الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

لماذا أصبح المسلمون متخلفين؟

حمدي زقزوق يجيب عن السؤال الصعب فى كتاب جديد

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شيوع الأمية واختزال الدين في الشعائر والتشدد والتطرف والتشرذم أبرز الأسباب
وزير الأوقاف الأسبق: غير المتطرفين يواجهون اتهامًا بضعف إيمانهم
الخوارج يواظبون على الصلاة والصيام ويستحلون قتل الأبرياء من المختلفين معهم فى الرأى
صدر مؤخرًا عن مجلس حكماء المسلمين كتاب «المسلمون فى مفترق الطرق» للدكتور حمدى زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، عضو بيت العائلة المصرى، رئيس مركز الأزهر للحوار.
الكتاب يتكون من ثلاثة أقسام، الأول بعنوان «المسلمون والمشكلة الحضارية»، حيث يناقش فيه الإسلام والعلم واستدل بالنموذج الماليزى كتجربة إسلامية ناجحة، وأكد أن المسلمين يواجهون مفترق طرق فى الوقت الراهن، ولا بد لهم أن يعيدوا النظر فى أولوياتهم حتى يكونوا جديرين باستخلاف الله لهم فى الكون، وتطرق فى الفصل الثانى «مفاهيم مغلوطة»، الفهم المغلوط للدين، والتدين المنقوص، والإسلام والإرهاب، وتجارة الشعارات الدينية، وتغيب العقل، وفكرة احتكار الدين التى تمارسها بعض الجماعات الدينية فى وقتنا هذا.. وتحدث فى القسم الثالث «المسلمون فى عالمٍ متعدد» عن الموقف الإسلامى من العولمة، وقضايا الحوار بين الأديان، وعن الحوار الإسلامى المسيحى ضرورته وشروط إنجاحه ومجالاته، بالإضافة إلى حرية الاعتقاد والاعتراف بالآخر، وختم كتابه بحوار مع قداسة بابا الفاتيكان.
أسباب التخلف الحضاري
يقول «زقزوق» إذا بحثنا عن أسباب التدهور القائم والمتمثل فى التخلف الحضارى الذى لا تخطئه العين، فإننا سنجد أنفسنا أمام كم هائل من الأسباب على جميع المستويات الدينية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها.
ويوجز حمدى زقزوق أسباب التخلف في نقاط تتضمن:
■ إهمال العلم والحضارة: ليس هناك شك فى أن إهمال المسلمين للعلم والحضارة يتصدر قائمة الأسباب التى أدت إلى التراجع الحضارى فى عالمنا الإسلامى، حيث لم يعد العلم ولا التقدم الحضارى يشكلان أولوية فى قاموس الأمة الإسلامية، وأبرز مثال على ذلك ارتفاع نسبة الأمية فى العالم الإسلامى، حيث تزيد على ٤٦٪، أى ما يقرب من نصف عدد المسلمين فى العالم، فى حين أن النبى كان منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان يفرج عن الأسير من غزوة بدر إذا علم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة.
■ اختزال الإسلام فى الشعائر: اهتمامنا بالشكل الحضارى بعيدًا عن الجوهر جعلنا نختزل ديننا فى مجرد الشعائر الدينية المعروفة والاهتمام المفرط بالشكليات بعيدًا عن جوهر الدين ومقاصده، وأصبح التدين الشكلى هو الأساس ولا يهم ما وراء ذلك، ألسنا نصلى ونصوم ونزكى ونحج؟ ألا يعنى ذلك أن الإسلام بخير؟ فالواقع المر يقول غير ذلك تمامًا، فالقضية ليست فى الشكل وإنما فى التحول الداخلى الذى ينبغى أن يحدث نتيجة لأداء هذه الشعائر، والذى ينبغى أن يظهر فى صورة إيجابية فى سلوك المسلمين متمثلا فى القيم الإسلامية الدافعة إلى التقدم والرقى وعلى رأسها العلم والعمل من أجل تحقيق الخير لكل الناس، وقد وضع القرآن الكريم أمامنا قانونًا ثابتًا لا يتغير فى قوله تعالى: «إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم»، وهذا يدل على أن تغيير أحوالنا لن يسقط علينا من السماء، وإنما يتحقق بأيدينا وعقولنا وتفكيرنا.
