الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الإرهاب الصغير.. والإرهاب الكبير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


في مقدمة كتابه الشهير، المعنون بـ“,”الإمبراطور والقرصان.. الإرهاب الدولي في العالم الواقعي“,”، كتب المفكر الأمريكي المعروف “,”ناعوم تشومسكي“,”، يحكي قصة رواها “,”القديس أوغسطين“,” عن قرصان وقع في أسر جنود “,”الإسكندر الأكبر“,”، فلما مثل أمامه سأله “,”الإسكندر“,”: “,”كيف تجرؤ على الاعتداء على الناس في البحار؟!“,”، فرد عليه القرصان ردًا مفحمًا: “,”وكيف تجرؤ أنت على الاعتداء على العالم بأسره؟!.. إلا إنني أصنع ذلك بسفينة صغيرة وحسب أدعى لصًا، أما أنت ولأنك تفعل نفس الشيء بأسطول كبير فيسمونك إمبراطورًا؟!“,”.
******
رد مفحم يعكس جوهر ما يحدث اليوم على الساحة العالمية، في ظل ما كان من احتباس للأنفاس، انتظارًا للضربة الأمريكية المرتقبة، المؤجلة، ضد سوريا، بزعم عقاب حاكمها “,”بشّار الأسد“,” ونظامه، على استخدامه للسلاح الكيماوي، في مواجهة شعبه ومعارضيه!.
وأيًا كان الحال في “,”أرض الشام“,”، فمستقبل سوريا وسلامتها: أرضًا وشعبًا وجيشًا ومقدرات، أمر بالغ الخطورة فيما يتعلق بالأمن القومي والوطني للمصريين، وهو وضع ليس مستحدثًا، فلقد أدركه بثاقب نظرته الجنرال “,”شريف باشا“,” الفرنساوي، أحد القادة الذين شكّلوا بنيان وعقيدة الجيش المصري في عهد “,”محمد علي“,” و“,”إبراهيم باشا“,”، حين حدد بدقة: “,”إن أمن الشام يبدأ من جبال طوروس، وأمن جبال طوروس يبدأ من ممرات سيناء، وأمن القاهرة يبدأ من هذه الممرات، إن القاهرة مفتاح الشام، والشام مفتاح القاهرة“,”.
لقد عيّنت الولايات المتحدة نفسها قيّمًا على شئون العالم، تُجزي من تشاء، وتعاقب من تشاء، وتفرض قوانينها وأعرافها على الدنيا بأسرها، دون قيد أو شرط، ضاربة عرض الحائط بالقانون الدولي، وبقواعد النظام العالمي، وبمبدأ استقلال الدول الذي أقرته اتفاقية “,”ويستفاليا“,” سنة 1648، استنادًا إلى ركيزة وحيدة، هي أنها تمتلك أقوى قوة ردع اقتصادية وعسكرية وعلمية، شهدتها البشرية في تاريخها الممتد، فبموجب ما أطلقت عليه: “,”الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي“,”، الصادرة في سبتمبر عام 2002 بمناسبة مرور عام على هجمات 11 سبتمبر، والتي حملت بصمات “,”اليمين الأمريكي المحافظ الجديد“,”، وأعلنها الرئيس الأمريكي الأسبق “,”جورج بوش“,” الابن، سوًغت أمريكا لنفسها المبادرة بتوجيه “,”ضربات استباقية“,”، أو “,”إجهاضية“,”، لأعدائها وخصومها، حتى دون مبرر موضوعي يستأهل هذه الضربات، ويستحق ما تجلبه على الشعوب من دمار وويلات!، وهو ما اعتبره المحللون، ومنهم الأستاذ “,”السيد ياسين“,”: “,”إعلانًا إمبراطوريًا أمريكيًا يفتح الستارـ رسميًاـ عن بداية حُكم الإمبراطورية للعالم“,”.
لقد قدمت الولايات المتحدة بهذا “,”المانيفستو“,”، نفسها كـ“,”قرصان للعصر التكنو نووي“,”: منح لنفسه الحق في أن يطيح بما ومن لا يعجبه، ويهدد بالانتقام ممن يعترض سبيله، مثلما كان يفعل “,”فتوات“,” العصر الماضي، على نحو ما أبدع أديبنا العظيم “,”نجيب محفوظ“,” بتجسيده في رواياته، حينما كانوا ينفردون بمن هو أضعف قدرة، أو مثلما يفعل “,”البلطجية“,” أو “,”الشبيحة“,”، في العصر الراهن، حين يوقع الحظ العاثر ضحية بائسة في طريقهم، فيمعنون في قهره وإذلاله، ونهب مقدراته والتنكيل به، لا لشيء إلا لأن القانون غائب والفوضى شاملة!.
والملاحظ في هذا السياق أن الولايات المتحدة والمنظومة الغربية، والتابعين (كتركيا وقطر)، لا يتورعون عن الاستخدام الفاجر لكل ما يملكون من قدرة على الكذب والنفاق والتلون والمخاتلة، للترويج لبضاعتهم الفاسدة هذه، فعدوانهم يصبح انتصارًا للحق، وتجردهم من الإنسانية يختفي خلف ستار الدفاع عن الحرية، وإمعانهم في قتل الشعوب وتدمير مقومات حياتها ومساندتهم للإرهاب والقتل والترويع، يُروج له باعتباره دعوة للاستقرار ونشر السلام والديمقراطية.. وهلم جرا!.
وكان “,”كوفي عنان“,”، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، قد أشار مبكرًا، في نهايات عام 2003، إلى عواقب مثل هذه السياسات التي تتبناها الولايات المتحدة، وتفرضها فرضًا، بقوة عضلاتها الاقتصادية والعسكرية والإعلامية، والتي “,”تُشكِّلُ تحديًا أساسيًا للأمم المتحدة، وتؤدي إلى سيادة قانون الغاب في العلاقات الدولية، وقد توفر سوابق تؤدي إلى انتشار الاستعمال الانفرادي اللاقانوني للقوة، بصرف النظر عن معقولية أو لا معقولية التبريرات“,”.
وهذا الوضع يُضفي واقعية مأساوية على مقولة “,”جورج برناردشو“,” الساخرة: “,”مشكلة أمريكا أنها البلد الوحيد في التاريخ الذي اندفع من البربرية إلى الانحطاط دون أن يمر بعصر الحضارة“,”!، وهو أمرٌ لسوء حظ البشرية صحيح، إذا فهمنا أن الحضارة الحقيقية هي التي ارتبطت في مسيرتها باكتشاف القـيّم الإنسانية والروحية السامية، التي ميَّزت البشر عن سائر الكائنات الحيَة، فصاروا قادرين على التُمييز بين “,”الخير“,” و“,”الشر“,”، وبين “,”الصواب“,” و“,”الخطأ“,”، أو ما اصطلح على تسميته في وعي وإدراك الوجود الإنساني بـ“,”الضمير“,”، الذي أشرق على العالم كله من هنا، من أرض مصر المباركة، على نحو ما شرح العالم العظيم “,”جيمس هنري بريستد“,” في سفره الأشهر: “,”فجر الضمير“,”.