رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

رمضان في سوريا بين الماضي والحاضر.. "غربة وألم"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يمارس أهل دمشق عادات قديمة عريقة في رمضان، روح التراث والأصالة والمحبة والتواصل الديني والأخلاقي والحياتي فيما بينهم، وهي عادات تكاد أن تندثر إثر الحرب التي تعيشها سوريا، ولكن شتان بين المشرق والمغرب بين رمضان الحاضر والماضي، شهر الرحمة والغفران ولم شمل العائلات على موائد الافطار، تبدلت الأجواء الطيبة بشعور الاحباط والحزن لدى شرائح واسعة من السوريين المحاصرين في مناطق عدة بسبب المعارك والدماء والدمار الذي جعل سوريا الممزقة مابين ألم ودمار وغربة وغياب.
سوريا الماضي
يحظى شهر رمضان المبارك بمكانة خاصة عند السوريين الذي كانت تستعد له مختلف الأسر السورية الفقيرة والغنية على حد السواء قبل أيام من حلوله فى أجواء احتفالية، حيث تتزين واجهات المنازل، وتتلألأ الجوامع فى كل المدن بالمصابيح، وتدب حركة غير عادية فى الشوارع، كما تنشط المحلات التجارية والأسواق إلى ساعات متأخرة من الليل، وتستعيد العلاقات العائلية السورية فى شهر رمضان المبارك، الدفء الذى سرقته منها الحياة العصرية ويعتبر السوريون، إن شهر رمضان هو شهر اللمة مع العائلة بالدرجة ألاولى، إذ يمثل فرصة نادرة للم شمل أفراد الأسرة السورية حول مائدة إفطار واحدة، ويتبادل الأقارب والجيران الزيارات والمأكولات، ويستضيف كل منهم الآخر لتناول الإفطار على مائدته، كما يغتنم العديدون هذا الشهر للتصالح وتسوية الخلافات القديمة الموجودة مع الأهل والأصدقاء.
كانت تهتم الأسرة الدمشقية بتقديم ما لذَّ وطاب من أصناف وألوان الطعام كالمرطبات المصنوعة من قمر الدين والزبيب، بالإضافة إلى المقبلات التي تشمل الفتّات بأنواعها؛ الحِمَّص بالزيت أو السمنة وصحن الفول المدمس بالزيت مع الطرشي.. بالإضافة إلى شوربة العدس، لاتخلو مائدة بسوريا من الحلوى الرمضانية المصنوعة من الكنافة، بالإضافة إلى البرازق والنهش، كما تظهر أرغفة المعروك وأنواع الخبز الأخرى، وينتشر باعة المرطبات بعد الإفطار، والناعم أيضاً من الحلويات التي ارتبطت برمضان فقط، مثل الجرادق، وهو يصنع من العجين المائع، يضع صانعه صاجاً من النحاس على نار ليّنة، ويطيّنه بذلك العجين حتى إذا جمد العجين على الصاج ينشرونه حتى يجف، ثم يقلونه بالزيت ويرشّون على وجهه مغليّ الدبس على شكل خيوط متداخلة، ويتفنّن صانعو الناعم في إعداده، فمنه الأسمر والأبيض، ويحمله الباعة المتجولون بأقفاص يطوفون بها الأحياء والأزقة والحارات، وينادون عليها بعبارات جميلة (يللي الهوا رماك يا ناعم.. رماك وكسّر عضامك يا ناعم.. يالله كل سنة والحبايب سالمة يا ناعم)، فيقبل الناس على ابتياعها، حتى أصبح من المألوف مشاهدتهم وهم يحملون أطباقها إلى منازلهم قبل المغرب.
رمضان في بداية "المرق".. ووسط "الخرق".. ونهاية"صر الورق".