■ ظواهر التشدد والتطرف: وقد نتج عن هذه التوجهات البعيدة عن مقاصد الدين الحقيقية سبب آخر تجلى فى ظهور الكثير من أشكال التشدد والتطرف فى فهم الدين وتعاليمه، وأصبح التشدد فى أمور الدين وبصفة خاصة فى الشكل والمظهر علامة واضحة على التدين.
■ وبناء على ذلك فإن الذين لا يتشددون فى أمور الدين يعد تدينهم مشكوكًا فيه، ويتبع ذلك تحول سلبى فى السلوك، حيث حلت الفظاظة والغلظة فى التعامل محل الرحمة التى هى السمة الأساسية للإسلام، وانتشرت تهم الكفر والتحلل من الدين ضد من يعتقد أنهم متساهلون فى أمور الدين.
■ التشرذم وفقدان التضامن: وقد كان لاهتمام المسلمين بالشكل على المستوى الدينى والحضارى أكثر من اهتمامهم بالجوهر أثر سلبى على العلاقات بين شعوب الأمة على جميع المستويات، وبصفة خاصة على المستويين السياسى والاقتصادى، فعلى سبيل المثال، حجم التجارة البينية بين دول العالم الإسلامى لا يتجاوز نسبة الـ٨٪ من حجم تجارة هذه الدول مع بقية دول العالم، والتعاون بين بقية المجالات الأخرى ليس أسعد حظًا من ذلك.
الحلول المقترحة للخروج من هذه الأزمة الخانقة؟
يجيب الدكتور حمدى زقزوق عن السؤال بشبهة نقلها عن أحد الذين يرفضون تدخل الدين فى الحياة العامة، يقول خصوم الإسلام: إن هذا الدين هو سبب تخلف المسلمين، وما دام المسلمون متمسكين بدينهم فلن تقوم لهم قائمة، ويقدم هؤلاء النصح للمسلمين بأن يفصلوا فصلًا تامًا بين الدين والحياة، ويبعدوا الدين تماما عن التدخل فى أمور الدنيا، ويتبعوا فى هذا الصدد النموذج الغربى فى تهميش الدين، هذا النموذج الذى أخذ بيد الغرب إلى الأمام، وجعله اليوم فى مقدمة دول العالم حضارة ورقيًا.
ويعلق: وقد يكون الأخذ بالنموذج الغربى حتميًا فى حالة ما إذا لم يكن لدى المسلمين خيارات أخرى تستند إلى ما لديهم من تراث دينى وحضارى عريق، وفى هذا المقام نود أن نؤكد أن الموقف الإسلامى من الحضارات الأخرى موقف واضح لا لبس فيه، فالإسلام لا يمنع أتباعه من الاستفادة من تجارب الآخرين وعلومهم وخبراتهم؛ فالحكمة كما جاء فى الحديث الشريف ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق الناس بها.
واقتبس «زقزوق» كلامًا للفيلسوف المسلم ابن رشد مدللاً به على صحة حديثه فيقول: بل إن الفيلسوف العظيم ابن رشد قد جعل الاطلاع على ما لدى الآخرين واجبًا شرعيًا، ولكنه أوصانا بأن تكون لنا فى ذلك نظرة نقدية تميز بين النافع والضار، وفى ذلك يقول بن رشد: ننظر فى الذى قالوه من ذلك، وما أثبتوه فى كتبهم، فما كان منها موافقًا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم.
وعن النموذج الماليزى قال «زقزوق» إنها قامت على مبادئ هذا المنهج الحضارى الإسلامى المتكون من بنود عشرة، وهي: «الإيمان، تقوى الله، عدالة الحكومة وأمانتها، حرية الشعب، التمكن من العلوم والمعارف، التوازن والشمول فى النهضة الاقتصادية، النمو الاقتصادى ورفاهية المعيشة، حماية حقوق الأقليات والمرأة، غرس القيم والأخلاق، الحفاظ على البيئة، وتعزيز القوة الدفاعية للوطن».
