الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فتّش عن "الذئب المنفرد"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن التحالف الذى شكله عدد من الدول بهدف ضرب الإرهاب ومحاربته، ليس كافيًا للقضاء على التنظيمات الإرهابية، وإنهاء صور العنف المقيتة التى تتبعها هذه الجماعات العاشقة لسفك الدماء، حيث أخذ القتل لديها مسارًا جديدًا لا تقتصر عملياته على الاغتيال والتفجير فقط، وإنما أصبحت حوادث العنف تتم بصفة فردية يرجح أن منفذيها مصابون باضطرابات عقلية ونفسية، وينطبق ذلك على كثير من حوادث العنف الأخيرة.
فقد اتضح أن التنظيمات الإرهابية، أمثال «داعش» و«تنظيم القاعدة» تمتلك مريدين كثرًا من المتطرفين، المتواجدين فى وجهات عديدة من العالم، ليست لديهم علاقة تنظيمية مباشرة بهذه الجماعات الإرهابية، بل كل ما يربطهم بهذه التنظيمات هو التطرف الفكرى، حيث ينفذون تعليمات هذه الجماعات بمجرد سمع أو معرفة الخطط المستقبلية للجماعة الأم، فيسارعون لتلبية النداء فورًا، ويتحركون من تلقاء أنفسهم، وهذا الأمر أطلق عليه اصطلاح عمليات «الذئاب المنفردة».
فهؤلاء المتطوعون بالإرهاب، أفراد متواجدون فى كل مكان، ومن الممكن أن يكونوا منتشرين بيننا، لكننا لا نعرفهم، لأننا لم نفتش فى أفكارهم أو فى عقولهم.
هذا هو الأخطر والأهم فى هذه المجموعات، التى فقدت السيطرة على التفكير الصحيح، وفقدت أيضًا السيطرة على الشعور بالإنسانية، وكل ما تفكر فيه هو القتل والتدمير والذبح من أجل إرضاء التنظيم الأصلى للإرهاب، المنتمية له فكريًا. 
لقد نجح الغرب فى خلق هذه الحالة المعقدة من التطرف، عن طريق صناعة هذه الجماعات الإرهابية ودعمها طيلة العقوة الأخيرة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التى كان لها دور فعال فى إنشاء تنظيم القاعدة، وكذلك تنظيم داعش الإرهابى، وهى التنظيمات التى أصبحت تعيث فى الأرض فسادًا، ولا تستطيع قوى التحالف الدولى أن تقضى عليها، بل أصبح القضاء عليها يحتاج إلى وقت طويل.
ظاهرة «الذئب المنفرد» الإرهابية، كانت جلية فى كثير من حوادث العنف الأخيرة، والتى تم أغلبها بصفة فردية، إذ تؤكد أن منفذيها مصابون باضطرابات نفسية وعقلية، ومن هذه الحوادث مذبحة الملهى الليلى فى مدينة أورلاندو، التى قَتَل فيها مسلح خمسين شخصًا منذ عدة أسابيع، أيضًا حادث إطلاق الرصاص على حفل للمراهقين بملهى ليلى بولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية، كذلك حادث الاعتداء الذى وقع فى مركز «أوليمبى» للتجارة فى ميونخ، بألمانيا، والذى تزامن مع حادث تفجير مهاجر سورى عبوة ناسفة بالقرب من مهرجان للموسيقى فى مدينة بافاريا الألمانية، فأوقع خمسة عشر شخصًا مصابًا، هذا إلى جانب هجوم مدينة نيس بفرنسا الذى نفذه سائق شاحنة عملاقة، قتل بها أربعة وثمانين شخصًا دهسًا، وذلك خلال الاحتفال باليوم الوطنى الفرنسى، حتى حادث تفجير مطار بلجيكا كان يقوده أفراد... وغيرها من الحوادث الفردية.
وبالتدقيق فى كل تلك العمليات الإرهابية، التى وقعت فى فترة زمنية ليست بالكبيرة، نجد أن هناك أفرادًا متطرفين فكريًا، يحملون عقيدة جهادية، لديهم روح التطوع بالقيام بعمليات إرهابية بمجرد صدور تعليمات أو تصريحات من قيادات التنظيمات المتطرفة بالقيام بزعزعة الأمن فى العالم، هؤلاء الذئاب المنفردة قادرون على التحرك بحرية وإحداث وجع كبير ومفاجأة للشعوب والحكام، وأجهزة الأمن والاستخبارات أيضًا، كون أن هؤلاء الذئاب ليسوا معروفين لأجهزة الأمن ولا يوجد بينهم وبين التنظيم الأم أى اتصال يمكن تتبعه، وتلك أمور تصعب مهمة ضبطهم وفى نفس الوقت تعزز من الخطر.
وأتوقع أن الأيام المقبلة سوف تشهد حوادث أسوأ من ذلك، بعد النداء الذى اطلقه أيمن الظواهرى، زعيم تنظيم القاعدة، مطالبا أعضاء جماعته الإرهابية ومريديها فى كل مكان، بالقيام بعمليات خطف، واحتجاز لرهائن، وهو ما حدث بالفعل فى إحدى الكنائس بفرنسا.
إن هذه الجماعات، بكل وضوح وصراحة، لا تحتاج فقط لتحالفات دولية من أجل محاربتها، فنحن لا نقلل من أهمية الحرب الشاملة ضد التنظيمات الإرهابية «داعش والقاعدة، وغيرهما»، ولكن الأمر يتطلب حشد جهود جميع الأجهزة المحلية المعنية بالعلاج النفسى والعصبى، بالإضافة إلى تجديد الخطاب الدينى ومحاربة التطرف والتعصب من خلال نشر الفكر والثقافة والتعليم الصحيح، حتى نكون قد اتخذنا إجراءات استباقية لمنع قيام مثل هؤلاء الأفراد بتنفيذ عملياتهم دون أن يعلم أحد بأنهم إرهابيون ومتطرفون. إن المؤسسات الدينية عليها التحرك سريعًا لتصحيح المفاهيم العقائدية المغلوطة والمدسوسة على ديننا الحنيف، وكذلك وسائل الإعلام، وغيرها من المؤسسات، لوقف جماح هذه الجماعات المتطرفة التى يمكن أن يكون أعضاؤها ومريدوها، يعيشون بيننا ونحن لا ندرى.
حماية الوطن تأتي بالوقاية التى هى خير من العلاج.