الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مجنون مش حمار "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أخذت هذا العنوان من النكتة المصرية الشهيرة، وإذا كنت لا تعرفها يا عزيزى القارئ فعليك بمقالى «مجنون مش حمار - ١» المنشور الأسبوع الماضى.
ذهبت إلى صديقى فى مستشفى الأمراض العقلية للزيارة والاستفادة من رأيه، فالحكمة المصرية تقول «خذوا الحكمة من أفواه المجانين»، وبادرنى صديقى بضحكة حزينة، ثم أردف قائلا: «ديمقراطية إيه إلى إنتوا عايزينها؟ ديمقراطية إيه وإنتوا بتكرسوا للعنصرية»، فلما رأى علامات الدهشة على وجهى، قال: «ألم تسمع عن شركة تأسست لتسيير عربات تاكسى تقودها سيدات ولا تسمح بركوبها إلا للسيدات وتطلى بلون يناسب السيدات؟ وقد أشادت المذيعة بهذه الفكرة الرائعة، قائلة: أهو ده يمنع التحرش، وقالت صاحبة المشروع: مش بس التحرش ولكن للمحافظة على خصوصية السيدات، وأردفت قائلة: الأجرة ستكون أعلى، وهذه الخدمة مقدمة للنساء العربيات أو طبعا المصريات الثريات، فبالله عليك لو طالب الأقباط بتاكسى بقوده قبطى، ويطلى بلون محبب للأقباط، ولا يركب فيه إلا الأقباط للمحافظة على خصوصيتهم، وتاكسى آخر للسنة، وثالث للشيعة، ثم الأرمن، ومن بعدهم النوبة لأن النوبة لها خصوصيتها، وكم أكره هذه الكلمة البراقة التى يمرر تحتها كل عنصرية، وكل عدم استفادة من العلوم الإنسانية والتكنولوجيات الحديثة».
فقاطعته لأغير الموضوع قائلا: «إنتوا بتتفرجوا على التليفزيون؟» قال: «مجنون مش مسجون وحتى المساجين يشاهدون التلفاز، ولكن لا تغير الموضوع فالديمقراطية فى مصر يجب أن تبدأ من الطفولة، البيت أولا والمدرسة ثانيا، أما فى البيت، فكم من الآباء يتنازل عن بعض سلطاته ويشرك أهله فى اتخاذ القرارات غير المهمة قبل المهمة، بل كم من الآباء لا يقول: هو كده لأن أنا قلت كده، أما فى المدرسة فالمدرس ما زال ينتخب الطلاب النابهين ويجعلهم فى الصفوف الأمامية، حتى إذا حضر المفتش وسأل بعض الأسئلة يتلقى الإجابات الصحيحة، ويعتقد أن الجميع بهذه الشطارة، ومثله فى ذلك مثل بائع الفاكهة الذى يضع الفاكهة النضرة فى مواجهة الزبائن، ويضع لهم فى الكيس ما يخبئه بعيدا عن أنظارهم، فالديكتاتورية لا تبدأ من الرئيس، بل هى سلسلة هرمية قاعدتها البيت والمدرسة، وتتصاعد، فالموظف الأصغر يطيع رئيسه ولا يستطيع أن يناقشه حتى لو كان رأيه مغايرا، والرئيس يطيع رئيسه، والكل يخشى النقاش ويقذف بالمنطق من النافذة، لأنه رأى أن رئيسه لن يتعامل به».
فقلت له: «كان فى مصر ديمقراطية وبرلمان ومجلس شيوخ، وعرفنا الديمقراطية قبل كثير من البلدان، بل كانت مصر متقدمة حتى إن اليابان أرسلت بعثة من الساموراى فى نهاية القرن التاسع عشر للتعرف على أسباب تقدم مصر، ونهضتها، وفى مصر كان يعيش أجانب يونانيون وفرنسيون وإيطاليون وغيرهم، بل أن أحد رؤساء الوزارات كان نوبار باشا الأرمنى أيضا قال أحد نواب البرلمان إنا لنسحق أكبر رأس فى الدولة إذا تجرأت وألغت الدستور».
فضحك صديقى ضحكة طويلة، وقال: «ما علاقة الديمقراطية ببلد فيه الأغنياء جدا والفقراء جدا جدا، فلا تنسى أن أمل مصر فى هذا الوقت كان مقاومة الحفاء، وأنت تعرف أن من لا يستطيع تأمين سبل حياة أسرته لا يلتفت لا إلى السياسة ولا الديمقراطية، لأن همه هو الجرى على العائلة»، ولما رأى صديقى أمارات الدهشة والتعجب على وجهى قال مقولته المشهورة: «مجنون مش حمار».