رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

ننشر نص كلمة المفتي في مؤتمر الإفتاء الأول

 شوقي علام مفتي الجمهورية
شوقي علام مفتي الجمهورية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام في كلمته خلال مؤتمر الافتاء الأول أن دارَ الإفتاءِ المصريةِ ترحِّبُ بكم في مؤتمَرِها الأوَّلِ، والذي نأمُل أن يكونَ بدايةً موفَّقةً في إعادةِ المرجعيةِ الوسطيةِ للفتوى، آملينَ من خلاله تحقيقَ التعاونِ مع الجهاتِ والهيئاتِ والمؤسساتِ العلميةِ الدوليةِ، التي تعملُ في مجالِ الإفتاءِ لتوحيدِ الرُّؤَى والجهودِ في هذا المجال؛ بهدفِ الاجتماعِ على كلمةٍ سواءٍ في أمرِ الفتوى.
فإلي نص الكلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
فضيلةَ الإمامِ الأكبرِ الأستاذِ الدكتور، أحمد الطيب - شيخ الأزهر الشريف.
معالي الدكتور جلال مصطفى سعيد - محافظَ القاهرةِ نائبًا عن معالي السيد المهندس/ إبراهيم محلب - رئيس الوزراء.
السادةُ الوزراءُ والسفراءُ والعلماءُ.. الحضورُ الكريمُ.
أما بعدُ،،،
فإنَّ دارَ الإفتاءِ المصريةِ ترحِّبُ بكم في مؤتمَرِها الأوَّلِ، والذي نأمُل أن يكونَ بدايةً موفَّقةً في إعادةِ المرجعيةِ الوسطيةِ للفتوى، آملينَ من خلاله تحقيقَ التعاونِ مع الجهاتِ والهيئاتِ والمؤسساتِ العلميةِ الدوليةِ، التي تعملُ في مجالِ الإفتاءِ لتوحيدِ الرُّؤَى والجهودِ في هذا المجال؛ بهدفِ الاجتماعِ على كلمةٍ سواءٍ في أمرِ الفتوى.
الجمعُ الكريمُ!!
إننا نجتمعُ اليومَ في ظلِّ تحدياتٍ كبيرةٍ يعيشُها المسلمون في مختلفِ بلدانِ العالمِ، في ظلِّ انتشارِ موجاتِ التطرفِ والإرهابِ التي تشوِّهُ ديننَا الحنيفَ وفي ظل ظهور أناس موتورين ينتزعون الكلامَ النبويَّ من سياقه، ويحمِلونه على المعاني والمحامل التي لا يحتملها اللفظ النبوي وفق قواعد الاستنباط الصحيحة، ويخلعون عليه ما وَقَر في نفوسهم من غِلظةٍ وعُنف وشراسة وانفعال، مع جهل كبير بأدوات الفهم، وآداب الاستنباط، ومقاصد الشرع الشريف وقواعده.
إننا نواجِه الأميَّةَ الدينيةَ من جهةٍ، ونواجهُ فتاوى أشباهِ العلماءِ من جهةٍ ثانية، ونواجه تشويهَ الدينِ الإسلاميِّ بيدِ مَن ينتسبونَ إليه من جهةٍ أخرى، ونحن أيضًا في لحظةٍ يحاولُ فيها بعضُ الأقزامِ أن يُهدِّدُوا سلامَ الأوطانِ، ويطمَحُ فيها أعوانُ الشيطانِ أن يؤجِّجُوا نيرانَ الفتنةِ بين أبناءِ البلدِ الواحدِ، معتمدينَ في ذلك على الشائعاتِ والأكاذيبِ والأراجيفِ تارةً، وعلى فهمهم السقيم للدين تارةً أخرى.
ونظرًا لما للفتوى من دور مهم في الإصلاحِ والحفاظِ على الأمنِ المجتمعي، ومواجهةِ التطرفِ، وإرشادِ الناسِ إلى قيمِ الإسلامِ الصحيحةِ ومقاصدِه العليا، التي تتمثلُ في العبادةِ والتزكيةِ والعمرانِ، ارتأيْنَا أنْ ندعُوَ جماعةً من أعيانِ العلماءِ من مختلفِ بلدانِ العالمِ العربي والإسلامي بل وغير الإسلامي في محفَلٍ علميٍّ؛ لنضعَ النقاطَ على الحروفِ، ونقفَ معًا متضامنين، مترابطي الأيدي أمامَ هذه التحدياتِ التي تَطالُنا آثارُهَا السلبيةُ كمسلمين بشكلٍ خاصٍّ، وتمتدُّ إلى غيرنا بشكلٍ عامٍّ أفرادًا وجماعاتٍ، ودولًا ومجتمعاتٍ.
