الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من الأزهر الشريف "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نبدأ بدراسة عنوانها «التراث بين التجديد والتبديد» للمفكر المستنير الأستاذ الدكتور محمود حمدى زقزوق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ونبدأ: «وعلى الرغم من أن التراث يعد من خصائص الإنسان الأساسية، فإنه ليس شيئا مغروسا فى فطرته، وليست له صلة بغرائزه وإنما الإنسان يتعلمه»، و«بفضل التراث يتقدم الإنسان، فكل جيل يستطيع أن يتعلم أكثر من سابقه، بما حباه الله به من عقل وتفكير، ومن هنا نرى تجديدات كثيرة تحدث حتى فى داخل الجيل الواحد» (ص٢٦)، لكن الدكتور زقزوق يمايز بحذق بين تراث وآخر، موضحا «أن صلة الإنسان المسلم بتراثه تختلف عن غيره، وذلك لارتباط التراث الإسلامى بالدين ارتباطا وثيقا»، وهنا يتوقف ليحذرنا: «لكن هذا لا يعنى أن التراث بما فيه من جوانب سلبية وإيجابية يكون للمسلم قيد يشل حركته ويمنعه من التفاعل المثمر مع عالمه المتغير، وإنما يبقى مؤشرا يوجه الشخصية الفكرية» (ص٢٧).
ثم يأتى بنا د. زقزوق ليدعونا مؤكدا «أنه لا مفر أمامنا من الاسترشاد بماضينا وتراثنا نبحث فيه عن عوامل النهوض لننهض، وأسباب التقدم لنتقدم، وعناصر الاستقلال لنستقل، ولكن ذلك لا يجوز أن يحدث دون مراعاة لمتغيرات العصر وما يستجد فيه من تطورات إيجابية» (ص٢٧)، ويمضى د. زقزوق موضحا اعتقاده بأن «مجتمعاتنا الإسلامية فى أشد الحاجة إلى هذه النظرة المتوازنة، لكى تبنى مستقبلها الحضارى على أسس راسخة». ذلك أنه يؤكد أنه «لا يجوز أن يحدث دون مراعاة لمتغيرات العصر وما يستجد فيه من تطورات إيجابية» (ص٢٧)، ويمضى د. زقزوق موضحا اعتقاده بأن «مجتمعاتنا الإسلامية فى أشد الحاجة إلى هذه النظرة المتوازنة، لكى تبنى مستقبلها الحضارى على أسس راسخة»، ذلك أنه يؤكد أنه «لا يجوز أن نغلق الأبواب والنوافذ أمام متغيرات العصر»، ولهذا فإننا كما يؤكد «نختلف مع أصحاب النظرة الأحادية الذين يقولون إنه لا جدوى من البحث فى ثنايا الماضى عن عوامل التقدم، فذلك فى رأيهم تخلف ورجعية»، ويقدم نموذجا لهذا الموقف د. زكى نجيب محمود (فى كتابة تجديد الفكر العربى ص ١٨٩)، إذ قال «إننى لأقولها صريحة وواضحة: إما أن نعيش عصرنا بفكره ومشكلاته، وإما أن نرفضه ونوصد دونه الأبواب لنعيش تراثنا، نحن فى ذلك أحرار، لكننا لا نملك الحرية فى أن توجد بين الفكرين» ثم يعلق د. زقزوق على هذه العبارة قائلا «أعتقد أننا نملك الحرية فى الاستفادة من إيجابيات الحضارة الغربية مع الاحتفاظ فى الوقت نفسه بالعناصر الأساسية فى تراثنا، ونحن فى ذلك لسنا أمام تجربة أولى، فقد سبق أن جمع أسلافنا فى مرحلة البناء للحضارة الإسلامية بين تراثهم والاستفادة فى الوقت نفسه من إنجازات الحضارات السابقة، واستطاعوا أن يمزجوا بين الجانبين دون حرج».
ثم يقول فى حماس «إن التراث ميراث، وعندما تؤول تركة إلى شخص من الأشخاص فيقذفها فى البحر فهو مجنون، فإذا بددها وأتلفها ولم يحسن الاستفادة بها فهو أحمق، أما إذا انتفع بها، وأحسن استخدامها، وجنى ثمراتها فهو عاقل» (ص٢٩)، ثم يلجأ الدكتور زقزوزق إلى كتابه للإمام أبوحامد الغزالى يقول فيها «فجانب الالتفات إلى المذاهب واطلب الحق بطريق النظر، لتكون صاحب مذهب، ولا تكن فى صورة أعمى، فلا خلاص إلا فى الاستقلال» («خيرات العمل» للغزالى)، ثم عبارة أخرى للغزالى فى ذات المرجع تقول «ومن قلد أعمى فلا خير فى متابعة العميان»، ويمضى د. زقزوق متحدثا وممتدحا موقف الغزالى الاستقلالى الذى يرى أن التقليد آفة الفكر ويعود لينقل عنه «فاعلم يا أخى أنك متى كنت ذاهبا إلى تعرف الحق بالرجال من غير أن تتكل على بصيرتك، فقد ضل سعيك، فإن العالم من الرجال إنما هو كالشمس أو كالسراج يعطى الضوء فانظر ببصرك فإن كنت أعمى فلا جدوى من السراج ولا من الشمس. فإن من عول على التقليد هلك هلاكا مطلقا» («معراج السالكين» للغزالى)، ثم هو يأتى إلى ابن رشد لينقل عنه «ننظر فى الذى قالوه وأثبتوه فى كتبهم فما كان منها موافق للحق قبلناه منهم وشكرناهم عليه، ومن كان غير موافق للحق حذرنا منه وعذرناهم» («فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال» لابن رشد)، ويتوقف بنا د. زقزوق لينتقد ما يفعل البعض منا «لقدأصبحنا ندور حول التراث لتقديسه كما ندور حول الكعبة، وإذا كنا لا نضيف شيئا للكعبة جديدا بالطواف حولها فإننا أيضا لا نضيف جديدا إلى تراثنا الذى قمنا بتحنيطه خوفا من الضياع وحفاظا على هوية الأمة، ونعتقد أننا بذلك قد أدينا واجبنا نحو التراث، فالسابقون قد قالوا كل شىء، ولم يترك الأول للآخر شيئا»، ثم يحذرنا بحزم: «نود أن نؤكد أنه لا يجوز التعامل مع التراث على أنه أساس الدين وإحاطته بهالة من التقديس، لكننا أيضا لا ندعو إلى القطيعة مع التراث، لكنه جهد بشرى يخطئ ويصيب».
وقد سبق أن عاب الشيخ محمد عبده على فقهاء عصره تعاملهم مع التراث الفقهى على نحو يضفى عليه عصمة مرفوضة فيقول «لقد جعل الفقهاء كتبهم على علاتها أساس الدين، ولم يخجلوا من القول بأنه يجب العمل بها وإن عارضت الكتاب والسنة، فانصرفت الأذهان عن القرآن والحديث، وانحصرت أنظارهم فى كتب القهاء على ما بها من الاختلاف فى الآراء والركاكة» (الأعمال الكاملة – الجزء الثالث –ص ١٩٥).
وبهذا يضعنا د. محمود حمدى زقزوق موضعا حسنا وإسلاميا صحيحا، فله خالص الشكر.