الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

«معارك التجديد والجمود».. محمد أركون يرد على هجوم الغزالي

محمد أركون
محمد أركون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

خاض المفكر الجزائري محمد أركون عدة معارك في إطار التجديد، منحازا لنزعته التنويرية والإنسانية التي أبرزها في الفكر الديني الإسلامي، إذ يحتاج الفكر الديني إلى التزاوج مع نتاج فلسفي قوي يخلق بداخله اتجاهات فكرية إنسانية شديدة الأهمية، ضاربا المثل بما حدث مع الفكر العربي الإسلامي وامتزاجه عن طريق الترجمات بالفلسفة اليونانية القديمة، فظهر أبو عثمان الجاحظ، وأبو حيان التوحيدي، ومسكوية، وابن رشد الأندلسي وغيرهم، وفقا لوجهة نظر أركون، فإنها تعزز من دور العقل في مجال البحث المعرفي وتحرير طاقاته الإبداعية.
أركون، الذي ولد في العام 1928، ورحل في 14 سبتمبر من العام 2010، أنجز محمد أركون مشروعا فكريا كبيرا، يعد من أهم المشاريع الفكرية التى نمت على ضرورة التحديث، من خلال قراءتها للتراث وللنص الديني بمنظور نقدي، يحرر الوعي الإسلامي من ملابساته التاريخية.
تسجل له ذاكرة المعارك التنويرية معركة بينه وبين الشيخ محمد الغزالي الذي يمثل المنهج التقليدي الجامد، إذ طالبه الأخير بضرورة التوبة والرجوع عن أفكاره، بينما رد عليه أركون ردا عنيفا انحاز فيه لأفكاره التجديدية وطريقته المختلفة.
تعرَّض لموجة شديدة من النقد والهجوم كان معظمها يرتكز على عدم وصول فكرته بدقة لمنتقديه، ومن بين هؤلاء كان الغزالي الذي هاجمه في مؤتمر وزارة الأوقاف بالجزائر عام 1986 تحت عنوان "الصحوة الإسلامية والمجتمع الإسلامي"، ولقد ذكر أركون تلك الحادثة في كتابه الشهير "قراءات في القرآن"، معتبرًا ذلك الهجوم امتدادًا لنموذج تراثي عقيم وهو محاولة قتل كل محاولة تجديدية وإرجاعها للعقل الجمعي التقليدي، ضاربًا المثل بابن عقيل الحنبلي الذي جالَس المعتزلة ثم أعلن توبته متبرئًا منهم لينجو بنفسه، وبأبي الحسن الأشعري الذي عاش على مذهب المعتزلة ما قارب الأربعين عامًا ثم توبته عن ذلك المذهب ورجوعه.

ويعتبر أركون ذلك "بارديجم" أو نموذجًا فكريًّا لدى الجماعة الإسلامية التقليدية التي تفترض التوبة في كل محاولة تجديدية، مستنكرًا هجوم الغزالي عليه الذي طالب أركون بالتوبة والرجوع عن اعتقاده.
يقول أركون: "وقد تعرضت شخصيًّا لمحنة مشابهة أثناء انعقاد "ملتقى الفكر الإسلامي" في الجزائر عام 1986، فقد هاجمني الشيخ المصري محمد الغزالي، وأمرني بالتراجع وبالتوبة عن عبارة وردت في كتابي "الفكر العربي" تقول: "القرآن خطاب ذو بنية أسطورية"، للأسف، إن الدكتور عادل العوا، وهو مترجم الكتاب إلى العربية، ترجم العبارة على هذا النحو: "القرآن خطاب أسطوري البنية"، وهو فيلسوف يجهل الفرق بين كلمة أسطورة وبين كلمة قصص، وكان ينبغي أن يترجم العبارة على هذا النحو: "القرآن خطاب قصصي البنية".
ردًا على إنذار الغزالي الذي وجهه إليّ بكل عنف أمام جمهور الحاضرين المحتشدين في المؤتمر، لم أُقدم توبتي واعتذاري، إنما أعطيت حارس العقائدية الدوجمائية المتحجرة درسًا في علم اللسانيات، وكيفية الترجمة، والتفسير الديني، والأنثروبولوجيا، وقد احتفظ كثيرون من الجزائريين بذكرى تلك المواجهة الصعبة التي انتهت لمصلحة الضحية".
يشار إلى أن أركون نشأ في عائلة فقيرة تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، واتجه للبحث والدراسة والتعلم، عمل بعد ذلك أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي في جامعة السوربون، وجامعات أوروبية، ترك بصمة واضحة وجريئة في تاريخ الفكر الإسلامي الحديث، ورحل أركون في 14 سبتمبر 2010م عن عمر ناهز 82 عامًا بعد معاناة مع المرض في باريس، ودُفن في المغرب حسب وصيته.