الفهم المغلوط للدین
تحت هذا العنوان يشتبك «زقزوق» مع الجماعات المتشددة فيقول: من المعروف عن الخوارج مواظبتهم على صلاتهم وصيامهم وقيامهم، وحرصهم الشديد على التمسك بشعائر الدين الظاهرية، وعلى الرغم من ذلك كانوا يستحلون قتل الأبرياء من خصومهم الذين يختلفون معهم فى رأيهم، ويوجهون مدافعهم نحو الجماعات الدينية المتواجدة على الساحة التى يصفونها بأنها وريثة الخوارج، فيقول: ولا يزال هذا السلوك غير السوى سائدًا لدى بعض جماعات من المسلمين الذين يحرصون على حفظ القرآن الكريم وأداء الشعائر والالتزام الشديد بالشكليات التى لا أهمية لها، ومع ذلك يسلكون مسلك أسلافهم فى قتل معارضيهم فى الرأى بدم بارد دون رحمة أو شعور بالذنب.
وعن هذا الانفصام الحاد وتأثيره على الأمة الإسلامية يقول: وهذا الانفصام الحاد فى سلوك هؤلاء وأمثالهم يمثل مشكلة كبرى فى حياة الأمة الإسلامية، وتتمثل هذه المشكلة فى اختزال الإسلام فى بعض الجوانب الشعائرية، وإهمال جوانب أخرى أكثر أهمية وأشد إلحاحًا وأعمق تأثيرًا فى حياة الأمة، وهناك من لديهم استعداد لإثارة معركة كبرى من أجل قضية لا أهمية لها ظنًا منهم أنها من الدين، ومن أمثلة ذلك قضايا النقاب والسواك والجلباب القصير وإطالة اللحية.
قضیة تطبیق الشریعة
يوضح «زقزوق» قضية تطبيق الشريعة، ويرد على من يقول إن الإسلام هو الحدود، فيقول: والذين ينادون بتطبيق الشريعة لا يفهمون من ذلك إلا إقامة الحدود المعروفة، والحق أن إقامة الحدود أمر ضرورى يدخل ضمن إطار تطبيق الشريعة، ولكن الحق أيضًا أنه ليس كل الشريعة، ولا يمثل أكثر من ٥٪ من الشريعة، فهل يجوز اختزال الإسلام فى الحدود التى قال النبى عنها: ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة. 
واستدل على صحة حديثه بعمل النبى، فقال: وقد كان ذلك واضحًا فى تعامل النبى مع «ماعز» الذى جاءه معترفا باقترافه جريمة الزنا طالبا تطبيق حد الرجم عليه، لكن النبى أعرض عنه فى محاولاته لإثنائه عن اعترافه، وعلى الرغم من ذلك أصر على اعترافه المرة تلو المرة، حتى قال له أبوبكر: لقد اعترفت ثلاث مرات ولو اعترفت للمرة الرابعة سيقيم النبى عليك الحد، فاعترف للمرة الرابعة، فأمر النبى بإقامة الحد عليه، وحينما بدأ تطبيق الحد عليه فر هاربًا فتتبعه الصحابة ورجموه حتى مات، وعندما حكى ذلك للنبى بدا عليه الغضب مشيرًا إلى أنه كان الأولى تركه بعد هروبه، ومن هنا أمسك زقزوق بالخيط ودلل على ما يريد قوله، وهو «أن الإسلام ليس مجرد صيغ محفوظة ولا طقوس معينة، وإنما هو دين باعث للهمم، محرك للعزائم، دافع إلى تحقيق الخير لكل الناس، وقد كان الصحابة إذا حفظ الواحد منهم عشر آيات من القرآن لا يغادرها إلى غيرها إلا بعد أن يعمل بما جاء فيها، وفى العالم الإسلامى اليوم ملايين من حفظة القرآن الكريم، ولم يكن كل الصحابة يحفظون القرآن الكريم كله، ولكنهم كانوا يدركون أهمية العمل بما جاء فى كتاب الله».
وهنا يتساءل «زقزوق» ماذا فعلنا نحن بهذا الكتاب الكريم؟
لقد اختزلنا القرآن فى بعض الأمور المظهرية بجعله كتابًا نتبرك به ونضعه فى مكان بارز فى البيوت أو فى أماكن العمل، أو فى السيارات، ونقرأ به على الأموات وفى المناسبات، ونطرب لصوت هذا القارئ أو ذلك، وما لذلك كله أو أمثاله أنزل القرآن الكريم.
