الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

السؤال الصعب: كيف تحول الأسوياء إلى أعضاء بخلايا العنف؟

عمليات «الذئاب المنفردة» تهدف إلى الانتقام من الدولة

العميد خالد عكاشة
العميد خالد عكاشة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الاقتراب من الإطار العام السلوكى الذى يحيط عادة بالأشخاص الذين يمكن تسميتهم بالذئاب المنفردة أو بغيرهم ممن هم عناصر محتملة، تسير على تخوم هذا التوصيف، يكشف مجموعة من السمات المشتركة أولًا: حالة الجهل لدى الذئب المنفرد بحقائق كثيرة ومنها المفاهيم الحديثة المرتبطة بالعصر الحالى، مقترنا بفسحة من الإفراط فى التدين لدى الذئب المنفرد، يساعد على سرعة تأثره بالأفكار المتطرفة التى تبثها المواقع الجهادية، وثانيًا: استقبال هؤلاء لما يعتبرونه دليلا إرشاديا يرسم الطريق الذى يودون سلوكه باعتباره من مقتضيات الدين الإسلامى الصحيح، وهذا ينقلهم بالتبعية إلى المرحلة الثالثة التى تدفعهم لتكوين القناعة الخاطئة بأنهم أى الذئاب المنفردة بسلوكهم هذا، إنما يقدمون هدية للدين الإسلامى تضعهم على طريق الجنة بحورياتها وجناتها الوارفة.
لكن تلك المعادلة المتدرجة والمبسطة على أهميتها واقترابها اللصيق من الواقع السلوكى القابل للتطرف وارتكاب العنف، ربما لم تحط بشكل أكثر تفصيلًا من الناحية النظرية التى ما زالت تعانى قصورًا فى التفسير الشامل لحداثة الظاهرة من ناحية، ومن ناحية أخرى لعدم القدرة على ملاحقة تطورات هذا السلوك الجديد.
وفى هذا السياق تجدر الإشارة إلى إحدي أبرز الدراسات الغربية التى حملت عنوان «ظاهرة الذئب المنفرد: تقييم الملفات الشخصية» حيث تأتى أهمية تلك الدراسة أنها تستعرض الجهود النظرية المبذولة لفهم هذه الظاهرة، مع التطبيق على حالات عملية مكنها من وضع استنتاجات وخلاصات نظرية وأجرى الدراسة كل من «أورلاندرى دانزل، وليساندرا مونتانيز» من جامعة ميرسى هيرست بالولايات المتحدة ونشرت فى دورية «Behavioral Science of Terrorism and Political Aggression» فى سبتمبر ٢٠١٥.
طرحت الدراسة مجموعة من المؤشرات على تصاعد ظاهرة الذئاب المنفردة، إذ أشارت إلى أن هجمات هؤلاء الذئاب آخذة فى الارتفاع فى الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية والغربية مثل «المملكة المتحدة، وألمانيا»، وهى الدول التى شهدت ١٩٨ هجمة إرهابية نفذتها الذئاب المنفردة فى الفترة من ١٩٧٠ إلى عام ٢٠٠٠، كما أوضحت أن هجمات الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، زادت بنسبة ٤٥٪ فهى الدولة الأكثر استهدافًا فى الفترة من ١٩٩٠ حتى ٢٠١٣ بنحو ٤٦ عملية، بنسبة ٦٣٪ من إجمالى العمليات على مستوى العالم، وتوضح الدراسة أن الجدل الحالى بين العلماء وصانعى القرار حول ظاهرة الذئاب المنفردة، يشير إلى أنها لم تصبح تهديدًا أمنيًا هائلًا فحسب، لكنها باتت تفرض مزيدًا من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على المجتمعات، ما دفع الباحثين والمحللين إلى بذل مزيد من الجهود النظرية للكشف عن أنماط الأفراد المعرضين للتحول إلى ذئاب منفردة، وبالتالى المساهمة فى ظاهرة الإرهاب العالمية، وقد حاولت دراسة كل من دانزل ومونتانيز تقديم ملخص للاقترابات الثلاثة المحددة لمعايير تحديد هذه الظاهرة وتفسيرها فذكرتهم وأوردتهم على هذا النحو:
١ ـ الاقتراب التعريفي: هو أحد الاقترابات الذى يوفر أطرًا نظرية مفيدة لتحديد العناصر الرئيسية لظاهرة الذئب المنفرد، حيث حدد أحد هذه الأطر ثلاثة معايير لإطلاق مسمى «الذئب المنفرد» على العمل الإرهابى، وهي: أن تتم بشكل فردى، وألا ينتمى منفذ العملية لتنظيم إرهابى، وأن يتم التخطيط للعملية دون تدخل أى عناصر خارجية أو قيادات هيراركية.
