رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كوابيس محتملة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس كاتب هذه الأسطر داعية تشاؤم، كما أنه ليس أيضًا مولعًا بتيئيس القراء أو دفعهم إلى الإحباط. مع ذلك، من واجبات الكاتب إشعار القارئ بطبيعة المرحلة التى تُعاش، وتنبيهه إلى ما قد تنطوى عليه من مخاطر وتحدّيات.
وفى هذا المعنى، يصعب على من يتناول واقع العالم اليوم - مع صعود الشعبويّات القومية ووصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية - أن يتجنب الكلام الحذر والصور السوداء. فالآفاق الكونية ملبدة بغيوم لم نرَ مثلها منذ عشرات السنين. وقد يكفى أن نتخيل، فى هذه العجالة، بعض السيناريوهات الكارثية التى كانت لتبدو، قبل عامين فقط، من صنع الخيال وحده، إلا أنها تقع اليوم فى حقل الممكن:
فلنتخيل، مثلًا، أن ينتج عن تصاعد اللغة العنصرية فى الولايات المتحدة الأمريكية، مصحوبًا بانتشار السلاح الفردى هناك (وهو ما أعلن دونالد ترامب فى حملته الانتخابية تمسكه به)، شيوع أعمال قتل وانتقام يُنزلها بيض بسود أو سود ببيض، أو أفراد وجماعات من أى فئة إثنية أو دينية بأفراد وجماعات من فئة أخرى. ولنتصوّر كيف يمكن لأمر كهذا أن يتطور فى ظل الخلفية التاريخية المعروفة. أو لنتخيل حربًا تجارية تقع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، أو بين بريطانيا - التى انسحبت من الاتحاد الأوروبى مؤخرًا - وباقى أوروبا، مع ما قد يستجره ذلك من مواجهات عسكرية كانت حتى وقت قصير مستبعدة جدًّا، بل أقرب إلى الخرافة. أو لنتخيل كيف ستغدو الحياة فى تعرضها للتصحر ولجنون الطبيعة المطلق، بنتيجة التنصل الأمريكى فى عهد ترامب من اتفاقات مؤتمر باريس الأخيرة، والنكوص بالتالى عن مواجهة تسخين الأرض وما يتسبب به من نتائج كارثية على الأرض والبشر.
أو لنتخيل إفضاء الانتخابات الفرنسية والهولندية الوشيكة إلى انهيار الاتحاد الأوروبى، بوصفه أول تجاوز فى التاريخ للدولة - الأمة يتحقق بالإرادة الطوعية والديمقراطية للمواطنين أنفسهم. ونتيجةٌ كهذه ستجد ما يعززها فى استفتاء «بريكسيت» البريطانى، كما فى أزمة اقتصادية لم تتعاف منها «القارّة العجوز»، على ما تدلّ أوضاع اليونان واحتمالات انهيار القطاع المصرفى فى إيطاليا.
أو لنتخيل أخيرًا، وهذا ما يعنينا على نحو مباشر، تحول البحر الأبيض المتوسط، الذى طويلًا ما اعتُبر بحيرة سلام وتبادل وحوار، إلى بحيرة حرب بين «العالم المسلم» فى الجنوب و«العالم المسيحى» فى الشمال، تحت وطأة العداء المتنامى للمسلمين وللهجرة واللجوء فى مقابل تنامى التطرف والإرهاب التكفيرى.
هذه الفرضيات الكابوسية الممكنة وغيرها كافية لإقناعنا بالمخاطر المترتبة على صعود اليمين الشعبوى والقومى فى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية سواء بسواء، وعلى احتلال مسألة «الهوية» الموقع المركزي فى السياسة والأفكار، فضلًا عن العواطف. وهى فرضيات إنما تحض على التفكير بالعالم من منظور كونى لم يعد يستطيع أن يتجنبه، بعد اليوم، أى تفكير محلى أو انعزالى، وذلك تمهيدًا لتأسيس رد كونى على هذا التحدى الذى يطال كل أمم الكون وشعوبه من دون استثناء. صحيح أن الرد على التحدى الشعبوى والقومى الراهن تواجهه صعوبة لم توجد إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، ألا وهى ضعف المرجعية الديمقراطية وتصدعها، لاسيما بعد انتخاب ترامب، وفى ظل التقارب المرجّح بين واشنطن الترامبية وموسكو البوتينية، وربما باريس - فيّون فى غد قريب، حيث ترتفع أعلام الشعبوية القومية فى هذه العواصم جميعًا. بيد أن الإنسانية التقدمية - وكائنة ما كانت الصعوبات - لا تملك إلا أن تقاوم هذا الخطر على إنسانيتها. وغنى عن القول إن الشعوب العربية معنيّة بالأمر، مثلها مثل باقى شعوب العالم، ما دامت شريكة فى هذه الإنسانيّة التى تواجه الخطر.
نقلًا عن «العربية»