الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حذاري من وقوعنا في الفخ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حسنًا ما اتخذته الدول العربية، والإسلامية، من مواقف تجاه قيام الإيرانيين باقتحام سفارة المملكة العربية السعودية فى طهران، والقنصلية السعودية - أيضا - فى «مشهد» الإيرانية، وقيامهم بإحراقهما، وتدميرهما، والاستيلاء على محتوياتهما، ضاربين عرض الحائط بالاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية فيينا التى تلزم الدول بحماية البعثات الدبلوماسية، وكذلك وسائل الاحتجاج الدبلوماسية.
وذلك ردًا على قيام الحكومة السعودية بتنفيذ أحكام الإعدام الصادرة ضد من أدينوا بأعمال إرهابية، ويسعون لتفتيت، وتقسيم المملكة السعودية، ومن بينهم الشيخ نمر باقر النمر القيادى الشيعى بالسعودية، الذى ولد بمدينة العوامية بمحافظة القطيف شرق المملكة السعودية عام ١٩٥٩، ومكث بها حتى هاجر إلى إيران فى عام ١٩٨٠، ومكث بها قرابة عشر سنوات، ثم توجه إلى سوريا ثم عاد للبحرين، وتم ترحيله للسعودية حيث اعتقل مرات عديدة بسبب تصريحاته العدائية للحكومة السعودية من خلال الخطب التى كان يلقيها بمنبر القطيف، خاصة مطالبته بانفصال المنطقة الشرقية من المملكة السعودية لإقامة دولة شيعية مستقلة، وكان ذلك عقب أحداث البقيع فى مارس ٢٠٠٩، وتمت إحالته للمحاكمة، وفى ١٥ أكتوبر ٢٠١٤ أصدرت المحكمة الجزائية حكمها بإعدامه.
ولم يتم تنفيذ الحكم إلا فى هذه الأيام، ما دفع البعض إلى الربط ما بين تنفيذ حكم الإعدام، واغتيال قائد قوات النصرة فى سوريا عن طريق إحدى الغارات الروسية، الموالى للسعودية، وكان رد المملكة العربية السعودية على هذه الاعتداءات قويًا حيث قامت بقطع علاقاتها الدبلوماسية بإيران، وتم إجلاء دبلوماسيها من طهران بشكل عاجل.
عقب اقتحام المتظاهرين الإيرانيين، وإعلان المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، آية الله على خامنئى، بأن السعودية ستواجه انتقامًا إلهيًا، وقيام إيران بإطلاق اسم النمر على الشارع الكائن به السفارة السعودية بطهران، وكذلك بالشارع الكائن به القنصلية السعودية بمدينة مشهد الإيرانية على غرار ما فعلوه عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات بإطلاق اسم قاتله على أحد شوارع طهران، الأمر الذى وتر العلاقات المصرية - الإيرانية، وما زال هذا التوتر قائمًا حتى الآن.
وتضامنت الدول العربية، والإسلامية، مع الشقيقة السعودية بشكل سريع، سواء مصر التى أدانت هذا العدوان، وقام وزير الخارجية بزيارة عاجلة للسعودية للتأكيد على التضامن، وقامت دولة الإمارات باستدعاء السفير، وتخفيض التمثيل الدبلوماسى بينها وبين إيران، ومثلها فعلت الكويت، والأردن، وجزر القمر، أما البحرين فقررت وقف الرحلات الجوية بينها وبين إيران، وتمت دعوة الجامعة العربية لانعقاد طارئ.
أما السودان، والصومال، وجيبوتى فقد أعلنت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، كما أدان مجلس الأمن بإجماع أعضائه هذا العدوان. وهذا الرد القوى أدى إلى أن تعلن إيران اعتذارها لمجلس الأمن عن هذا الاعتداء، إلا أن السعودية لم تقبله.
وكذلك إعلان الرئيس الإيرانى حسن روحانى عن مطالبته بسرعة محاكمة المعتدين على السفارة السعودية فى طهران، والقنصلية السعودية فى مشهد حتى تم إلقاء القبض على ٤٠ من المهاجمين.
ولكن الأفضل هو ما يحاول القيام به وزير خارجية العراق، أو مبعوث الخارجية الصينية لطهران والسعودية، والرئيس بوتين، والرئيس عبدالفتاح السيسى من تهدئة البلدين، وعدم انجرارهما للفخ المنصوب لهما، ولنا.. بإشعال حرب مذهبية «سنية - شيعية» تتورط فيها جميع الدول العربية، والإسلامية، ولا نستبعد بأن تكون سببًا فى حرب عالمية لن يستفيد منها سوى أعداء الأمة العربية، والإسلامية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها، وإسرائيل. فمخطط التقسيم، والتفكيك للدول العربية، والإسلامية ما زال قائمًا، بالرغم من نجاح ثورة الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو من وقفه.. إلا أننا لم نقض عليه تمامًا، ولم يكن الأمر بغريب حينما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بحكم كونها أحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين «مجموعة ٥ + ١» فى إبريل ٢٠١٥ بإبرام الاتفاق النووى الإيرانى، بعد مفاوضات استغرقت أكثر من ٢١ شهرًا، وكان من نتائج هذا الاتفاق رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران منذ عقود، والإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة فى الخارج، والتى تقدر بالمليارات من الدولارات، والسماح لإيران بتصدير واستيراد الأسلحة.
