رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الكواليس السرية للشرق الأوسط "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع «يفجينى بريماكوف» الكشف عن الكواليس السرية للأحداث الساخنة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بقوله، «لم تستطع الجامعة العربية التى أنشئت عام ١٩٤٥ أن تنجز مهمتها ليس فقط فى توحيد الدول العربية، بل فى تحقيق تكاملهم فى مؤسسة واحدة، حتى ولو مع محافظة كل دولة على استقلالها، فكرة إنشاء منظمة عربية مشتركة مصدرها لندن التى ربطت بها مخطط الحفاظ على احتكار السيطرة على الشرق الأوسط، من المستبعد أن يكون المجتمع العربى حينها كان يعرف هذا المخطط، وكثيرون كانوا يعتقدون أن الجامعة العربية مهمة للأمام لتحقيق الوحدة العربية، ومن الممكن ظهور دولة عربية واحدة على خريطة العالم، حتى لو كانت فى صورة كونفيدرالية. لكن هذا لم يحدث». 
فى القمم التى عقدت، تمكنت الجامعة العربية من فض نزاعات وتسوية خلافات بين العرب، وقد حدث هذا أحيانًا فى أشكال كاريكاتيرية، ولكنه حدث، مثال نموذجى، قمة جامعة الدول العربية بالقاهرة بعد «أيلول الأسود» ١٩٧٠ فيما عرف بالصدام الدموى الأردنى ـ الفلسطينى، فى البداية، صاح الزعيم الليبى القذافى، بأنه لن يجلس على طاولة واحدة مع «القاتل» ملك الأردن حسين، وهمّ كل منهما بإخراج سلاحه، حينها قام ملك المملكة العربية السعودية وبصعوبة أمسك يديهما عن ذلك، وبعدها وبفضل التدخل الهادئ من ناصر احتضنا بعضهما، لكن هذه الأحضان لم تنعكس على العلاقات بين الدول العربية. 
يقول سعيد أبوريش، أحد الذين كتبوا عن ناصر فى كتابه: «اصطدم شوق العرب للوحدة بالواقع الموجود، وتضاءل تأثيرها الرومانسى على المواطن العربى البسيط من يوم لآخر، فالمسيحيون اللبنانيون كانوا يخشون الغرق فى البحر الإسلامى، وهو ما سيحرمهم من هويتهم، الأردنيون ليس لهم تاريخ طويل، ولم تكن لديهم رغبة فى أن ينزلوا لمستوى قبيلة صغيرة، والعراقيون كانوا يحتاجون إلى شيء ما له القدرة على اقتلاع عرقيتهم واختلافاتهم المذهبية، الأكراد على سبيل المثال، ظروفهم ستكون أسوأ بكثير إذا عاشوا فى دولة عربية أكبر من العراق، أما السوريون فقد رفضوا كل ما يلغى وضعهم كقادة، لأنهم يعتقدون أنهم أكثر انتسابًا للعرب من الآخرين، فيما يخص المملكة العربية السعودية، فقد أعربت عن مخاوفها من أنها سيكون عليها تقاسم ثرواتها النفطية مع العرب الفقراء من مصر وسوريا والأردن». 
انعكس الهدوء التدريجى للنزعة العربية للوحدة على النزاع العربى ـ الإسرائيلى، ففى بعض الأحيان كانت الدول ذات العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل تقلص دعمها للفلسطينيين، وتظهر معايير أخرى تنعكس على تصرفات بعض الدول العربية. بعد الصدام الشيعى ـ السنى فى العراق، الذى تحتله القوات الأمريكية، أحيانًا يظهر الطابع السنى لهذه الدولة العربية أو تلك تجاه «حزب الله» الشيعى، حدث هذا على سبيل المثال، إذ لم يستطع وزراء الخارجية العرب الأعضاء فى الجامعة العربية، التوصل إلى موقف موحد حول الأحداث فى لبنان عام ٢٠٠٦. ويمكن اعتبار ١٢ نوفمبر ٢٠١١، قمة ما حدث بهذا الخصوص، عندما أصدرت الجامعة العربية بأغلبية ١٩ عضوًا من ٢٢ من المشاركين قرارًا بوقف عضوية سوريا فى الجامعة العربية، وهددت نظام الأسد بتوقيع عقوبات عليه إذا لم يوقف إطلاق النار ضد قوات المعارضة، وكما هو متصور السبب الذى سيطر على أغلب الدول العربية للموافقة على مثل هذه الخطوة، وهو قرب النظام السورى من إيران، ويمكن استعراض خطين غير متطابقين بشكل واضح، أحدهما للولايات المتحدة، والآخر للاتحاد السوفيتى، وأعتقد أنه فى واشنطن وفى موسكو على حد سواء، كانوا يدركون أنه لا مستقبل لإقامة أى كيان عربى تكاملى كبير بين الدول العربية، فى الدعاية السوفيتية كثيرا ما كانوا يعلنون دعمهم لشعار الوحدة العربية، لكن تحت هذا الشعار كانوا يقصدون وحدة العرب على طريق النضال من أجل التحرر الوطنى ضد محاولات الغرب للقضاء على أنظمة البرجوازية الصغيرة الثورية، الولايات المتحدة فى نفس الوقت كانت تريد أن يتقارب العرب، ولكن على أساس محورى، محور ضد الناصرية أو ضد سوريا، أو بعبارة أخرى وجهوا القضية لخلق ظروف ملائمة للصراع مع الأنظمة الوطنية بدعم الأنظمة العربية المحافظة التى لها علاقة وثيقة بالولايات المتحدة. 
ويطرح بريماكوف سؤالًا هامًا، ما هو الاستنتاج العام الذى من الممكن أن نستخلصه من هذا؟ إلى جانب القومية التى لم تتحقق بين العرب، والتى انحسرت تحت ضغط المصالح الخاصة لكل دولة عربية على حدة، ومن ثم الاختفاء الحاد، وفى نهاية الأمر خروج القومية الثورية للبرجوازية الصغيرة التى كانت من خصائص عدد كبير من أنظمة الدول العربية المتحررة من براثن سيطرة الدول الغربية، من مسرح التاريخ، نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد وعشرين، تميزت بنشاط حاد لقوى مرتبطة بالأيديولوجية الإسلامية، وساعد على ذلك بدرجة كبيرة، التأخر فى حل النزاع العربى ـ الإسرائيلى، وغزو القوات السوفيتية لأفغانستان، وبعد انسحاب هذه القوات، كانت عملية الولايات المتحدة فى العراق.