تسُود مدينةَ دمشق خلال شهر رمضان صِلاتٌ اجتماعية فريدة من نوعها، ففي مساء أيام الأسبوع الأول من الشهر يتزاور أفراد العائلة للتهاني، وغالبًا ما يكون إفطار أول يوم عند عميد العائلة، وإفطار اليوم الثاني عند أكبر أولاده سنًا، وهكذا يطلق السوريون على العشر الأُوَل من شهر رمضان"المرق" لانهماك الناس بطعام رمضان وموائده المتنوعة، حيث وفي بداية الأسبوع الثاني يأتي دور النساء في التهنئة، فيتبادلن التهاني من عصر كل يوم إلى قبيل الغروب، ومن خلال ذلك تدور أحاديث عن مآدب الطعام، وطرق إعداده، وقد يتعاونّ في ذلك ويتهادين أطباق الطعام، ومن النسوة من تذهب الى المقابر لاستذكار الموتى بعد عصر اليوم الأول من الشهر، وتأخذ معها الطعام والحلوى لتوزيعها على الفقراء.
أما العَشر الوُسْطَى من شهر رمضان فيسمونها "للخِرَق" أي لشراء ثياب وكسوة العيد ولوازمه، حيث تكتظ الأسواق السورية بالمتسوقين، فتنار أضواؤها وتفتح أبوابها حتى وقت السحور وتكاد لا تفرق بين الليل والنهار في مثل هذه الأيام.
أما العَشر الأواخر من شهر رمضان فيسمونه"صر الورق " حيث تنهمك النسوة بإعداد حلوى العيد، خصوصاً المعمول المحشو بالجوز أو الفستق الحلبي.
سوريا الحاضر
اليوم تعيش سوريا حياة صعبة ويعيش مواطنيها اما تحت الحصار أوفي رحيل خارج اراضيها، لاتوجد أسرة ليس بها فقيد أو غريب وربما قتيل أو مصاب أجواء من المعاناة يعيشها الشعب السوري، وخاصة الأطفال التي سلبت منهم طفولتهم ويعيشون حياة بائسة وسط البكاء والصراخ والألم.
في مدينة مضايا المحاصرة من قوات النظام السوري في ريف دمشق والتي تعاني نقصا فادحا في المواد الغذائية والأدوية، تسبب خلال الأشهر الماضية بوفيات عدة قبل ان تدخل كميات محدودة من المساعدات والمعونات التي تقدمها الدول، أغلبهم يشعر بالحزن والأسف لقضاء رمضان دون عائلته وأبنائه، واقتصر الفطار علي معلبات التونة وبعض البقول التي تصل لهم ضمن المساعدات العينية، خاصة في ظل افتقار السوق للمواد الغذائية.
في الأحياء الشرقية من مدينة حلب في وسط سوريا، تزداد معاناة المدنيين خصوصا بعدما باتت طريق الكاستيلو، المنفذ الوحيد لهذه الاحياء الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة بحكم المقطوعة بسبب استهداف حركة المارة والباصات عليها من قوات النظام السوري بغارات جوية.
ويؤكد أحمد أسود، بمنتصف العقد الثاني، وهو أب لثلاثة من الأبناء يسكن حي الصالحين في شرق المدينة، "لم تعد توجد بهجة لأي شيء هنا، هذا هو شهر رمضان الخامس الذي اعيشه في ظل الحرب، معظم أقربائي أصبحوا نازحين خارج حلب، ولم يعد بامكاننا ان نجتمع في هذا الشهر الفضيل، مشيرا إلي الارتفاع الحاد في اسعار المواد الغذائية في الأسواق"، خصوصا بعدما باتت الأحياء الشرقية شبه محاصرة.
أجواء رمضان في سوريا تختلف كل شيء فيها عن باقي البلدان، ربما قلت تلك العادات أو اختفت في البلدان التي بها حروب وقتال بين أنصار بشار ومعاونيه وبين المعارضة، وبعد أن كانت الأجواء الساحرة والبخور والروحانيات تطوق جميع الأنحاء أصبحت الدماء تصرخ بكل مكان بل وهجر السوريون أرضهم إلي بلاد آخر ربما عربية وربما أجنبية بحثا عن الحياة.