وما تم ليس حبًا، وعشقًا فى الشعب الإيرانى، إنما إعداد للدور المستقبلى الذى ستقوم به إيران فى المنطقة بتقسيمها، وتفتيتها، وتفكيكها على أساس مذهبى «سنة - شيعة».
وعقب إبرام هذا الاتفاق تفجرت الأزمة اليمنية بالاعتداء على السلطة الشرعية من قبل قوات على صالح والحوثيين، وما زالت الحرب مشتعلة حتى الآن، ما أدى إلى استنزاف القدرات، والإمكانيات المالية للسعودية، ودول الخليج، وظهر أثر هذا فى العجز بميزانياتها، الأمر الذى أثر على المساعدات التى تقدم لمصر.. بل كان مخططًا جر الجيش المصرى لهذه الحرب، وهو الذى يلعب دورًا أساسيًا فى محاربة الإرهاب.
إن انفجار هذه الأزمة فى هذا التوقيت أمر يثير الشك، والريبة، خاصة أن الوضع العربى فى مقاومة الإرهاب آخذ فى التحسن، والدليل على ذلك الانتصارات التى يحققها الجيش العربى العراقى بتحريره عددًا من المدن المهمة التى كان يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابى صنيعة المخابرات المركزية الأمريكية.
وكذلك وضع الجيش العربى السورى البطل الذى نجح فى استرداد مساحات واسعة من الأراضى السورية التى كانت فى قبضة التنظيمات الإرهابية المشبوهة، الأمر الذى كان له أثره فى طرح الأزمة السورية للحل وفقًا لمبدأ حق الشعب السورى فى تقرير مصيره، ومصير رئيسه، وليس بالحلول التى كان يراد فرضها عليه.
تضاف لذلك الانتصارات التى يحققها الجيش المصرى على قوى الإرهاب صنيعة الموساد من خلال المرحلة الثانية من عملية حق الشهيد، وانضمام روسيا للبلاد العربية فى حربها ضد الإرهاب المفروض عليها من قبل أعدائها، وفضح الدور الأمريكى، والتركى، والقطرى، الداعم للإرهاب، ومحاولات تنظيم داعش نقل عناصره، ونشاطه، إلى ليبيا عقب الهزائم التى لحقت به، وانخفاض عوائد البترول بسبب إغراق السوق العالمية بالبترول المهرب من العراق، وسوريا عن طريق تنظيم داعش، وكذلك البترول الصخرى الأمريكى، الأمر الذى أدى إلى انخفاض أسعاره، وتأثر اقتصاد دول السعودية، والخليج.
لقد حاولت أمريكا، والتنظيمات المشبوهة التى تدور فى فلكها، اللعب بورقة المسيحيين فى مصر، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل، وكان الفضل فى ذلك وعى شعبنا، وقيادتنا الوطنية الحكيمة، وكان ذهاب الرئيس عبدالفتاح السيسى للكاتدرائية لتهنئة الإخوة المسيحيين بعيد الميلاد أثره الكبير فى ترسيخ وحدة أبناء الشعب المصرى، وحديثه عن أن هذا العام سيشهد الانتهاء من عمليات ترميم الكنائس التى طالتها أيدى الإرهاب.. بل واعتذر لهم عن هذه الاعتداءات، بالرغم من أنه ليس له أى صلة بها من قريب أو بعيد. وأمام هذه الحقائق علينا جميعا تطويق، وتسوية هذه الأزمة بطريقة ودية، وليس بالانجرار إلى حرب تحرق الأخضر واليابس تؤدى إلى تدمير المنطقة بالكامل، وكلنا خاسرون، والكاسب الوحيد أعداء الأمة الإسلامية، والعربية. كما علينا إعلاء مبدأ عدم التدخل فى الشأن الداخلى لأى دولة عربية أو إسلامية، وعلينا أن نسحب ورقة اللعب بالتقسيم المذهبى من أيدى أعدائنا بتطوير الخطاب الدينى، وإعلاء قيم التسامح، والاعتراف بالآخر، ونبذ كل أشكال التعصب.. والنصر حليفنا بإذن الله.