الخميس 13 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إعلام النصف الفارغ من الكوب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يرى البعض أن مهمة الإعلام إبراز السلبيات لأنه يعتبر الإيجابيات هي القاعدة أما السلبيات هي الاستثناء، ويميل المتلقي وفق هذه الرؤية إلى متابعة غير المعتاد فهو ينجذب إلى الأمر السلبي أو الاستثناء أو الشاذ؛  لأنه غير عادي وأكثر إثارة، ويمكن القول إن قنوات فضائية ليست بقليلة تقوم سياستها التحريرية على هذا الفهم لدور الإعلام ومن ثم اعتمدت أفكارها البرامجية على تقديم كل ما هو غير عادي أو مختلف، ويستند أصحاب هذا الرأي على قاعدة مهنية يعلمها المتخصصون في مجال الأخبار، وهي أن الحدث لا بد أن يكون جديدا وغير عادي ومثيرا حتى يصبح خبرا،  وهي مرتبطة بما يعرف معايير الخبر، غير أن أصحاب هذا الرأي قد جانبهم الصواب ووقعوا في خطأين جسيمين نوضحهما فيما يلي:
الخطأ الأول أنهم فعلوا كمن قالوا (ولا تقربوا الصلاة) وكفى حيث معايير الخبر على النحو الذي يطبقونه ناقصة ولا بد من إكمال القاعدة المذكورة بأن الخبر أيضا لا بد أن يكون مستحوذا على الاهتمام ويتعلق بالناس.
الخطأ الثاني أن القاعدة المذكورة تطبق على الأخبار فقط وليست شرطا أن تطبق على البرامج ومنها برامج العرض الكلامي المعروفة بالتوك شو، وحتى لو تم تطبيقها على هذا البرنامج أو ذاك فلا بد من الالتزام بكل المعايير، ومنها المعياران الأخيران وهما الأهمية وأن يتعلق الموضوع المثار في البرنامج بالمتلقي؛ لأن كلاهما يقودان إلى التمسك بالقيم المهنية، وهي قيم أقرب ما تكون إلى الأخلاق مثل النزاهة والدقة والموضوعية والمحاسبة والمصلحة العامة، فإذا بحثنا عن موضوع برامجي جديد وغير عادي ويتسم بالإثارة لا بد أن يكون أيضا على قدر عال من الأهمية، ويتعلق باهتمامات المتلقي أو الناس، ومن هنا لا يقع منتج البرنامج في مأزق الخروج على النظام القيمي للمجتمع مثل كثير من البرامج الموجوده حاليا.
إن الإعلام ليس فقط إلقاء الضوء على النصف الفارغ من الكوب فقط لأنه بذلك يصبح إعلاما هادما، الإعلام هو أداة بناء عندما يتناول الجوانب السلبية للأداء المجتمعي لبحث أسبابها ورصد وسائل إزالتها من قبل أفراد ومؤسسات المجتمع وفي الوقت نفسه تعلية الجوانب الإيجابية وإبراز النماذج الإنسانية والطاقات البشرية القادرة على الإنجاز بعبارة أخرى النظر أيضا إلى النصف المملوء من الكوب وبنفس النظرة فيما يتعلق بالبرامج التي تطيح بقيم المجتمع فتتناول موضوعات متدنية أخلاقيا!
وحتى ندرك ما تقدم يقوم الإعلام بتحقيق ثلاثة وظائف رئيسية التثقيف والإخبار والترفيه ومن المفترض خلق حالة من التوازن الموضوعي بين الوظائف الثلاث، خاصة في القنوات العامة التي تقدم الأشكال البرامجية المتعلقة بأداء دور ثقافي تعليمي يقدم المعلومة للمتلقي في كل مجالات العلوم والثقافة، وتقدم خدمة إخبارية على مدار الساعة تلاحق الأخبار في كل مكان، وتنقل الأحداث لحظة وقوعها وفي الوقت نفسه تقدم ترفيها راقيا غير مبتذل ويعلي من قيم الفنون والجمال والذوق الرفيع.
لو طبقنا ما ذكرناه على ما يقدم اليوم في الإعلام المصري سوف نكتشف أن إعلام النصف الفارغ من الكوب هو السائد وفي اعتقادي أنه لا بد من وجود إعلام متوازن لا ينظر فقط للنصف الفارغ من الكوب!
من هنا كان يجب عدم المساس بإعلام الخدمة العامة على اعتبار أنه الإعلام الذي يقدم خدمة للمتلقي ولا ينتظر عائدا ماديا سريعا بينما عائده الأكبر في بناء وجدان الأمة وفي قدرته على تقديم الحقائق مراعيا دائما المصلحة العامة كإحدى القيم التحريرية الملتزم بها أي إعلامي مهني يمتلك أدواته ويحترم نفسه قبل احترام مهنته.
وقد ألغيت وزارة الإعلام ونص الدستور على إنشاء المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع الأمر الذي يتطلب حل مشكلات مبنى ماسبيرو قبل تنفيذ قرار إنشاء المجلس الوطني للإعلام لأنه أي إعلام الخدمة العامة الذي يمثله اتحاد الإذاعة والتليفزيون هو رمانة الميزان لضبط إيقاع الإعلام المصري الوطني سواء كان عاما أو خاصا.
والحقيقة أن المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء أعلم أنه يتفهم أهمية إعلام الدولة للحد من الفوضى الإعلامية بما فيها حالة الابتذال والتدني القيمي والأخلاقي السائدة تحت شعار الحرية الإعلامية الأمر الذي يطمأننا إلى حد ما على مستقبل إعلام الدولة في القترة الحالية، وإن كنت أرى أننا لا نحتاج ضمانة شخصية من المهندس محلب بقدر ما نحتاج إلى ثوابت تعكس قواعد ونظم لا تتغير بتغير الأشخاص!