الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

الصحوة العربية وكسر القيد الحديدي الأمريكي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت ثورة يونيو المصرية ٢٠١٣ بمثابة الشرارة الأولى، لإيقاظ الوعى العربى وانطلاق مرحلة الصحوة العربية. وأفصحت عن قوة وصلابة وإرادة الشعوب العربية فى أن تتخلص من كابوس المخطط الأمريكى الصهيونى الغربى، الذى استمر يمارس على الدول العربية بصورة فجة سافرة منذ منتصف القرن الماضى، لتكريس الاستغلال والسيطرة بإحكام، بحيث لا تستطيع هذه الدول الفكاك من هذا القيد. وحاولت الدول العربية وقاومت لكسر هذا القيد الحديدى عليها، ولكنها لن تتمكن.
إلى أن قامت ثورة يونيو المصرية ٢٠١٣ فكانت إعلانا لانقلاب صامت فى الوطن العربى من خلال الأثر القوى والمتغير الخطير الذى أحدثته هذه الثورة تجاه مولد نظام عربى توافقى جديد يتمتع بالقوة والشجاعة والإرادة الحديدية لرفض المخطط الأمريكى الغربى فى التدخل السافر، الذى جاوز المدى فى شئون الدول العربية الداخلية ومصالحها وثرواتها وأمنها.
هذا المخطط الذى استمر بصورة فجة منذ منتصف القرن الماضى بأشكال وأنماط ودرجات متنوعة، وفقا لحالة ووضع وظروف كل دولة عربية من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يتراجع طوال هذه المدة عن تحقيق أهدافه، ولم ييأس بل كان السقف المطلوب الوصول إليه هو إسقاط النظام العربى، وإعادة تقسيم دوله وفقا لمعاهدة سايكس بيكو الجديدة التى تم إعدادها بحرفية بما يمكن الولايات المتحدة والغرب من إعادة السيطرة الكاملة والاستغلال المتوحش على مقدرات وثروات وموارد الدول العربية خاصة الخليجية منها.
ومنذ السبعينيات من القرن الماضى تحديدا، وعندما بدأت الحقبة النفطية، وفيها استطاعت البلدان العربية النامية المصدرة للنفط أن ترفع أسعاره من جانبها، وتراكمت لديها فوائض كبيرة، استخدمت جزءا منها فى تغيير هياكلها الداخلية، وذلك بالتوجه نحو نمط التصنيع للتصدير، إلى جانب ذلك أعدت المراكز الرأسمالية آليات متقنة لإعادة تدوير الجزء الأكبر من تلك الفوائض إلى السوق الرأسمالية العالمية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث يمكن القول بأن البلدان النفطية صارت تتبع نمطا جديدا للتصدير هو: تصدير الخامات، وتصدير المنتجات الأولية وتصدير رأس المال، مما جعل تلك الدول النفطية مضطرة أن ترتبط بالنظام الرأسمالى الأمريكى. هذا الارتباط ممتد فى مجالاته الخطيرة إلى التقنية والحضارة التى تعتمد على علاقة تكنولوجية قوية شديدة الإحكام، وغدا التقدم العلمى والتكنولوجى قيدا إضافيا على نمو الاستغلال فى البلدان النامية النفطية ليس فقط من الناحية الفنية، بل حتى من حيث توفير رأس المال اللازم لمتابعة التطوير العلمى والتكنولوجى للإنتاج. وتشير هذه الملاحظة إلى أنه منذ البداية ارتبطت الدول التى يوجد فى أرضها النفط بالنظام الرأسمالى العلمى، تلك العلاقة والارتباط القوى أثرا فى شكل التوجه التنموى ومضمونه، وفى صياغة القوى المهيمنة اقتصاديًا والتى تكاد تتمثل فى الشرائح التجارية والعقارية فى الخليج.
