الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أكذوبة الاقتصاد الوطني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لفترة قبل سنوات كُنت أعتقد أن كُل أجنبى عدو.. كُل آخر خصم، وكُل غربى مُتآمر يحمل لنا الكراهية والحقد والرغبة في تدمير بلادنا واستغلالها، رُبما كان ذلك نتاج موروث بغيض تداولناه في عقولنا قبل صحافتنا حول كراهية الغرب لنا، وهو ما يوازى نظرية المؤامرة التي تحكُم عقولنا منذ عقود.
عندما بدأت أبحث وأُدقق في تاريخ الاقتصاد المصرى الحديث هالنى ما تركه الأجانب من بصمات عظيمة على بلادنا، وهو ما يُكذّب كُل ما حاولوا صبُه في أدمغتنا لتبرير مذابح التأميم الناصرية التي طالت مؤسسات وشركات لا حصر لها ملك الأجانب والمصريين على السواء، لقد هالنى أن أجد أيادي بيضاء عديدة للأجانب على الاقتصاد المصرى، رُبما ربح كثيرون من مصر، لكن الرابح الأكبر كان المصريين الذين تعلموا فنون جديدة في الإنتاج والتسويق والترويج والبيع.
من الشوام تعلمنا صنوف البيع، ومن اليونانيين عرفنا أصول الفندقة، ومع اليهود تدربنا على احترام الكلمة والبيع بالآجل، ومع البلجيك رأينا أُسس التنظيم والتخطيط سواء في المعمار أو غيره.
قبل قرن من الزمن كانت مصر تعج بالجاليات المختلفة، يونان، أرمن، يهود، شوام، طليان، وبلجيك وغيرهم، أسسوا، وبنوا، وعلموا، وتعلموا ولم يكتفوا بامتصاص خيرات البلد أو يحرموا أولادها من المنافسة أو المشاركة حتى ظهر لدينا رأسماليون عظام مثل طلعت حرب، أحمد عبود، ومحمد فرغلى، والسيد أبو رجيلة، وكريازى وغيرهم.
إن أحدا لا يمكن أن يحتكر الوطنية فيطلق مصطلح «اقتصاد وطنى» على كل اقتصادى أو مستثمر مصرى حتى لو كان انتهازيا أو مستغلا، ويطلق توصيفات «متآمر»، «غازى» و«قاهر» على كل أجنبى وإن كان يفيد الناس، لا يوجد اقتصاد وطنى وآخر غير وطنى، لكن يوجد اقتصاد ناجح وآخر أقل نجاحا.
حناجر كالخناجر، تُحذرنا وتُرهبنا وتُعلى هُتافات التخويف والإرهاب من كُل أجنبى حتى لو كان حاملا لزكائب من الفضة لينثرها في بلادنا، لقد دفعنى الحظ يوما أن أدخل في نقاش ساخن ومطول مع الدكتور ممدوح حمزة المهندس المعمارى، والناشط السياسي حول الاستثمار الأجنبى، كان الرجل يراه بمثابة الاستعمار، ويعتبر كُل نشاط هدفه ضرب مصر وقهرها والتحكم في شعبها، وكُنت أقول له إن تلك الأحكام الجاهزة انتهت في العالم كُله، وأن أساليب وفنون ونُظم جديدة نكتسبها كمصريين من الاحتكاك بالآخرين، وطالت المُناقشة، حتى أن الرجل سعى إلى التخلُص من المُجادلة بعرضه أن يمول دراسة أعدها أنا عن خسائر مصر من الاستثمار الأجنبى، مُتصورا أنه يمكن شراء أي شيء بما في ذلك الآراء التي يتبناها وعفى عليها الزمن، وقلت للرجل إنه لا يُمكن عمل دراسة لها نتيجة مُسبقة؟
ومن وقتها وأنا أتشكك كثيرا عندما استمع لأى دعوات يتم رفعها في مواجهة الاستثمار الأجنبي، مثلما جرى في مصنع أجريوم لخدمة مصالح شخصية، وجرى مع مؤسسات أجنبية عديدة تحت لافتة «التمصير».
إن الاحتكاك بالآخر مُفيد، ومُشاركة الأجانب خير، والاستثمار غير الوطنى له آثار إيجابية عديدة على الاقتصاد المصرى، وعلى رافعى رايات التحذير من الهيمنة الغربية، والسيطرة الأجنبية أن يغلقوا أفواههم صمتًا على ما يكبدونه لمصر من خسائر بسبب شعارات وعبارات ما أنزل الله بها من سُلطان.
والله أعلم.