الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صرخاتنا ترتد إلينا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما أعظم النعم التى وهبنا الله إياها، ومنها قدرتنا على الكلام والتعبير عن أنفسنا، ولكن ماذا لو لم نستطع أن نتكلم أو نصرخ أو نستغيث؟! ماذا لو أصواتنا لا يسمعها أحد؟!.. وكأننا فى كابوس مفزع، نصرخ بصوت مكتوم، ولا نعرف كيف نستغيث، كى يستجيب أحد لإنقاذنا!.. وماذا لو نحتاج أن نجرى ولكن يقيدنا عجزنا على الفرار!.. هذا هو الكابوس الذى أصبحنا نعيشه فى الواقع، بعد أن أصبحنا أسرى لمواقع التواصل الإجتماعى، وللتكنولوجيا التي لا نتحكم فيها أو بها، وإنما أصبحت هي من تتحكم فينا!.. نتخيل أننا نستخدمها، والواقع أنهم يستخدموننا من خلالها!.. يقرأوننا ويعرفون ما نفكر فيه وما نحلم به، فيعرفون كيف يروجون لنا ما يريدون ترويجه، وكيف يخاطبوننا ويستغلوننا وفقًا لمصالحهم.. ومؤخرًا بعد الأحداث المؤسفة فى فلسطين، ظهر لنا جليًا أن ما نتخيل أنه مساحة يمكن أن نعبر بها عن أنفسنا، أو ننشر من خلالها أفكارنا - كالفيسبوك على سبيل المثال- ما هو إلا وسيلة مغرضة، يمكن أن تحجب ما لا يتوافق مع أفكار من أنشأه!.. فوجدنا أن كل ما ننشره لمناصرة الفلسطينيين، لا يصل لأحد تقريبًا، أو يصل لعدد قليل للغاية، فالصفحات التى يتفاعل معها آلاف هبطت للمئات، والمئات هبطت للعشرات وهكذا.. حتى شعر أغلب متصفحى الفيسبوك وكأنهم يخاطبون أنفسهم، والكل يشكو من الإخفاء لما يكتبه أو ينشره!.. بل زاد الأمر، ووصل إلى حد تهديد إدارة الفيسبوك للبعض بإلغاء صفحاتهم، إذا لم يعتذروا عما نشروه!.. وذلك بسبب كثرة ما ينشرونه من فيديوهات أو صور تكشف دونية ووحشية الكيان الصهيونى، ومن هؤلاء الذين هددتهم إدارة الفيسبوك مغنى الأوبرا الشهير الدكتور رضا الوكيل الأستاذ فى الكونسرفتوار والرئيس الأسبق للبيت الفنى بالمركز الثقافى القومى، والذى لم يخش من تهديد الفيسبوك ونشر على صفحته ما يلى: "جاء لى رسالة اليوم إنهم هيقفلوا الصفحه بتاعتي فى خلال ٢٤ ساعه إن ما كنتش أعتذر على اللى أنا بكتبه على صفحتي.. معلومة لو صفحتي اتقفلت هرتاح جدًا من الفيسبوك لأنه بيتعب لى أعصابى وبيضيع وقتى.. شكرًا لو هتقفلوها.. أعتقد أن من حقى كإنسان أقول رأيى في اللي بيحصل فى فلسطين علشان العالم يعرف الحقيقة يا بتوع الديمقراطية وحقوق الإنسان".. تكرر ما حدث مع الدكتور رضا مع العديد من متصفحى الفيسبوك، ولكن ما حدث ينبهنا إلى أننا من السذاجة أن نتخيل أننا يمكن أن نعبر عن أنفسنا بحرية، أو أننا يمكن أن نوصل أصواتنا ونخاطب غيرنا فى دول العالم، من خلال وسيط لا نتحكم فيه!.. وإنما صنعه ويتحكم فيه غيرنا، وفقًا لمصالحهم وأهوائهم.. فيسمحون لنا بما يشاؤون ويمنعون ما يختلف مع أهدافهم أو قناعاتهم، ونحن كعرائس ماريونت نتحرك وفقا لإرادتهم دون أن ندرى!.. ولا ننس أن أغلب تلك الوسائل تابعة لأجهزة مخابرات دولية، وبالتالى لا يفترض أن تحتل تلك الأهمية لدينا ونصبح أسرى لها!.. فهل يمكن مثلًا أن ننتظر من العدو وحلفائه أن يوصل أصواتنا بضمير وشرف ونزاهة دون تزييف!.. فإذا كنا نرى أن الكيان الصهيونى والمناصرين له من منظمات ومؤسسات، لا يتورعون عن قلب الحقائق، والتشكيك فى الثوابت التى تَثبُت حد اليقين، هل ننتظر أن نعتمد عليهم فى توصيل إستغاثاتنا وصرخاتنا! وهل نتوقع أن تصل أصواتنا وآراؤنا الحقيقية دون تزييف من خلال منصاتهم؟!.. وهل هناك معنى لمقاطعة السلع التى ينتجها الكيان الصهيونى والمناصرين له، وفى نفس الوقت نتحدث مع بعضنا البعض ونعبر عن أنفسنا من خلال وسائل هم صانعوها ومتحكمون فيها؟!.. آن الأوان أن نستفيق، وندرك خطورة ذلك، ويصبح لدينا وسائلنا التى نكون نحن من يتحكم فيها وبها!.. وقبل ذلك علينا أن نحاول إعادة أبنائنا لقراءة الكتب والصحف، وألا يكتفوا بالوسائل الإلكترونية التى أصبحت وسيلتهم لتلقى العلم والمعلومات! آن الأوان أن يقرأوا التاريخ، ويدركوا أهمية القراءة والعلم.. وهنا ألفت النظر لمن يتبنون فكرة التابلت، والإعتماد عليه فى الدراسة، لأنهم سيقضون تدريجيا ونهائيا على الكتاب!.. وما يطلق عليه طرق حديثة فى التعلم، لا تقتضى من الطالب سوى الإختيار بين متعدد، ولكنها تقضى على قدرة الطلاب على التعبير عن أنفسهم.. وأريد من ذلك تلافى الفشل، وأن ندرك أن الطرق التقليدية التى توارثناها كانت أجدى وأنفع!.. كفانا تقليدًا لقشور ما يفعله الغرب، فنحن لا ننقل تجربتهم كاملة، ولكننا لا نأخذ سوى القليل، فنفقد البوصلة، ونتوه بين هذا وذاك!.

رشا يحيى: أستاذة بأكاديمية الفنون