الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

"البوح العظيم".. أوجاع المصريين في 5 سنوات كبيسة

الدكتور خليل فاضل
الدكتور خليل فاضل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في كتابه «البوح العظيم.. المصريون ما جرى لهم وبهم (2011-2015)» الصادر مؤخرا عن دار نهضة مصر، يقدم الاستشارى النفسى، الدكتور خليل فاضل محاولة للتأريخ لمصر والمصريين، راصدا ما جرى ويجرى لنا وبنا، وفى محاولته هذه استعان بعينات لفئات عمرية مختلفة، منذ نهاية التسعينيات ومن أول عام النكبة ١٩٤٨. 
يرصد الكاتب الحالة النفسية للمصريين بعد الثورة من خلال سبعة محاور هي: الصحة العامة للمصريين وأبعادها الاجتماعية والسياسية، وسيكولوجية رجل الأمن والدولة العميقة، ويناير ٢٠١١ وما بعده، والدين والتدين والهوية والإرهاب، والفساد والاقتصاد، والعلم والتعليم، والصحة النفسية للمصريين ( ٢٠١١ ٢٠١٥)، وفيه يعرض للحالة النفسية للشعب المصرى بعد الثورة، حيث اجتمع فريق «نفسانيون من أجل الثورة» وعددهم ثلاثة وعشرون من المتخصصين في الطب النفسى وعلم النفس في ٣١ مارس ٢٠١١ بنقابة الأطباء للتحاور حول هذه المحاور.
وطرح المجتمعون سؤالًا هامًا يتلخص في «هل يكتفون برصد الحالة النفسية للشعب المصرى، أو من الأفضل عمل دراسات تحليلية مقننة تعتمد على عينات كبيرة من مختلف فئات الشعب المصرى، وتكون نتائجها أكثر دقة وموضوعية؟».
من خلال محور الرصد النفسى تبينت الملامح الرئيسية للحالة النفسية للمصريين بعد الثورة كالتالى: الصدمة، الخوف، الصامتون، المناهضون. 
أما محور الدعم النفسى فقدمت بصدده عدة مقترحات، منها: إشهار وتسجيل جمعية «نفسانيون من أجل الثورة» ليستمر النشاط الداعم لخطوات الثورة من خلال مؤسسات المجتمع المدنى، والتفكير في آليات ووسائل توصيل نتائج المناقشات والدراسات التي يقوم بها المتخصصون النفسيون إلى دوائر صنع القرار وإلى الجماهير من خلال القنوات الشرعية ووسائل الإعلام، ومساعدة المصريين كلهم على استيعاب الحدث، سواء المؤيدين للثورة أو الصامتين الخائفين أو المعارضين، إضافة للعمل الميدانى من خلال ندوات توعية وتثقيف، والاهتمام بتحقيق الأمن في الشارع المصرى، حيث يشكل الأمن أحد أهم الاحتياجات الإنسانية، والعمل على تهيئة الظروف للتغيير المتدرج العميق بشكل علمى صحيح، ورصد استخدام الدين في تحقيق مكاسب طائفية أو توجيه وعى الناس بشكل خاطئ، والتربية السياسية التي تتلخص في زيادة الوعى بالحقوق والواجبات واحترام مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والمواطنة، ومقاومة الشائعات من خلال زيادة الشفافية وبث المعلومات الصحيحة والدقيقة في كل ما يهم الناس وإعمال العقل في استقبال المعلومات وتنمية القدرة النقدية لدى الجميع، ليزنوا كل ما يعرض عليهم، والتطهير المقصود به محاسبة الفاسدين والمفسدين وإبعادهم فورا عن مراكز التأثير.
الكتاب رصد كيفية تعامل المصريين مع القوات المسلحة ومع السلطة بوجه عام، مؤكدًا أن على الشعب أن يدرك حجم المسئوليات والضغوط الملقاة على القوات المسلحة والدور الهائل الذي تقوم به، ولذلك يصبح من الواجب الوطنى أن يساندهم.
وكشف الرصد ضرورة تطوع المختصين النفسيين في الشرطة والجيش، إذ تبدو أن هاتين المؤسستين تحتاجان لهذا التخصص بقوة لتحسين نوعية الأداء على المستوى الفردى والجماعى. 
