رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة جديدة في إجابات قديمة (3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل تحدث الثورات فجأة بدون مقدمات أو بشائر أو تمهيد؟

بعد ثورة 25 يناير ببضعة أيام أدركت كل أطراف العملية السياسية فى مصر، بما فيها قوى الثورة المضادة على اختلافها، أن نظام مبارك قد سقط، ومن ثم شرعت رموز وقيادات هذه القوى، ومن كافة المجالات، فى تغيير تكتيكاتها من الهجوم على الثورة إلى محاولة استيعابها واحتوائها، وكان أبرز التكتيكات التى اتخذت، فى هذا الصدد، محاولة الفصل بين هذه اللحظة الثورية المتفجرة وبين أى تاريخ سابق عليها، والإصرار على وصف هذا الانفجار الشعبى الهائل بأنه انفجار تلقائى بريء من أي تحضير، وليس له أي جذور أو تراث، وهذا الانفجار، بهذا المعنى، أصبح عند رموز الثورة المضادة أقرب ما يكون إلى نبت شيطانى ظهر فجأة بدون أى مقدمات أو تمهيد، وبات كل من يحاول أن يربط نفسه بهذا الانفجار، أو بالأحرى هذه الثورة، هو "مدعٍ" أو "مُندس" أو "صاحب أجندة"، وكأن الثورة لم تشهد مشاركة الآلاف من قيادات ورموز المعارضة الديمقراطية، أو كأن وجود "أجندة" أو أهداف أو خطط أو برامج لأي قوى مشاركة في الثورة هي تهمة في حد ذاتها لأن الثورة بريئة من أن تكون لها أجندة، والجموع التي شاركت في هذه الثورة هي مجرد "قطيع" هائج من الساخطين الذين يتميزون بالسذاجة والعبط إلى درجة أن كل أجهزة المخابرات في العالم، بما فيها جهاز المخابرات القطري، من الممكن أن تخدع، أو "تضحك على"، أو تضلل، هذه الجموع ما لم يتطوع، و"عن طيب خاطر" قادة ورموز قوى أجهزة الأمن ورجال الحزب الحاكم "من زمان جدا"، أو بالأحرى قادة ورموز قوى الثورة المضادة، لكي يضعوا لهذه الثورة، أو لهذا القطيع الهائج، أجندتها، حيث تفترض هذه القوى، التي تفهم الأمور التي لا يفهمها القطيع، أن الناس انفجرت لهذا السبب أو ذاك بصرف النظر عما تعلنه قيادات هذه الثورة نفسها من مطالب لأنها قيادات، وكما ذكرنا من قبل، "مندسة"!.
وفى هذه اللحظات بالتحديد، وفى منصف فبراير 2011 والثورة ما زالت فى الميدان، أدركنا هذه التكتيكات مبكراً وطرحنا السؤال التالى: "هل تحدث الثورات فجأة بدون مقدمات أو بشائر أو تمهيد؟"، وقمنا بالرد على هذا السؤال على النحو التالي: "إن الثورات لا تندلع فجأة كما يتصور البعض، بل إنها تندلع كما تندلع العواصف، حيث تتجمع بشائرها ونذرها عبر الوقت، ولا تستطيع قراءة هذه النذر سوى العين الخبيرة التى لا يعميها طغيان المصالح والعزلة والاستبداد، وسنلاحظ جميعاً أن ثورة 1881 سبقتها تغيرات اجتماعية وسياسية ممتدة ما بين عهدى سعيد وإسماعيل انتهت إلى إملاءات غربية أضعفت الجيش وأذلت ضباطه المصريين ودفعتهم عبر تحركات امتدت إلى سنوات إلى تقديم مطالب متنوعة تتعلق بالجيش والوطن على السواء، وثورة 1919 هى الأخرى ساهم الحزب الوطنى بمرحلتيه (مصطفى كامل ومحمد فريد) فى التمهيد لها، أم حركة الطلبة والعمال فى 1946 فقد بدت بشائرها مع حركة الطلبة فى 1935 والتى عرفت رموزا مثل الشهيدين عبد الحكم الجراحى وعبد المجيد مرسى، ولم تكن انتفاضة يناير 1977 استثناءً من ذلك فقد سبقتها مظاهرات وانتفاضات طلابية وعمالية متتالية فى 1968 و1971 - 1972، 1973، 1975، وأخيراً فإن ثورة 2011 هى الأخرى لم تكن استثناء، فقد مهد لها الطريق حركات الاحتجاج التى بدأت مع اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة ثم الحملة الشعبية للتغيير (الحرية الآن) وحركة كفاية، وهى التحركات والحركات التى قامت بها النخب والقوى السياسية لدفع الناس إلى الاحتجاج فى الشوارع، وقد تطورت حركة الاحتجاج بعد التغيرات الدستورية فى 2005 عندما انضمت إليها مجموعات شبابية – بمشاركة من الشباب الليبرالى واليسارى – مثل مجموعة "كلنا خالد سعيد" وغيرها - وقد ضخت هذه المجموعات فى عروق هذه الموجة الاحتجاجية دماءً جديدة، وتواكب مع كل ذلك، وزاده ثراءً وثقلاً، موجة الاحتجاجات الاجتماعية التى اندلعت فى المصانع ومواقع العمل، لم يكن هناك بالتأكيد أدلة قاطعة على أن هناك ثورة ستندلع يوم 25 يناير بالتحديد لكننا نستطيع القول – وبكل تأكيد – إن نُذر الثورة كانت تتجمع وإن الكثير من المراقبين كانوا يؤكدون بالفعل على أنها ستندلع بين يوم وآخر، أو بين شهر وآخر وبالذات بعد الاعتداء الإجرامى على كنيسة القديسين فى ظل غياب أمنى مريب، وعقب وقائع انتخابات مجلس الشعب فى 2010 التى أطلقت فيها أجهزة الحكم قوى المال والعنف والقهر الأمنى والإدارى لكى تحسم المعركة فى ظل غياب – أو بالأحرى فى ظل مصادرة – الحياة السياسية والعمل السياسى. 
ويمكننا القول الآن، تعليقا على ما كتبناه في منتصف فبراير ٢٠١١، وبعد مضى قرابة الأربعة أعوام على اندلاع ثورة 25 يناير، أن هذا التكتيك، الذي اتبعته قوى الثورة المضادة، فى محاولة تفريغ الثورة من شعاراتها وتوجهاتها، وحرمانها من قيادتها، قد نجح ، بكل أسف، إلى حد كبير لعدة أسباب، ربما من أبرزها ارتباك قيادات ثورة 25 يناير وتخبطهم وارتكابهم عدة أخطاء في تحركاتهم اليومية، وهو الأمر الذى بدا واضحاً من خلال عدم نجاح الثورة، أو بالأحرى عدم نجاح هذه القيادات، فى بلورة قيادة موحدة وأهداف مُحددة وخطة واضحة، وهو الأمر الذي ساعد قوى الثورة المضادة على أن تكيل السباب والاتهامات الباطلة لهذه القيادات بالذات بعد أن نجحت هذه القوى في تحميل هذه القيادات مسئولية الفشل في تحقيق أهداف الثورة، وهكذا تصاعدت حملة السباب والاتهامات على نحو تدريجي ينسجم مع تزايد عزلة هذه القيادات الذي تزايد هو الآخر تدريجيا لأسباب متنوعة كان من بينها هذا التكتيك نفسه الذي أشرنا إليه هنا.