الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

عندما قال الإمام الأكبر: عربستان.. وليس خوزستان (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

إذا جاز لنا أن نسأل‏.. لماذا تثار قضية عربستان الآن؟ نقول أولًا إنها ظلت تثار على يد أصحابها أبدًا‏، ‏ ولم يتوقف هذا الشعب عن المطالبة بحقه في الحرية‏، بينما نحن نُغمض الأعين لهذا السبب أو ذاك‏، ‏وكانت زيارة أحمدي نجاد مناسبة لتفجير هذه القضية، ولأننا نحتاج الآن وأكثر من أي وقت مضى إلى إيقاظ العقل العربي للاهتمام بهذه القضية، ليس فقط دفاعًا عن شعب عربي يناضل من أجل تحرره‏، ‏وإنما حفاظًا على عروبة وحقوق كل المساحات العربية المجاورة‏،‏ ومع تصاعد المأساة العراقية وزيادة تعقيداتها بسبب التدخل الإيراني المباشر في العراق، والذي كان المستفيد الوحيد من الغزو الأمريكي الأحمق، تتجدد الحاجة لتجديد دعم النضال الأحوازي في التحرر‏. ‏ونقرأ‏: “,”‏الأحواز الوطن العربي، التوأم للعراق المحتل، وهو من أهم ساحات الصراع “,”العربي ـ الإيراني“,” في العراق، وعبر شعبه وعلى أرضه يتقرر مستقبل هذه المنطقة“,” ‏(‏د‏. ‏خالد المسالمة ـ الأرض العربية المحتلة‏. ‏ ص‏8). ‏
هكذا كان الأمر‏.. ‏أما لماذا تتمسك جمهورية إيران الإسلامية باحتلال قطر عربي وإسلامي واضطهاد سكانه المسلمين هذا الاضطهاد الجائر؟ فإن الأسباب عديدة‏. ‏ وتبدأ بعبارة من مذكرات “,”رضا شاه“,” الشخصية، وقال فيها: لقد فكرت كثيرًا قبل إقدامي على اقتحام أكبر معقل يفصل بين فارس والعراق، فوجدت أنه من الضروري القضاء على أمير عربستان‏(‏من مذكرات رضا خان نقلًا عن: ‏مصطفى النجارـ التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية من ‏1896‏ وحتى ‏1925‏ـ القاهرة ‏1970ـ ص‏233)،‏ وهكذا ولكي يجتاز “,”رضا شاه“,” الحاجز الجغرافي، الذي يفصل بلاد فارس عن عربستان‏، ‏ومن ثم عن العراق وهو حاجز جبلي شاهق وشديد الوعورة ويضم جبال زاغروس وجبال الباختياري، لجأ إلى المحتل البريطاني في العراق وحصل على مساعدته في اختطاف الأمير خزعل أمير عربستان عام ‏1925‏ ثم إعدامه‏. ‏
وفضلا على الحاجز الاستراتيجي الشاهق والشديد الوعورة، والذي يمثل العائق الجغرافي بين الأطماع الإيرانية والعراق‏، ‏ومن ثم بقية المناطق العربية، فإن هناك مسألة استراتيجية وجغرافية شديدة الأهمية‏، ‏فعربستان تمثل مجمل شاطئ الخليج بامتداد ‏800‏ كيلو متر، وعمق يبلغ في المتوسط ‏150 كيلو مترا‏،‏ أي أنها حاجز جغرافي عمقه ‏150‏ كيلو مترا بين أراضي إيران ومجمل شواطئ الخليج‏.
ونواصل المعلومات الجغرافية المهمة‏، ‏فمساحة عربستان ‏324‏ ألف كيلو متر مربع أي تساوي تقريبا مساحة سوريا ولبنان والأردن وفلسطين مجتمعة‏، ‏وهي تقريبًا ربع مساحة إيران (000ر640ر1 كيلو متر مربع‏)‏ لكن الجغرافيا تقول أيضًا إن ‏80%‏ من المساحة الإيرانية صحاري جرداء‏، ‏بينما أراضي عربستان شديدة الخصوبة وترويها خمسة أنهار كبيرة، تنبع من جبال زاغروس وجبال الباختياري‏، ‏وأهم هذه الأنهار نهر الكارون ونهر الكرخة ونهر الجراحي، وهي تخترق أراضي عربستان لتصب في الخليج العربي، ‏وهناك أيضا عدد من البحيرات تمتد لآلاف الكيلو مترات المربعة، وهي مصدر حيوي لمزيد من المياه وللصيد‏. باختصار فإن عربستان تمتلك نصف المخزون العام من مياه الري والشرب لإيران‏، وقد أقامت الحكومة الإيرانية قرابة العشرين سدًا على هذه الأنهار لتستخدم مخزونها من المياه في الري وفي مياه الشرب لمختلف محافظات إيران‏، ‏بينما ـ وهذه مفارقة مؤسفة ـ تترك عربستان دون مياه شرب نقية‏، ومن هذه السدود تُولد كميات هائلة من الكهرباء‏، ‏تنقل مباشرة لتضئ الشوارع والمنازل ولتشغيل المصانع في المناطق الإيرانية‏، ‏بينما تترك كل عربستان بلا إضاءة وبلا مصانع‏، ‏ومادمنا في ساحة الجغرافيا، فإننا نرى أن أغلب الموانئ والمنافذ البحرية التي تصل إيران بالعالم الخارجي تقع أيضا في عربستان‏. ‏‏
ثم نأتي بعد ذلك إلى الاقتصاد‏.. ‏ونستعين بالأرقام الإيرانية الرسمية‏:
* عربستان تنتج ‏50%‏ من الإنتاج الإجمالي لإيران من القمح و‏90%‏ من إنتاج التمور‏.
