رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دولة الإمارات العربية.. والقوى الشاملة للعرب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ينطبق تحليل أثر القوى الشاملة أو الخصائص القومية للوطن العربى فى السياسة الخارجية من افتراض رئيسى مؤداه أن صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية يتطلب دائمًا وجود قدر معين من القوى الشاملة ومن الموارد، ومن هنا فإن ضعف أو قوة هذه القوى والموارد من شأنه أن يؤثر تأثيرًا فعالًا على حجم وقوة وفاعلية نشاط السياسة الخارجية.
فمجموعة القوى الشاملة المتعلقة بحجم إقليم الدولة وأهميته الجيوبولتيكية، وحجم وقوة وكفاءة القوات العسكرية، والحجم الكلى للسكان النشيطين اقتصاديًا وأيضًا القدرة الاقتصادية والقدرة المتعلقة بالسياسة الخارجية وشرعية النظام وغيرها من شأنها أن تؤثر فى حجم النشاط السياسى الخارجى للدولة، وبالتالى ينسحب هذا الوضع على مستوى الوطن العربى، فالحجم الكلى لخصائص القومية للوطن العربى بالرغم من تميزه وقوته إلا أنه ليس بكاف وحده للتأثير فى السياسة الخارجية. فلا يكفى أن يمتلك العرب الموارد والقدرات، ولكن يجب أن يكون العرب راغبين وقادرين على استخلاصها وتدويرها وتصنيعها تكامليًا، وهذا كله ينعكس على تطوير البنى الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والسياسية للوطن العربى والمستوى التكنولوجى له، والواقع أن هذين البعدين معًا يشكلان ما يمكن تسميته بالقدرة على التصرف واتخاذ القرار الذى يحقق مصالحها القومية وأمنها وسيادتها، أى المبادأة بسلوك معين فى مجال السياسة الخارجية وهى نقطة مهمة تسعى القوى العظمى وأمريكا تحديدًا إلى إضعافها والتأثير سلبًا عليها وتحجيمها حتى تظل الإمكانات العربية غير مؤثرة فى السياسة الخارجية على الصعيد الدولى.
فالوطن العربى جغرافيًا هو قلب العالم القديم ومهد إحدى أهم حضاراته ما رتب له أهمية استراتيجية فائقة، ولم يغب ذلك أبدًا عن إمبراطوريات العالم فى الماضى، كما لا يغيب عن المتصارعين على السيطرة والاستغلال العالمى الآن، فبالإضافة إلى أبعاده الجغرافية الشاسعة وأهميته الجيوبولتيكية الفائقة وكتلته الحيوية الكبيرة أى حجم سكانه الذى يصل الآن إلى نحو ٣٥٠ مليون نسمة «أكبر من عدد سكان الولايات المتحدة» فإنه يشكل سوقًا كبيرة متجانسة ويؤدى إلى تجانس هذه السوق تراث حضارى واحد، لغة ودينًا وعادات وتقاليد، وبالرغم من ذلك لم يستطع العرب أن يستفيدوا من هذه الخاصية الفريدة، ومن ثم يتبين أن العوامل الجغرافية باعتبارها إحدى الخصائص القومية الرئيسية للوطن العربى لا تفرض سياسات حتمية عليه ولكنها تنتج آثارها طبقًا للقوة النسبية للوطن العربى، وطبقًا لمستوى التكنولوجيا لأنه لا يكفى أن يتميز الوطن العربى جيوبولتيكيًا من غير القدرة والمقدرة والمهارة فى تعظيم الاستفادة من هذا الوضع الجغرافى العربى لأن التكنولوجيا والإرادة السياسية تغيران من تأثير العوامل الجغرافية على السياسة الخارجية.
وبتحليلنا لهذه النقطة المهمة نجد أن تطور تكنولوجيا الصواريخ العابرة للقارات، ووجود الأقمار الصناعية المدارية، وتطوير وسائل المعلومات والاتصال الدولى وثورة المعرفة يجعل كثيرًا من فرضيات ونظريات الجغرافيا السياسية محل دراسة واهتمام لأن هذه الخاصية تحتاج بالرغم من قوتها وأهميتها إلى عناصر قوى أخرى تدعمها وتعظم من تأثيرها.