ووفق هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن «معهد الاتحاد الأوروبى للدراسات الأمنية» سلط الضوء على عدة مبادئ أساسية فى تعريف ظاهرة «الذئب المنفرد»، وهي: أن يكون هناك تمييز واضح بين الذئب المنفرد والعمليات الإرهابية التقليدية، فرغم أن الذئب المنفرد يمكن أن يحصل على دعم أحد التنظيمات الإرهابية الكبيرة، إلا أنه لا يتلقى دعمًا ماديًا مباشرًا من هذا التنظيم، ويعمل وحيدًا، وقد يكون الذئب المنفرد متعاطفًا مع جماعة إرهابية ما، أو ينتمى إلى نفس أيديولوجية هذه الجماعة، ولكن لا يجب أن يكون جزءًا من هيكلها التنظيمى.
٢ ـ الاقتراب المعياري: يتضاءل حاليًا حجم الأدبيات التى باتت تستخدم القصور العقلى كمدخل وحيد لتفسير ظاهرة الذئب المنفرد، حيث حاول عدد محدود من العلماء وضع عدة نماذج تفسيرية لفهم هذه الظاهرة من أكثر من منظور، إحدى هذه المحاولات تمثلت فى تصنيف الذئب المنفرد إلى خمس فئات: «العلمانى، غريب الأطوار، المتدين، ذو القضية الواحدة، المجرم الجنائي»، وهذه التصنيفات غالبًا ما تساعد فى تفسير سلوك الذئاب المنفردة بشكل أفضل.
وهناك تصنيف آخر وضع أربعة أبعاد أساسية لظاهرة الذئب المنفرد، أولًا: التطرف، وهو أحد الأبعاد التى اتفق جميع العلماء أنها جزء أساسى فى هذه الظاهرة، والاختلاف الوحيد فى هذا البعد هو كيفية تطور التطرف، عن طريق التنشئة الاجتماعية أم عن طريق عوامل ذاتية؟. 
ثانيًا: العوامل المحفزة، ويتراوح هذا البعد بين الإرهابى الأنانى الذى يضع نفسه فى مكانة أسمى من القضية ذاتها، والإرهابى الذى ينكر ذاته ويضحى بنفسه فى سبيل القضية. 
ثالثًا: شكل العمل الإرهابى، وهنا يجب التمييز بين الحدث الإرهابى الواحد والأحداث التسلسلية، وهذه الأحداث إما أن تكون فوضوية أو وظيفية، وهو الأمر الذى لا يمكن استنتاجه إلا عقب وقوع الحادث. 
رابعًا: درجة المخاطرة المقبولة من جانب الإرهابى، فهناك من يبحث عن المخاطرة، وهناك من ينفر منها ويهرب ويتحوط منها قدر الإمكان. 
٣ ـ اقتراب التطرف: يعتبر هذا الاقتراب أقل الاقترابات تطورًا بين العلماء فيما يتعلق بظاهرة الذئب المنفرد، ولكنه اقتراب واعد قد يحمل فى طياته الكثير لتطوير دراسة هذه الظاهرة، ويعرف على أنه: «عملية شخصية، يتبنى الفرد خلالها مثلًا تطلعات سياسية أو اجتماعية أو دينية متطرفة، ويسعى لتحقيق أهداف هذه التطلعات من خلال استخدام العنف العشوائي»، وبشكل عام فإن عملية التطرف هى «مسار نفسى، إذا توفرت الظروف المناسبة له، يمكن أن يلحق بأى شخص أو جماعة أو أمة». 
ونحن نرى أنه بالنسبة للآليات التى يمكن أن تؤجج التطرف الفردى، فإنها تتلخص فى المظلمة الشخصية، أو المظلمة الجماعية، وخلافا للإرهابيين التقليديين، فإن الذئاب المنفردة تجمع فى كثير من الأحيان بين الثأر الشخصى والمظالم الدينية أو السياسية الجماعية، فهما معًا يشكلان دافعًا قويًا لتحدى السلطة الحاكمة، مع ملاحظة أن معظم عمليات الذئاب المنفردة تحمل تحديًا للسلطات السياسية، حيث نجد أن هدف الذئب المنفرد لا يتمثل فقط فى تحقيق العدالة «معاقبة المخطئ»، ولكنه يسعى إلى الانتقام «أن يقوم هو بمعاقبة المخطئ».
من المفاهيم التى كان ينظر إليها بحسبها قد حققت قدرًا مقبولًا من الرسوخ، أن عمليات التطور والتحديث المجتمعى عادة ما تقود إلى تقليل حدة العنف بشكل عام، وهو ما أكده عالم الاجتماع «مايكل كومنز» من أن تطور المجتمعات يشبه تطور الأفراد وعادة ما يقود إلى الاستقرار، وتقليل حدة العنف، على أن تحدث عملية التطوير والتحديث بشكل تدريجى وألا يتم تخطى بعض المراحل، كما يجب أن تشمل كل أفراد المجتمع، كما أثبتت التجربة أن ميل الإنسان إلى العنف لا ينبع من دافع واحد بل مجموعة من الدوافع، ومن أجل اقتراب أكثر للتوصل إلى الأسلوب الذى يمكن من خلاله تفهم بعض من مسببات التحول لدى الأشخاص تجاه الإرهاب العنيف، قام عالما الاجتماع «آلان كروجر وجيتكا مالكوفا» بإجراء تجربة تم التوصل من خلالها إلى أن شعور الأفراد بانتهاك حقوقهم الأساسية والشعور الدائم بالإهانة، هو العامل الأكثر تأثيرا فيما يتعلق بالانخراط فى الإرهاب، مقارنة بعاملى الفقر وقلة التعليم، ووفقًا لهما، يجب التركيز على تحقيق العدالة والمساواة فى المجتمع لكى يتم الحد من النشاط الإرهابى العنيف، حيث إن الشخص المسالم لا يتحول إلى إرهابى بشكل مفاجئ، بل تحدث له تغيرات بشكل تدريجى، بيد أن مجتمعه المحيط قد لا يلاحظها أو يميل إلى تكذيبها، كما تؤيد التجربة أن غياب العدالة الاجتماعية وعمليات التحديث المجتمعى العشوائية، من أهم المحفزات التى تساعد فى إيجاد البيئة الملائمة لصعود الإرهابيين.