الإسلام والإرهاب
من الآفات المنتشرة على نطاق واسع فى عصرنا الحاضر الخوض فى أمور الدين دون علم أو فقه، فالبعض حين يقرأ كتابًا أو بعض الكتب عن الدين، أو يحفظ قدرًا قل أو كثر من القرآن الكريم، أو يحفظ بعض الأحاديث النبوية، يعتقد أنه أصبح مؤهلًا للحديث عن الدين والإفتاء فيه، وكمثال صارخ على ذلك ما سمعته من بعض هؤلاء ذات مرة يقول: لماذا نخجل من نسبة الإرهاب إلى الإسلام؟ إن القرآن قد تحدث عن الإرهاب وضرورة الاستعداد لإرهاب العدو.
قصة الإرهاب الإسلامى المزعوم؟
يجيب «زقزوق» عن سؤاله: لقد تحدث القرآن الكريم عن ضرورة الاستعداد لقتال الأعداء دفاعًا عن النفس، وهذا ما فعلته وتفعله كل دولة فى سابق الأزمان وحاضرها وكذلك فى مستقبل الأزمان، وفى ذلك يقول القرآن الكريم: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم»، والفعل رهب بكسر الهاء معناه خاف، كما تقول معاجم اللغة العربية، وبذلك يصبح معنى ترهبون به عدو الله وعدوكم، أي: تخوفون به عدو الله وعدوكم، وهم كفار مكة، فلا يتجرأون عليكم، أو يفاجئونكم بالعدوان.
فالإرهاب المقصود هنا ليس عدوانا على أحد بأى حال من الأحوال، وإنما هو بمثابة تخويف لردع العدو عن العدوان على المسلمين، وبمعنى آخر: هو ضرورة اتخاذ إجراءات احتياطية وقائية لضمان أمن المسلمين ضد أى عدوان خارجى، وهذا يختلف تمامًا عن معنى الإرهاب اليوم الذى يعنى الترويع والقتل والتدمير والعدوان على الآمنين والمسالمين كما هو حادث بالفعل فى عالمنا المعاصر، وتأكيدًا لهذا الفرق الحاسم بين المعنيين، نجد الآية التالية للآية السابقة تتحدث عن السلم والمسالمة: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها»، أى إذا مال أعداؤكم إلى المسالمة والمصالحة فاقبل ذلك منهم، وقد كان هذا هو ما صنعه النبى فى صلح الحديبية وغيره، ولم يكن الإسلام فى يوم من الأيام يميل إلى الحرب إلا إذا فُرضت عليه.
العالم المعاصر والإرهاب
إن مشكلة عالمنا المعاصر مع الإرهاب أنه قد فشل حتى الآن فى تحديد دقيق لمفهوم الإرهاب، وقد أدى ذلك إلى الخلط الشائن بين الإرهاب والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعوب، فأصبح المدافع عن حقوقه إرهابيًا، وأصبح ينظر إلى المعتدى على أنه هو الضحية، وأوضح مثال على ذلك ما يجرى على أرض فلسطين، ويشهد العالم اليوم ما يسمى بالحرب على الإرهاب، وقد أدت هذه الحرب التى تقودها القوى العظمى فى العالم إلى توسيع دائرة الإرهاب على نحو غير مسبوق، وسياسة الحرب على الإرهاب فاشلة تمامًا لسبب بسيط، وهى أنها تعالج الظاهرة من سطحها ولا يريد أصحابها أن يتعرفوا على الأسباب الحقيقية للإرهاب، وقد يكون ذلك أمرًا متعمدًا حتى يعيش العالم فى رعب مستمر، وبذلك تسهل السيطرة عليه وعلى مقدراته.
وعلى الرغم من هذه الحقائق الدامغة فى المصادر الأساسية للإسلام فإن الإسلام يساء إليه من جانبين: من جانب خصومه الذين يلصقون به تهمة الإرهاب ظلمًا وعدوانًا، ومن جانب بعض أبنائه الذين يفسرون بعض نصوصه على هواهم، ويقتطعون بعض آيات القرآن من سياقها، ويبنون عليها ما يقومون به أعمال حمقاء لا تمت إلى الإسلام.