ووجود التخصصات النفسية في هاتين المؤسستين يؤدى إلى تحسين الصحة النفسية بشكل كبير كما ثبت من تجارب دول أخرى عديدة. التنشئة السوية للأطفال، حيث إن التغيير في المراحل المبكرة ممكن، وإذا كانت الأجيال المتقدمة في السن لم تترب على مبادئ الشورى وعلى آليات الديمقراطية فإن الأمل أكبر في المراحل العمرية الأولى لترسيخ هذه المبادئ.
يفرق الدكتور خليل فاضل بين مفهومى الدين والتدين، حيث يذهب إلى أن الدين هو المجموع العام للإجابات التي تفسر علاقة البشر بالكون. بينما التدين بحسب «عبد الباسط عبد المعطى» هو من التفعيل والتزييف والتضخيم والتهويل» وهو عملية ليست فيها طهارة أو خشوع أو مناجاة مع الله. 
عملية التدين تتم بإنتاج الرسائل الإعلامية، وتأليف الكتب الدينية التي يشترك فيها بعض أساتذة الجامعات، وأئمة المساجد، والدعاة الجدد، والمدرسون في مراحل التعليم قبل الجامعى. 
يقصد بالتدين: نشر وتدعيم وعى دينى ذى خصائص نوعية، سواء على مستوى المظهر، أو الملبس أو الأفكار أو الممارسات. وفى شرح أنماط التدين لدى المصريين المسلمين دون المصريين الأقباط تتبلور من خلال ملاحظتين الأولى هي تزايد مظاهر التدين في المجتمع المصرى خلال ثلاثة عقود حتى ٢٠١٠، ومنها على سبيل المثال، الاهتمام بالمظهر الدال على التدين في الملبس، والاهتمام بتشغيل الأشرطة الدينية في المواصلات، وتزايد المطبوعات الدينية، وتفوق توزيعها على صنوف الإنتاج الثقافية الأخرى، وتزايد عدد القنوات الدينية «قبل ٣ يوليو ٢٠١٣ تحديدا»، وازدياد الحرص على حضور حلقات الدرس والوعظ.
في المقابل رصد انتشار أنماط من السلوكيات والتصرفات الفردية وشبه الجماعية في الحياة اليومية لا توحى بعمق المظاهر الدينية، كتزايد العنف الفردى والجماعى، كما انتشرت الرشوة وتنوعت أساليب الغش والفساد والتحايل على الناس في غذائهم ودوائهم.
كذلك تزايد التعصب ضد الآخر الدينى «القبطى»، والعنف اللفظى والسلوكى والسعى نحو إقصائه، مع التأكيد أن هذه المتناقضات لا تتجاوز اجترار ذكريات الماضى التاريخى مع الآخر، ورفع شعارات المجاملة في المناسبات المختلفة، ويغيب الحوار المجتمعى الحقيقى حول ما يحدث في المجتمع المصرى.
يذهب خليل فاضل إلى أنه ربما رأى الرئيس عبد الفتاح السيسى «في خطابه بمناسبة المولد النبوى» أن الأمة الإسلامية بالكامل تتجه نحو موقع تكون فيه مصدرا للقلق والخطر والقتل والتدمير، وأن ظواهر تنامى التيارات الإسلامية المسلحة في مصر أصوله دينية وليست سياسية واقتصادية، لهذا وفى خطابه أوائل ٢٠١٥ وجه السيسى كلامه بشكل مباشر للقيادات الدينية وعلماء الأزهر في مصر، طالبا منهم مراجعة الفكر الإسلامى من منطلق فكر مستنير حقيقى، يهدف إلى صياغة خطاب دينى صحيح يتناغم مع العصر.
إن الدعاة وخطباء المساجد لا يتمكنون من تجديد الخطاب الدينى، ولن تكون هناك ثورة دينية على حد تعبير «السيسى» بتغيير المناهج الدراسية ومصادرة بعض الكتب وحرقها.