* ولأن الأرقام الرسمية الإيرانية تتجاهل ذكر أرقام محددة عن مساهمة عربستان في إجمالي الدخل العام لإيران، فإن مصادر محايدة تقول إن حصة عربستان من إجمالي المحاصيل الزراعية والمياه والموانئ والبترول والغاز تمثل أكثر من ‏40%‏ من مجموع الناتج الإجمالي الإيراني‏، ‏ورغم ذلك فإنه إذا كان مجمل سكان الجمهورية الإيرانية ‏70‏ مليون نسمة فإن ‏12‏ مليونًا منهم، أي مواطني عربستان‏، ‏يعيش أغلبهم تحت خط الفقر بكثير‏، ‏وإذا كانت الأرقام الرسمية الإيرانية تقول إن ‏13%‏ من السكان في عام ‏2007‏ يعيشون في فقر مدقع ‏(‏جريدة الشرق الأوسط ـ‏13‏ـ ‏8 ‏ـ‏2007) ‏فإن عملية حسابية بسيطة توضح أن الغالبية العظمى من هؤلاء هم من سكان عربستان‏. ‏
* وتتضاعف أهمية ثروات عربستان بالنسبة لإيران إذا علمنا أن هذه المنطقة تنتج ‏85%‏ من البترول والغاز الطبيعي لإيران ومايقارب ‏75%‏ من إنتاج إيران من الكهرباء‏، ‏وبالتالي فإن هذا البترول المتدفق يضخ لإيران أهم ثرواتها ‏(4‏ ملايين برميل يوميًا‏)‏ بما يضع إيران في المرتبة الثانية لدول “,”أوبك‏“,”، ‏بالإضافة إلى أن كميات الغاز الطبيعي الهائلة تأتي من عربستان، بينما يُحرم سكانها من أبسط مقومات الحياة‏. ‏
ولعل هذه الأرقام هي التي تدفع الجمهورية الإيرانية الإسلامية إلى نسيان أي شيء في سبيل قهر الشعب الأحوازي وإسكات صوته، بل وإسكات أي صوت عربي للدفاع عنه‏، ‏ويجري اضطهاد سكان عربستان اضطهادًا منظمًا ومستمرًا ومنهجيًا بما دفع نحو ‏400‏ ألف من أبناء عربستان أي ‏5%‏ منهم للهجرة إلى الخارج‏. ‏
ويبقي أن نقر بأننا لا نرغب بأي حال في محاصرة دولة إيران ولا في تجريدها من قدرات اقتصادية مهمة وأساسية‏، نحن فقط نريد الحرية لشعب وأرض عربستان وعبر هذه الحرية سوف تنشأ بالفعل علاقات صحية وإنسانية‏، علاقات بين جارتين متحررتين تعملان وبإخلاص من أجل نهوض هذه المنطقة كلها‏، ‏لصالح شعوبها كلها‏، ‏وفي مواجهة أعدائها كلهم‏،‏ ذلك أن احتلال أراضي الغير لن يؤدي إلا إلى جراح قد لا يصمت عليها أصحابها طويلًا‏.
أما أسوأ الحلول فهو ما تصمم عليه إيران‏، ‏فهي تقول إنها تواجه الاحتلال الصهيوني للشعب الفلسطيني المسلم، بينما هي تضطهد شعب عربستان المسلم‏، ‏وتقول إنها تواجه الإمبريالية الأمريكية التي تحرم شعوبًا مسلمة من حريتها ومن حقها في تحرير المصير، بينما هي تفعل نفس الشيء بالنسبة لشعب عربستان‏، ‏وهي تعلن أنها ترفض احتلال أمريكا للعراق، بينما وعلى بعد خطوات من العراق تمارس احتلالًا شديد القسوة لشعب آخر‏. ‏
وأخطر ما يواجه إيران في هذه الظروف الدولية الصعبة، هو أن تفقد مصداقيتها أمام شعوب المنطقة، وتتبدى ليس كقوة تحرير وتقدم وتوحيد للمنطقة‏، ‏وإنما كقوة احتلال وتخلف وتمزيق للمنطقة‏، ومن ثم لا مناص من إعادة الأرض لأصحابها والحرية لشعبها.
.. ونسأل هل هذا ممكن؟ ويجيب “,”جرامشي“,” نيابة عن الجميع‏:‏
تشاؤم الواقع يهزمه تفاؤل الإرادة‏.