ولذلك فإن أسعار الثروات والمواد الخام فى الدول العربية النفطية والعائد وكمية المستخرج منها لم تكن تحددها الدول المالكة كما يبدو، لأن الذى كان ومازال يحددها فى العمق حاجة السوق الرأسمالية وتأثيرها فى قانون العرض والطلب من هذه المواد. وأيضا طريقة استخراجه والتكنولوجيا الموظفة فى هذا الاستخراج، حتى أصبحت هذه الدول لا تملك الثروات والمواد الخام بل تجلس عليها. والحقيقة المرة هى أن دول الشمال الغنية أو الدول الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لا تقبل عن طيب خاطر قيام تلك البلدان فى الجنوب المتخلف والدول العربية والنفطية فى القلب منها بتنمية يكون من شأنها انسلاخها، حتى ولو فى المستقبل البعيد. وهى من ثمّ على استعداد دائم بمساندة كل تنمية مرتبطة بها وآلياتها وبما يحقق أهدافها فى الاحتكار ولو كان ذلك بإبطاء سرعتها أو انحراف مسارها أو وضع العراقيل أمامها، وإذا تطلب الأمر محاربتها ومحاصرتها اقتصاديا وأمنيا، الأمر الذى اتضح جليًا اليوم. فبمجرد أن حاولت الدول الخليجية ومصر كسر القيد الحديدى الذى فرضته عليها الولايات المتحدة، واتخذت قرارا مستقلا للوقوف مع الثورة المصرية ٣٠ يونيو وتقديم المساعدات اللازمة لإنجاحها دون أن تأخذ رأى أو مشورة الولايات المتحدة الأمريكية عملت وما زالت على إحكام محاصرتها للدول العربية الخليجية صاحبة النصيب الأكبر فى الثراء النفطى، ومعها مصر التى استطاعت أن تفشل المخطط الأمريكى الغربى لإسقاط الدول العربية وإعادة تقسيمها. وفى إطار النظام الرأسمالى المستغل بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية سعت منذ السبعينيات أيضا إلى زيادة ممتلكات دوله المادية إلى أقصى حد ممكن، وإلى استنضاب واستغلال وإهدار ممتلكات الدول العربية النامية بالذات إلى أكبر حد ممكن، فالوطن العربى جغرافيًا هو قلب العالم القديم، ومهد أهم حضاراته مما رتب له قيمة استراتيجية فائقة، كما يقدم نفطًا وفيرًا، وسوقًا واسعة وموقعًا استراتيجيًا وفيرًا، لذلك فقد تجمعت هذه القيود لتضع الوطن العربى كله غنيه وفقيره، محط أطماع أى قوة عالمية ترغب فى الهيمنة على العلم. وكانت هذه القوة تتركز فى النظام الغربى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التى استمرت على مر العقود الخمسة الماضية تفرض نوع العلاقة مع الدول العربية سواء منها العلاقات الاقتصادية أو التكنولوجية أو التقنية أو العسكرية أو غيرها. وفى سبيل ذلك لم تلتزم الدول الغربية المتقدمة بالأهداف التى أوصت بها لجنة بيرسون فى أوائل السبعينيات، بل تناقصت نسبة المعونات بالتدريج لتصل إلى ٠٢.٪ فقط بدلا من الواحد صحيح، وعلى سبيل المقارنة فلم يعد يزيد صافى التحويلات المالية المخصصة لأغراض التنمية علي واحد إلى أربعين من الإنفاق العالمى على التسليح. وكان القصور فى حجم المعونات الخارجية فى نهاية الأمر تعبيرا لا عن عدم توفر رأس المال فى السوق الدولية، وإنما عن ضعف ميل تدفقه إلى الدول المتخلفة. ومن ثم اتجهت هذه الدول إلى الاستدانة الخارجية أو القبول بالاستثمارات المباشرة من جانب الاحتكارات الدولية. واستخدمت الديون الخارجية على نحو يعيد التبعية وإعادة تشكيل الهياكل الاجتماعية والاقتصادية للدول العربية وكانت معظم القروض تستخدم بتخطيط من الدول الغربية والأمريكية الدائنة فى استيراد السلع الاستهلاكية وأدوات ومستلزمات الإنتاج السلعى والخدمى من الدول الغربية المصنعة، وتعدى ذلك إلى التقنية الناعمة مثل الخدمات الاستشارية والتنظيمية والتسويقية ودراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات التى كانت تأكل جزءًا كبيرًا من قيمة القروض.
ولقد عكس هذا الوضع استعمال القيد الحديدى الأمريكى الغربى فى مجالاته الخطيرة إلى التقنية والحضارة التى تعتمد على تبعية تكنولوجية جديدة وقوية الإحكام. وغدا التقدم العلمى والتكنولوجى قيدا إضافيا على نمو الاستغلال فى البلدان العربية النامية، وبقية الدول النامية الأخرى فى العالم، ليس فقط من الناحية الفنية، بل حتى من حيث توفير رأس المال اللازم لمتابعة التطوير العلمى والتكنولوجى للإنتاج، واستمرت الضغوط على دول المنطقة العربية غنيها وفقيرها، واستمرت كذلك القيود الحديدية عليها ومحاصرتها حتى وصل الأمر إلى تحويلها إلى مستنقعات من الدم والخراب والموت من خلال ما سمته الولايات المتحدة ثورات الربيع العربى التى انفجرت منذ ٢٠١١ واقترب تحقيق المخطط الأمريكى الغربى فى إسقاط المنطقة كلها وإعادة تقسيمها، وتحديد ملامحها وفقا للأهواء الأمريكية ومخططاتها، حتى تتمكن من وضع يدها على كل الموارد والثروات والمزايا العربية وفى مقدمتها النفط العربى وعبقرية التاريخ والجغرافيا المصرية.. حقًا إن ثورة يونيو المصرية ٢٠١٣ معجزة ليس لها أنبياء.