إن مقاصد الشريعة الإسلامية واضحة وضوح الشمس وهي: الحفاظ على النفس والعقل والدين والمال والنسل، وهذه المقاصد الخمسة تعد بمثابة خطوط حمراء لا يجوز المساس بها، أو الاستهانة بشأنها، والإسلام جاء رحمة للعاملين كما ينص القرآن الكريم: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».
تجارة الشعارات الدینیة
من الظواهر السلبية التى انتشرت فى الفترة الأخيرة على نطاق واسع ظاهرة استخدام الشعارات الدينية استخدامًا لا يتناسب مع ما للدين من قدسية وجلال فى النفوس، وقد وصل الأمر فى ذلك إلى حد بعيد كل البعد عن أى شكل من أشكال الذوق أو الاحترام للدين، بل يمكن القول فى صراحة ووضوح إن الأمر قد وصل إلى حد الاتجار بالشعارات الدينية لأغراض لا صلة لها بالدين.
والذين يستخدمون هذه الشعارات يعرفون ما للدين من تأثير على السلوك، ومن هنا فإنهم إذا أرادوا أن يروجوا لتوجيهاتهم أو لتجارتهم فإنهم يلجأون إلى الدخول على الجمهور من مدخل الدين، وهذا أمر يعد امتهانًا للدين وتلاعبًا بمقدساته.
وحتى لا يظل حديثنا فى مجال التجريد نود أن نشير إلى بعض الأمثلة الصارخة فى هذا المقام، فالمؤمنون يعرفون أن مفهوم التقوى من المفاهيم الدينية التى تعنى القرب من الله، لكن البعض ينقل هذا المفهوم الذى يتصف به القريبون من الله فيطلقون على أحد البنوك «الإسلامية» اسم «بنك التقوى»، وهذا الإطلاق فى هذا المجال يعد امتهانا للمفهوم الدينى للتقوى، فالمقصود من هذا الإطلاق هو جذب الناس للإقبال على تجارة معينة، أو مؤسسة مالية محددة لأغراض تجارية، لا صلة لها بهذا المفهوم الدينى الذى ينبغى أن نحافظ عليه ونضعه فى مكانه الصحيح.
تغییب العقل
وعلى الرغم من أن هذا الموقف الواضح للإسلام فى تأكيد دور العقل وضرورة تحكيمه فى كل أمور الحياة وفى فهم أمور الدين فإن هناك تيارات معينة فى المجتمع الإسلامى تعمل جاهدة على تغييب هذا الدور الفاعل للعقل، وإغراق المجتمع بكم كبير من المطبوعات والشرائط والبرامج التى تشعل العقل بأمور غيبية تشل فاعليته وتعطل وظيفته التى خلقه الله من أجلها، وهذا التغييب للعقل يعطى الفرصة لهذه التيارات لتحقيق أغراضها فى السيطرة على عقول الناس وتوجيههم الوجهة التى تريدها، حتى يكونوا غير قادرين على رؤية الأمور على حقيقتها، وغير قادرين على ممارسة النقد والتمييز بين الخطأ والصواب، والمعقول وغير المعقول.
وهذه التيارات التى تقوم بتضليل العقل وتغييبه عن الوعى الصحيح تكون فى الغالب ذات طابع دينى، تخلط فيه بين الدين والخرافات والأوهام والدجل فينسى الناس جوهر الدين وينشغلون بكل ما هو غير معقول وغير منطقي.
لذا فإن أولويات العمل الإسلامى المستنير هي: «تحرير الناس من هذا التخلف العقلى والتردى الفكرى، وإزالة الغشاوة التى وضعت على عقولهم حتى يكونوا قادرين على رؤية الواقع على حقيقته، وعلى فهم الدين فى صفائه ونقائه، وعلى تحكيم عقولهم فى كل ما يعرض لهم من قضايا حياتية ودينية».
ولا يجوز بأى حال من الأحوال افتعال خصومة بين الدين والعقل، فالعقل- كما يقول الإمام الغزالي- شرع من داخل، والشرع عقل من خارج، وهما متحدان، ويضيف الغزالي: فالداعى إلى محض التقليد فى الأمور الدينية مع عزل العقل بالكلية جاهل، والمكتفى بمجرد العقل عن أنوار القرآن والسنة مغرور.