الأحد 09 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الرئيس والبرلمان.. ومسئولية إشاعة الأمل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن مرحلة دقيقة وفارقة من عمر الوطن، أسس لها الرئيس السيسى عبر كلمته الأولى أمام البرلمان، مفتتحًا طريقًا شاقًا، لا تراجع عنه، ولا تردد أمام صعوباته، بعد أن اكتملت المؤسسات الدستورية للدولة المصرية الحديثة، الرامية إلى تجسيد الطموحات الشعبية التى أعلنت عنها الموجة الثورية التصحيحية فى الثلاثين من يونيو، حين خرجت الملايين تسترد ثورتها الأم، ثورة يناير المجيدة.
فى هذا السياق، يجدر بنا رصد دلالات اللحظة، وما يتبعها من تداعيات على الصعيدين الداخلى والخارجى على السواء. تمهيدًا لوضع أولويات موضوعية على أجندة العمل الوطنى، استنادًا إلى ما يواجهنا من تحديات ومخاطر، وصولًا إلى التطلعات المشروعة التى راهن الشعب عليها حين جاهد فى سبيل استكمال الأركان الدستورية، وفق ما تضمنته خارطة المستقبل.
فمع لقاء الرئيس السيسى بنواب الشعب، تعود السلطة التشريعية إلى موطنها الأصلى، بعد أن تحمل الرئيس أعباءها الضخمة لفترة استثنائية، نال فيها استحسانًا مثلما طالته بعض الانتقادات، غير أن ارتكازًا على المصلحة الوطنية لم يكن أبدًا محل جدل فيما صدر من تشريعات فى غياب البرلمان؛ ومن ثم تظل المسئولية التشريعية منوطا أمرها بنواب الشعب؛ ذلك أن الدستور يمنح مجلس النواب الحق فى مراجعة وتعديل وإلغاء ما صدر فى غيابه من قوانين.
ولعل فى خطاب الرئيس أمام البرلمان، ما يُعد تمهيدًا واجبًا لما سيطرحه برنامج الحكومة من رؤى وسياسات عامة من شأنها العمل على تحقيق التنمية الشاملة المنشودة؛ إذ تعبر الحكومة بالقطع عن توجهات الرئيس السيسى، ومنهج حكمه.
وبالفعل، قدم الرئيس السيسى فى كلمته أمام البرلمان «كشف حساب» شاملا، أشار خلاله إلى ما تم إنجازه فى الداخل والخارج، على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مؤكدًا فى الوقت ذاته على أن الطريق ما زال شاقًا، دافعًا الجميع صوب مسئولياته الوطنية.
وكان حرص الرئيس كبيرًا على الإشارة بوضوح إلى التحديات التى واجهت الوطن على الساحتين الإقليمية والدولية، مؤكدًا على ما تحقق من إنجازات فى هذا المجال، حيث أشار إلى استعادة الكثير من الدور المفقود للدولة المصرية، وحضور بارز حققته مصر فى المحافل الإقليمية والدولية، مؤكدًا فى الوقت ذاته على مشروعية «القلق» إزاء ما يواجه الوطن من تحديات ومخاطر.
وعلى ذلك يبدو احترام الرئيس للرأى العام جليًا، كما ظهر أن توجهًا حقيقيًا يفرض نفسه على الدولة المصرية، مفاده أن انخراطًا فى المجتمع الدولى بات حاكمًا لنهج الحكم، عساه يمتد إلى كافة المكونات السياسية للنظام السياسي؛ فليس بعيدًا أن القيم العالمية التى تشكل منظومة العلاقات الدولية المعاصرة يمكن أن تنهض الدولة من عثراتها السياسية والاقتصادية.
وعلى خلفية ما سبق، ينبغى أن يتراجع الكثير من المزايدات التى تستهدف إعادة النهج العدائى باتجاه العديد من القوى الإقليمية والدولية، وهى حالة لا تشى بأن إدراكًا صحيحًا لقواعد الصراع الدولى يحكم ما نصدره للعالم من رؤى وتوجهات سريعًا ما ترتد إلينا على نحو لا يحقق مصالحنا الوطنية.