والمقاربات النفسية والاجتماعية بقدر ما هى تحاول أن تعطى مرجعيات شاملة تتسبب فى الجنوح للعنف والتطرف، تطرح مجموعة واسعة من المتناقضات فى الوقت نفسه، فالظاهر أنه على النقيض من الصورة النمطية الشائعة عن الإرهابى بأنه شخص بدائى منغلق ومتطرف، كثيرا ما يكون الإرهابى شخصًا اجتماعيًا ليس لديه تاريخ سابق من العنف، ولهذا يكون رد فعل المجتمع المحيط به فى كثير من الأحيان الاستنكار وعدم التصديق، بل وادعاء وجود خطأ أو مؤامرة ما أدت إلى اتهامه، ومن خلال هذه المهمة الشاقة يحاول علم النفس بفروعه المختلفة تقديم تفسيرات معقولة لظاهرة التطرف والإرهاب من منطلق اهتمامه بديناميكيات التنظيمات، والتأثير والإقناع وتغيير الاتجاهات، وسيكولوجية الطاعة، وتحول الإنسان من كائن خير إلى آخر شرير، والحرب النفسية. 
ويعود الاهتمام بالجوانب النفسية إلى توظيف تنظيم داعش للأساليب والنظريات النفسية بأسلوب فعال غير مسبوق من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، ما يدل على طابع مؤسسى واحترافى فى إدارة خطابه الإعلامى ووسائل الاستقطاب القائمة على المعرفة النفسية العلمية، وفى هذا السياق يقدم عالم النفس «فيل زيمباردو» تفسيرًا لعملية تحول الإنسان إلى الشر يمكن توظيفه لفهم العوامل المؤدية للسلوك الإرهابى المتطرف، حيث يعزو «زيمباردو» أسباب السلوك الإنسانى، ومن ذلك السلوك العدوانى والإرهابى المتطرف إلى ثلاثة عوامل تعمل مجتمعة وتتفاعل فيما بينها وهى باختصار:
ـ السمات الشخصية للفرد واستعداده النفسى ونزعته لسلوك معين، وهذا يتشكل من خلال الأساليب التربوية والبيئة الاجتماعية التى يعيش فيها، ما يجعل بعض الأفراد، ونظرًا إلى تكوينهم النفسى، أكثر احتمالًا للتأثر بالأفكار المتطرفة والقيام بأعمال عنف وإرهاب.
ـ المنظومة الثقافية والاجتماعية والسياسية التى يعيش فيها الشخص، وتشمل المعايير والأنظمة والقوانين والمعايير الاجتماعية، وثقافة المجتمع بشكل عام وتشمل البيئة على المستويين المحلى أو العالمى.
ـ السياق الآنى الذى يوجد فيه الشخص فى وقت من الأوقات، فهو قد يشكل دافعًا للفرد لتبنى موقف أو سلوك معين، وتدخل تحت ذلك السياق المؤثرات الاجتماعية والإعلامية وغيرها.
لذلك نلحظ أن التفسير المبسط الذى يعتمد على عزو أسباب تأثر الشباب بأفكار تنظيم داعش والانضمام إليه أو التعاطف معه لعامل أو سبب واحد، يعيق فهم الظاهرة بشكل صحيح، ولا يمكن أن يؤدى إلى حلول فعالة لها، بل إنه قد يساهم فى تفاقمها وانتشارها وخروجها عن التحكم، وفى رحلة البحث تلك عن «البروفايل» الشخصى للإرهابى بطريقة محددة أو معينة للشخصية المتطرفة ومنها داعش كنموذج، صارت دون جدوى كبيرة، فنوعية المنتمين لداعش أو المتأثرين به أصبحت متنوعة بشكل كبير، وباعتبار تنظيم داعش نموذجًا حقق قدرًا لا يمكن تجاوزه فى التأثير الواسع النطاق على أعضائه، وخصوصا المستقطبين الجدد، يكون من المهم توظيف تلك الأدوات والآليات لفهم الظاهرة بشكل معمق، وألا يطغى فى هذه المقاربة الشكل على حساب المضمون.