصر: الغزل والنسج والصباغة والخيام والتطريز والأحذية والجواهر وطحن الغلال والنحاس وصناعة الزجاج والسروج والأخشاب والمعادن. وقامت المقاهى ومحلات بيع السلع الأوروبية مكان الورش التى كانت مزدهرة من قبل.