ومبشرة بأمل كبير، حملت كلمة الرئيس أمام البرلمان ملامح شتى تؤكد ارتفاعًا ملحوظًا فى قيمة الديمقراطية ضمن عناصر قوة الدولة المصرية، وهو ما يتفق تمامًا مع كون المؤسسة التشريعية منوطا بها تنمية حصادنا الديمقراطى، بما يمكن أن تقدمه من نموذج ديمقراطى شديد الدلالة؛ إذ بأداء يستلهم أدواته وسُبله وروحه من دستور ٢٠١٤، يدفع برلماننا بتجربتنا الديمقراطية الوليدة إلى آفاق أرحب من العمل الديمقراطى، تتبنى فيها سياساتنا العامة مجمل مبادئ الحكم الرشيد، وتلبى التطلعات المشروعة التى نادت بها الإرادة الشعبية الحرة.
غير أن تنبيهًا واجبًا، عسى أن تدرك معه الحكومة خطورة الاستعمال المفرط من جانبها، إلى ما حازه الرئيس من تأييد كبير من نواب البرلمان؛ إذ لا يفترض أن تلقى الحكومة الأمر ذاته. إذ يقع البرلمان تحت ضغوط كبيرة من جانب الرأى العام، سواء فيما يتعلق بوظيفته التشريعية، وما ينتج عنها من تشريعات، أو بوظيفته الرقابية التى يمارسها على السلطة التنفيذية، فيما يرسخ قيمًا جديدة لطالما غابت عن حياتنا السياسية، خاصة أن الكثير من معاناة الوطن، فى عهود سابقة، تمت تحت وطأة تداعيات تأميم الأنظمة الحاكمة على مدى عدة عقود، لمختلف القضايا الوطنية الأساسية، وبالتالى احتكرت مجموعة بعينها حصد ثمار التنمية، واحتجزت الحقيقة بعيدًا عن متناول الشعب، رغم أن الأخير هو المالك الأصلى للسلطات، وهو الأمر الذى هيأ لحكوماتنا السابقة موقعًا هادئًا بعيدًا عن سطوة الرأى العام، بعد أن زالت الحواجز بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية على نحو معيب.
من جهة أخرى، وفى ضوء إشارة الرئيس إلى أهمية عدم الغلو فى الصراعات الإعلامية؛ فإن أملًا مشروعًا يشيع بين أبناء الثورة، إذا ما تفاعلت مؤسستنا التشريعية مع كل رأى مخالف أتاها من خارج أسوار البرلمان، مثلما عليها أن تدرك نهجًا ديمقراطيًا حقيقيًا فيما يدور داخلها من تفاعلات، طالما ارتكز الأمر على مسئوليات وطنية بالأساس؛ فيما يمكن أن يعزز من فرص نشر قناعات ديمقراطية حقيقية داخل بقية مؤسسات الدولة، وكذا كافة مكونات الدولة المصرية.
على هذا النحو، ومع اكتمال المؤسسات الدستورية للدولة، يمكن أن نرسخ معًا ثقافة مجتمعية جوهرها مختلف قيم الحكم الرشيد، من سيادة القانون والمساءلة والمحاسبة والشفافية وحرية الرأى والتعبير، وغيرها من المبادئ السامية التى خرجت منذ أمد بعيد من طور الجدل فى المجتمعات المتحضرة التى نجحت فى تثبيت خطواتها على طريق الديمقراطية.
وتراجع فى الآمال الثورية ينشأ إذ نستمر على ذات النهج القديم، الذى أنتج أسباب الثورة المصرية، حين دمجنا سلطات الدولة داخل المكون التنفيذى، وحين واجهنا كل رأى مخالف بخطابات التخوين والتخويف، واتبعنا سياسات الإقصاء، ونهج الاستحواذ واحتكار السلطة والحقيقة.
فى ضوء ما سبق، وضع الرئيس السيسى المؤسسة التشريعية أمام مسئولياتها، وتحت رقابة شعبية واعية، فيما يؤكد ما يحمله البرلمان، فى كل تجربة وطنية معنية بتحول ديمقراطى، من مسئولية إشاعة الأمل فى المجتمع، وبث الروح الوطنية فى أسمى صورها، باعتبار ثقل الوزن النسبى للبرلمان فى الحياة السياسية، وقوة عزمه إذا ما أراد الانحياز للإرادة الشعبية التى أنتجت الثورة.