والفتوى كما لا يخفى على شريفِ عِلمِكُم أمرُها جليلٌ وشأنُها خطيرٌ؛ والإقدامُ عليها بغيرِ علمٍ من جملةِ الكبائرِ؛ فقد ذكرهُ اللهُ مقرونًا بالشركِ والكبائرِ والفواحشِ والآثامِ؛ قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وقد روَى أبو داودَ في سُننِهِ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ».
والفتوى عملٌ مركَّبٌ يحتاجُ لأدواتٍ وإعدادٍ، وإعمالِ فكرٍ ونظرٍ للوصولِ إلى المطلوبِ، لذَا فقد تواترَ عن العلماءِ قولُهم إنَّ: "الفتوى صنعةٌ"؛ أي أنها عمليةٌ دقيقةٌ تحتاجُ من القائمِ بها أن يكونَ عالمًا بالشرعِ الشريفِ؛ بإدراكِ المصادرِ، وفهمِها؛ ومدركًا للواقعِ بعوالِمِه الخمسةِ وما بينها من علاقاتٍ بينيَّةٍ.
الجمع الكريم!!
لا شكَّ أنَّ الفتوى ما دامتْ وسطيةً وصادرةً عن أهلِها؛ فإنَّ لها دورًا في الحفاظِ على الهُويَّةِ؛ حيثُ إنها تُخبِرُ عن حُكمِ الدينِ في المسائلِ الخاصةِ، وكذلك في المسائلِ العامَّةِ، والدينُ منَ الخصائصِ المكوِّنَةِ للهُويَّةِ الخاصةِ للمصريينَ بشكلٍ خاصٍّ، وللعربِ بشكلٍ عام، وللمسلمين في مشارقِ الأرضِ ومغارِبها بشكل أعم.
وتحديدُ الهُويَّةِ ووضُوحُها هو الذي يؤثِّرُ إيجابًا في استمراريةِ التميزِ الحضاري والاستقلالِ الثقافي للأمةِ صاحبةِ الهوية.
وقد زادَ ذلك تأكُّدًا حتميةُ النظرِ في الخطابِ الديني، وضرورةُ إعادةِ تقديمِه في شكلٍ لافتٍ.
السادة العلماء والحضور!!
لأجل هذا جاء مؤتمرُنا العلمي؛ ليتكلمَ فيه صوتُ العلمِ الرصينِ تاليًا قولَ الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون﴾، ومؤكدًا على ضرورةِ تأكيدِ جهةِ المرجعيةِ واحترامِ التخصصِ، وبيانِ خطورةِ كلامِ غيرِ المتخصصين فيما لا يُحسنِونَ من أمورِ الإفتاء؛ بما يَنتجُ عنه من تخليطٍ، وفسادٍ، وإفسادٍ؛ كما قالَ ابنُ سيرين: «إنَّ هذَا العلمَ دينٌ، فانظُروا عمن تأخذونَ دينَكُم».
ألا فلتكفَّ عنَّا ألسنةُ الفتنة صُراخَها، ولتكفَّ عنا أقلامُ الفتنة صريرَها، ولتكفَّ عنا أبواقُ الفتنة نعيقَها، ولا يتكلمْ في دقائق الفتوى إلا أهلُها المتفرغون لها المتخصصون فيها المسئولون عنها أمام الله سبحانه، ولينشغلْ كلٌّ منَّا بما خُلق له ووُكِّل به ويُسِّر له، فكلٌّ منا على ثَغرٍ من ثغور الوطن، والوطنُ بحاجة إلى جهودنا أجمعين كل في مكانه ومجاله وتخصصه الذي يحسنه، أما أن يخرج علينا بعض الكُتَّاب وبعضُ هواة الشُّهْرة كلَّ يومٍ بكلامٍ شاذٍّ أخرقَ مُنكَرٍ يمزِّق وحدة الوطن ويُفرِّق الصف ويزيد انشغاله ويلفت انتباهه إلى سفاسف الأمور وتوافه الأفكار وغرائب الأقوال، فهذا ما لا يمكن السكوت عليه بحال.