يستدل الكاتب بتصنيف عبدالباسط عبدالمعطى لأنماط التدين في مصر وهى: نمط التدين الرسمى بمعنى التوظيف السياسي للدين، وهو أمر درجت النظم الحاكمة في مصر على القيام به منذ العصور الفرعونية، بهدف إضفاء مشروعية دينية تعالج مشروعيتها المجروحة، ولهذا لم تكتف السلطة السياسية بتوجيه مؤسستها الدينية الرسمية إسلامية ومسيحية، بل حرصت على توظيف المؤسسات الأخرى المعنية بتشكيل الوعى الدينى كمؤسسات التعليم والإعلام والثقافة، لكن توظيف الدين لم يكن مقصورا على حائزى الثروة والسلطة فقط، إذ وظفه الناس أيضا لتحقيق مصالحهم، فسعت بعض الشرائح من الطبقة الوسطى لتوظيف الدين سياسيا، للضغط على السلطة السياسية، ومن أبرز الأمثلة جماعة الإخوان المسلمين. 
ومن خصاص هذا التدين السلفى المتشدد الميل للتحريم أكثر من الإباحة، واللجوء للعنف في مواجهة الآخر السياسي والدينى، وإقصاء المرأة عن الحياة العامة، باختزالها في جسدها باعتباره عورة، واختزال أدوارها في كونها زوجة خاضعة بشكل شبه كامل للرجل، كما ظهرت سلفية ثقافية تحت مسميات الغزو الثقافى الخارجى، وإعاقة أي تطور ثقافى بمصادرة الفن والأدب وإقامة دعاوى قضائية ضد رموز ثقافية، والأخطر نمط التفكير التكفيرى. أما النمط الثانى فهو نمط التدين الشعبى وهو الأكثر تفاعلا مع كل الجماعات والشرائح والطبقات الاجتماعية في مصر بما فيها المثقفون والمفكرون، وجاء هذا النمط ليس فقط في مواجهة الخطاب الدينى الرسمى، وإنما في مواجهة أوضاع القوة السياسية والاقتصادية ورموزها، إما يكون نقدا أو سخرية وإما التفافا عليها. 
من خصائص هذا النمط أنه منفتح على التراث الثقافى بمفهومه الشامل ومنها التراث الدينى، ومعظم الأفكار والمعتقدات والممارسات السائدة في المجتمع المصرى، التي هي مزيج من عناصر فرعونية وقبطية وإسلامية مع إدخال بعض التجديدات في مضامينها. 
هذا النمط عبارة عن مفردات أنماط التدين الأخرى، وما يميزه أنه نمط عملى وواقعى أنتج مفردات دينية شعبية، في حال تعارضت بعض المصالح مع فهم بعض النصوص الدينية كالمثل الذي يقول: «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع». 
يخلص الكاتب إلى أن فكرة تجديد الخطاب الدينى سواء كان إسلاميا أو مسيحيا غير واقعية، لأن أي محاولة للتجديد لن تكون سوى محاولة جزئية ووقتية وفوقية، ولن تكون ناجحة وجادة إلا إذا حدثت إصلاحات سياسية عميقة لدعم حقوق المواطنة وتداول السلطة وتغيير أساليب وأهداف التعليم والمؤسسات الثقافية والدينية. ويرى فاضل أنها آمال يصعب تحقيقها في الأجل المنظور، لذا يفترض أن تنشغل كل قوى المجتمع بحوار وطنى هدفه تحييد الخطاب الدينى ومنع إقحامه في السياسة الرسمية وفى خطابات المجتمع المدنى والأحزاب وغيرهما، على أن يتم هذا التحييد بضمان حقوق المواطنة بمعناها الشامل وجعلها مكونا رئيسيا في الثقافة العامة. وفى تحليله لظاهرة التحاق أعضاء ينتمون لجنسيات غربية لتنظيم داعش الإرهابى، حيث تنعدم الأسباب التي تلقى بهؤلاء الشباب لأحضان داعش، سواء كانت فقرا أو بطالة أو قمعا، ويستشهد الكاتب بمقولة عالم النفس الأمريكى «جون هورجان» المهتم بشئون الإرهاب: «نعتقد أن هؤلاء مجانين، وذلك بسبب ما يقومون به من أفعال إرهابية، ولكن أي محاولة لتفسير الإرهاب على أنه مرض عقلى ما هي إلا محاولة مضللة».
وفى تحليل لأسباب انضمام الكندى «أندرية بولين» للقتال مع الإرهابيين ضد قوات الأسد في سوريا، يقول هورجان: إنه قام بالبحث في الموضوع لأكثر من ٢٠ عاما، وأنه رأى في رسالة بولين شكلا مقنعا من التواصل الحر لم يجده في حالة أي إرهابى آخر.