الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

كاتب بريطاني: المدّ الشعبوي الراهن ليس نتيجة للحالة الاقتصادية فقط

الرئيس الأمريكي دونالد
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قال الكاتب البريطاني فيليب ستيفنز، إن مؤتمر ميونيخ للأمن طالما اعتيد أن يكون ملتقى يتحدث فيه القادة الغربيون عن أخطار تهدد أماكن أخرى بالعالم؛ لكن هذا العام كان حديثهم كله عن أخطار تهدد الديمقراطية في الداخل.

ورصد ستيفنز –في مقال نشرته صحيفة الـفاينانشيال تايمز- كيف تصدّر دونالد ترامب قائمة مخاوف جميع القادة الأوروبيين الذين انتابهم القلق من أسابيع الرئيس الأمريكي الأولى في الحكم؛ فيما وعد الأمريكيون بأن يبذلوا قصاراهم لإيقافه، إن الجميع أصابهم اليأس إزاء تلاشي الحدّ الفاصل بين الحقيقة والأكاذيب.

ونوه الكاتب إلى أن الحديث المتجهم بحقّ لم يكن حول حقيقة ترامب بقدر ما كان عن حقيقة انتخابه للبيت الأبيض من جانب المصوتين؛ وكما هو حال الديماجوجيين عبر التاريخ، اقتنص هو الفرصة المقدمة إليه على طبق من عدم رضا جماهيري عميق عن الأوضاع السائدة.

ورأى ستيفنز أن الكوادر السياسية بعيدة عن تشخيصٍ متفق عليه لهذا المرض، فضلا عن وضْع وصْفةٍ لعلاجه؛ ولا شك في أن استراتيجية الاحتواء التي تتبناها مؤسسة الجمهوريين كفيلة بتهذيب نوازع الرئيس؛ لكن ماذا عن "الحركة" التي يرمز لها: المدّ الشعبوي.

وأوضح صاحب المقال أن المدّ الشعبوي ليس مقتصرا على الولايات المتحدة، وإنما لعب دورًا كذلك في تصويت بريطانيا على استفتاء مصير البلاد في الاتحاد الأوروبي، كما أن هذا المدّ يجد أصداءً تتجلى في قومية اليمين المتطرف عبر أوروبا، وإذا ما سارت الأمور على نحو سيء فإن مارين لوبان زعيمة الجبهة الشعبية المعادية للأجانب في فرنسا قد تصل إلى قصر الإليزيه؛ ليكون سباق الرئاسة الفرنسي أهم حدث سياسي مترتب على ذلك عام 2017، وإذا كان من دواعي القلق أن ترامب يزدري بناء "مجتمع أطلنطا ما بعد الحرب"، فإن مارين لوبان سوف تمزق هذا المجتمع.

وفسّر ستيفنز ما حدث بأن قطاعات واسعة من الناخبين قد تراجعت عن قبولها للنظام الديمقراطي؛ فعلى مدى 70 عاما كان الجدل السياسي السائد في الديمقراطيات الليبرالية متمركزًا حول "الوسائل"، وقد يختلف اليمين واليسار حول توزيع السُلطة وحول العلاقة بين الدولة والفرد ومحل التغير المجتمعي غير أنهما (اليمين واليسار) يتفقان على إطار العمل الجماعي ذاته.

لكن ما حدث، بحسب الكاتب، هو أن الشعبويين قد قلبوا مسألة الجدل السياسي فصار الآن متمركزًا حول "الغايات": إن المستر ترامب -مدفوعا بمستشاره الاستراتيجي ستيفن بانون- يتخيل نظاما مختلفا كليا، نظاما قوميا حمائيا يؤكد امتيازات السكان الأصليين ذوي البشرة البيضاء والأغلبية المسيحية، نظاما لا مكان فيه لقيم النظام القديم من كرامة إنسانية وتعددية وسيادة للقانون وحماية للأقليات، نظاما سياساته ترتبط بالهوية.

ورصد الكاتب تساؤل الجميع: "لماذا الآن نجح ترامب ولوبان فيما فشل فيه آخرون من استغلال غضب وقلق الكثيرين؟" إن ركود الدخول وتغطرس النخبة وتقشُّف ما بعد الانهيار وانعدام الأمن بفعل التكنولوجيا والعولمة والصدمات الثقافية بفعل الهجرة – كل ذلك لا شك أنه قد لعب دورًا ولكن ليس هذا هو كل شيء، وهو لا يفسر الطاقة الضاربة وراء هذا المدّ الشعبوي، إن المسألة ليست مسألة ركود مستويات المعيشة ولا ارتفاع معدلات الهجرة.

وعمد الكاتب إلى كلمات كتبها الروائي البريطاني الشهير جورج أورويل في أربعينيات القرن الماضي: "البشر لا تقتصر حاجتهم على الراحة والأمن وقلة ساعات العمل والصحة وتحديد النسل والنظام بشكل عام؛ ولكنهم بحاجة أيضا، ولو بشكل متقطع، إلى الصراع والتضحية بالنفس، ناهيك عن دقات الطبول والأعلام والمواكب العسكرية التي تدين بالولاء".

ورأى ستيفنز أن كلمات أورويل هذه تفيد في تفسير أسباب ظهور المد الشعبوي الراهن، ولربما كان ليضيف "أن الصراع الموعود متجذرٌ في الهوية مع الآخر ولم تكن موجات النازية والفاشية سوى أعراض نفسية لتلك الحاجات البشرية، إن النوازع البشرية تغلب على الحسابات الاقتصادية وتُنّحيها جانبا، وهذا هو تفسير ما يحدث اليوم من ظهور المدّ الشعبوي.