يأتي مؤتمرنا هذا ليرسِّخ مبادِئَ الوسطيةِ في الفتوى؛ من نحو: النظرُ في المآلاتِ، وقصدُ تحقيقِ المصالحِ ودرء المفاسد، وتمييزُ الثابتِ من المتغيرِ، ومراعاةُ الضرورةِ والحاجةِ وعمومِ البلوى، ورفعُ الحرجِ ودفعُ المشقةِ، وإعمالُ الرُّخَصِ في محالِّـها، والتعرفُ على مواطنِ الأخذِ بالعزائمِ، وتفعيلُ المقاصدِ.
يأتي مؤتمرنا هذا ليبين أنه ليس كل مسألةٍ ألصقَها الأغرارُ بالشريعةِ -بحسبِ فهمهِمُ الكاسدِ العليلِ- لا بدَّ أن تكون بالضرورةِ صحيحةَ النِّسبةِ إليها، بل إنه كما قيل: "إنَّ كلَّ مسألةٍ خرجت عن العدلِ إلى الجَورِ، وعن الرحمةِ إلى ضدِّها، وعن المصلحةِ إلى المفسدةِ، وعن الحكمةِ إلى العبثِ، فليست من الشريعةِ، وإن أُدخِلتَ فيها بالتأويل".
يأتي مؤتمرنا هذا ليؤكد على أن التراثَ الفقهيَّ القديمَ، كنزٌ ثريٌّ، ومَعِينٌ عذبٌ للدارسِ والفقيهِ والمفتي والقاضِي، لكنه مع ذلك ليسَ معصومًا، ولا منزَّهًا عن الغلطِ، ولا هو فوقَ النقدِ والتصويبِ بشرطِه، كما أن بعضَ جُمَلِه قد تأثَّرتْ بواقِعها وزمانِها، فالمتعينُ هو ألا نقفَ عندَ وقائعِه ومسائلِه الزمنيةِ، بل نتجاوزُ ذلك إلى المناهج، فنُفَعِّلها ونستعملُها في النوازلِ والمستجداتِ بما يناسِبُ حاضرَنَا وواقعَنَا.
لذا جاءت محاور المؤتمر الرئيسة التي تنتظم هذه المطلوبات كلَّها وغيرَها بشكل أو بآخر: ليكون المحور الأول: عن الإفتاء وأثره في استقرار المجتمعات.
والمحور الثاني: عن الفتاوى ومواجهة التطرف والتكفير والتعصب المذهبي.
والمحور الثالث: عن الوسطية في الإفتاء والتجديد في علوم الفتوى.
والمحور الرابع: عن الإفتاء والتنمية.
هذه المحاور ستكونُ محلَّ دراسةِ ونقاشِ جَمعِكم الكريمِ من السادةِ المفتين والعلماءِ والباحثين الكرامِ اليوم وغدًا بمشيئة الله.
آملينَ أن نخرجَ بنتيجةٍ إيجابيةٍ فعالةٍ من هذا العملِ والمجهود؛ في توصياتِ المؤتمر وأعمالِه، وأن يكون هذا المؤتمرُ حدًّا فاصلًا بين عصرِ فوضَى الفتاوى التي تتسببُ في زعزعةِ استقرارِ المجتمعاتِ وتؤدي إلى انتشارِ التطرُّفِ، وبين عصرِ الفهمِ الدقيقِ لطبيعةِ الدورِ الإفتائي وما يكتنِفُه من ضوابطَ يمكنها مع التطبيقِ أن ترتقي به إلى أعلى مستوياتِه، وتُسهمَ في عجلةِ البناءِ والعمران.
والشكرُ الجزيلُ والترحيبُ الكبيرُ بالسادةِ الحضورِ جميعًا؛ من ضيوفنَا الأعزاءِ من السادةِ العلماءِ، ورجالِ الدولة، وقاماتِ الفكرِ والثقافة، ورجالِ الصحافةِ والإعلامِ، مشاركين ومتابعين.
وآخرُ دعوانَا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.