فدولة روسيا الاتحادية مثلًا وهى ليست بدولة بحرية أى أنها تفتقر لأحد مصادر قوتها باعتبار أن السواحل البحرية هى المنافذ الطبيعية للتجارة الدولية والنقل الدولى والاتصال العمرانى، إلا أن روسيا تعتبر دولة عظمى لها سطوتها وكلمتها المسموعة فى النظام الدولى، وكانت فى الماضى القريب وقت قيادتها لدولة الاتحاد السوفيتى وحلف وارسو إحدى القوتين العظميين فى النظام الدولى، هذا الوضع يرجع إلى أن روسيا استطاعت بالتقدم العلمى والتكولوجى أن تعالج بعض القصور فى ضعف إمكاناتها الجيوبولتيكية.
وينسحب هذا الوضع على إسرائيل، هذا الكيان الصغير المحشور بين ضلوع البلدان العربية وهو يعرف تمامًا حسابات القوى الشاملة له، يعرف عناصر القوة ونقاط الضعف، ولذلك فإن معالم الاستراتيجية النووية الإسرائيلية مرتكزة على أسس العقيدة العسكرية الإسرائيلية، ونظرتها لطبيعة الصراع والخصوصية الديموغرافية للكيان الصهيونى، وكذلك الوضع الجيوبولتيكى له، كما يندرج تحت هذا البند الرؤى الاستراتيجية لمختلف الأحزاب وجماعات الرأى فى المجتمع الإسرائيلى، إلى جانب مناقشة أسس نظرية الردع والردع المتبادل وما يرتبط بها من حيث نوعية السلاح النووى وقوته التدميرية «أسلحة نووية تكتيكية وأسلحة نووية استراتيجية». وعلى ذلك فإن إسرائيل تعرف كيف تتغلب على نقاط الضعف عندها والعرب يهدرون الخصائص القومية الفريدة لهم، ويستمر السؤال الساذج كيف لـ٦ ملايين يهودى فى إسرائيل أن يتفوقوا على ٣٥٠ مليون عربى ويحتلون أجزاء من أراضيهم ويهددون أمنهم ومستقبلهم.
ونعود إلى حسابات القوى الشاملة للوطن العربى لنجد أنه إضافة إلى كل عناصر القوة التى أشرنا إليها فإن المصادفة الطبيعية النادرة حبت بعض أجزاء الوطن العربى بأكثر من نصف الاحتياطى العالمى المحقق من النفط فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى، والنفط هو الوقود الذى قام عليه الرواج الاقتصادى الغربى منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن هل استفاد العرب من هذا النفط كأحد الموارد الاقتصادية العربية المهمة جدًا بالدرجة المطلوبة وبالكيفية التى تجعل لهم السطوة والكلمة المسموعة فى النظام الدولى؟ لا.. ففى عام ١٩٨٠ وحدها تعدت العائدات النفطية مائتى مليار دولار وبلغت عائدات النفط فى السعودية وحدها مائة مليار دولار، معنى هذا أن الدول العربية النفطية حصلت على مئات المليارات من الدولارات فى الحقبة الأخيرة من القرن الماضى ذهب جزء كبير منها إلى البنوك الأمريكية والغربية وضاع الباقى فى الإنفاق الاستهلاكى وتوظيفات مالية غير مثمرة بالقدر المطلوب.
وكان صاحب السمو الشيخ زايد آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة الحديثة -رحمه الله وطيب ثراه- يرى أنه صحيح قد تم تحديث عظيم للبنى الأساسية وصنوف النشاطين الاجتماعى والاقتصادى فى البلدان العربية النفطية، كما توافرت السلع والخدمات بدرجة لم يكن أحد يتصورها ولكن هذا ليس إلا قشرة للحضارة الغربية السائدة لأن التغيرات الاقتصادية التى جرت فى البلدان العربية فى السبعينيات من القرن الماضى وقد كان عظيمًا فى الدول النفطية منها لم تمثل تنمية طموحة تقود لإقامة مجتمع صناعى زراعى تجارى قوى فى إطار قومى تكاملى مستقل، فقد كان الشيخ زايد -رحمة الله عليه- يهتم بالشأن القومى بنفس الدرجة بالنسبة للشأن الوطنى الإماراتى، وكان يؤمن أن الوطن العربى يملك كل عناصرالقوى الشاملة التى تجعله فى مصاف الدول المتقدمة ولكن ينقصه الفكر والعمل التكاملى القومى والإرادة السياسية.
لقد كان الشخ زايد حكيمًا وفيلسوفًا وزعيمًا قوميًا من طراز فريد، استطاع أن ينقل الدولة من عصر الخيام إلى عصر القصور وناطحات السحاب والتقدم العلمى والتكنولوجى دون أن يغفل دوره القومى العظيم.. فسلام عليه فى مرقده وسلام عليه يوم يبعث لتحمله الملائكة إلى جنة الخلد إن شاء الله جزاء ما قدم لوطنه وأمته العربية.